أسير في طريق، يسير نحو البحر، لا موج يُرديني، ولا يد تلوح لي قائلة: "عد، وجودك يحييني" لا أحد يعيش من خلالي، فبات تشبيه صديق لي، رواية أدخل بها على حياتي، أنني تلفاز قديم لا يلتقط مشاعره جيداً، وأنني لم أعد مناسباً للواقع الذي يُبث عبر الحداثة..
أصبحت أردد في طريقي نحو الفناء – ما عادت فيروز تُغني – عمري يتساقط مني كأوراق خريفية، تُشاكس الطريق..
الآن، من زاوية الطريق الذي أخذت زاويته ركناً لأريح عناء أفكاري واتأمل المارة كسينما قديمة عبرت على قرية، أتلو شعراً ينبت على أطراف لساني، وأبزقه كسم:
لا البحر يرحل، ولا أنا الصياد الباقي
الذي يرث ماء يُغرقه
لا السمكة التي يقودها قدرها
لتفجع بالخديعة من مكان تأمله
لا العنقاء تورث رماداً
ولا الطيور الحالمة
التي لا تسعها سماء
فتخلع أجنحتها وتسلمها لفم الفريسة
لا الحياة حلوة، ولا المائدة مالحة
لا الفتاة فاتنة، ولكنها العيون
معمل الأسحار
لا الأغنية قديمة،
ولكن أمي عادت للديار،
تجر الزمان في ذيل ثوبها،
لا الأشجار تصنع مدينة،
ولا الغابة وحيدة
مسبحة الذنب طاهرة
وإن مستها مومسات الليل كله،
الفجر يلهث ليصل قبل أن يُغادر الليل،
وأبي يُغير طريق المسجد
لعله يلمح ملاكاً ويصدق النبوءة..
أيادٍ لا تمل من نفث الدعوات،
وحكاية طويلة لا يقدر على وأدها الزمان
أنظر للعابرين، على أنهم لقطات سينمائية، لكنها ملونة بألوان رديئة، وأخلاق بذيئة، نكهة الإنسان سامة، لاحتواء روحه على الشياطين، يعبر طفلاً الآن يبعث في روحي الحسرة على ماضيّ، وأبكي حتى أتحول لجثة تغرق قبل أن يبتلعها البحر..
أيقظتني موجة هاربة من تردداتها، وصوت فيروز يصدح في هاتف محبوبتي، ولكن البحر حين اعتدلت كان بلاطاً رخامياً مكسوراً، معكوسة صورتي عليه، ومت من خوفي واستيقظت من حلم العمر في قبري..