كل الحياة محاولة لأن تكون على قدر مسؤولية من شيء تجهله، من قدر يتربص لك، هل من المنطق أن تكون مسؤولاً عن قدر لست تنسجه، وإنما ترتديه فقط؟! هل حقاً تسمح لنا يا الله بالمشاركة في كتابة أقدرانا؟ هل سَيْري قبيح نحو مستقبلي؟ ها أنا أحاول التحسين، علمني وأرشدني رجاء لأني أرتعد وحدي..
منذ نعومة أظافرك وأنت تحاول، تحاول أن تفلت من قبضة اللفة التي وضعتك أمك فيها بمساندة جدتك، حتى لا تتململ عظامك وحتى تتكئ على نفسك، كبرت قليلاً وحاولت أن تكون هادئاً، حاولت جاهداً حقاً أن تُعرض عن الأشياء التي تُغريك، تكبر وتكبر الحياة فيك، فتحاول أن تكون مراهقاً عادياً مر على الحياة نسخ عديدة منه، لا يُثير رعباً متجولاً في عقل والديه، تحاول أن تكبر متواضعاً للمشاعر، والحب يحرج الشعور فيك، والفراشات تأخذ جولة في معدتك، تحاول أن تخبئ الشعور في روحك كأنه ملك لك، وراودك وحدك..
تحاول أن تكون مستقيماً والرذالة تأخذ طريقها إليك، تحاول أن تضبط أخلاقك في محاولة استفزاز لها، وتستطيع كتم جبال غيظ وأنت تعمل تحت عيني المدير الوحشية، تحاول جاهداً لتصل مرحلة الاتقان، تحاول أن تُنجب من سيدة لا تحبها، وتنجب أطفالاً يحاولون عيش الحياة مثلك..
يؤسفني أن أخبرك أنك تعيش الحياة محاولة.. تخوضها كمستكشف تُغريه مفترقات العمر وتجارب الآخرين، كمستنقع مليء بالأوهام والأحلام والتحذيرات التي تركها الآخرون خلفهم، وأتيت أنت لتغتسل في تجاربهم!
أنك تحاول وأنت ممزق بالرصاصات، وعيون مجتمعية معلقة عليك، وآمال العائلة التي لا تنضب، والسلاسل في أقدامك تجرجرها، وتكابر بمقدرتك الضئيلة ومع ذلك تصل، ولا يُدهشنا الأمر..
كل الذين سبقونا حاولوا مثلما حاولت ووصلوا إلى محطتهم الأخيرة، واكتشفوا أن رغد العيش في تجربة جديدة، في خوض غمار شيء لم يخضه أحد من قبل، لا تسلم جياد فرس أقدامه تعبت من الركض، كأن يخبرك أحدهم أن للمسألة حل واحد، فتظل طوال العمر تعيش على ظل محاولته، من دون أن تجرب طريقة أخرى وتغامر بالفكرة!
إن الحياة مغامرة علينا خوضها، لا مجرد محاولة لتصل للموت سالماً، لقد حاولت كثيراً حتى أفنيت عمرك في المحاولة.
الآن أنا على سرير المستشفى، بيدي محلول ملحي يزيد من حرارة جرحي، أطلب من الممرضة أن تجلب ورقة وقلماً وتجلس بجانبي وتكتب ما أمليه عليها:
إنني أنضب، أتلاشى، كل كلماتي مهترئة الآن، تكرر الحياة نفسها، والحزن صياد ماهر، يعكر صفو لحظاتي، وأنا الميت الذين يودعونه أهله بالنظرات، لكنه يدرك أن هناك خطأ ما، وعليه أن يستيقظ ويقدم اعتذاراً للحياة، لأنه لم يعشها كما يجب، ولا يمكن أن تفوته هكذا..!
دوّني محاولات جديدة:
سأحاول ألا أكون جرحاً في قلب أحدهم يصعقه كلما برقت الأيام ذكراه
شوكاً يوخز الذاكرة
قسوة مرهونة
تربة فاسدة
"لن أسهم في زيادة رصيد حزن أحدهم".