السياحة، هذا القطاع الحيوي الذي قُصم ظهره، كما يقال، في أزمة كورونا، عاد كما يبدو بثوب جديد، فبعد انسحاب شركات التأمين، التي رفضت منح التعويضات للشركات السياحية، وجدتها التطبيقات فرصة لدخول السوق بقوة، عبر أسلوب إغراء العميل، وربطه مباشرة بالفنادق وشركات الطيران. إلى أين وصلت هذه التغيرات؟، وما توقعات جديدها حتى للسنتين القادمتين، لتستوعب رغبة الناس في السفر الذين افتقدوه، لكن بعقلية جديدة، وربما متطلّبة، تبحث عمّا يشدها؟. لقاءات مع خبراء في مجال السياحة من الوطن العربي، يعرضون ما عندهم لإغراء العميل المسافر.في الآتي حوار ممتع حول تلك التجربة الغنية التي خاضتها وتخوضها خديجة بخاري.
أعدّت الملف | لينا الحوراني Lina Alhorani
الرياض | يارا طاهر Yara Taher
جدة | ثناء المُحمد Thana Almohammed
الرباط | سميرة مغداد Samira Maghdad
بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine
تونس | منية كواش Monia Kaouach
القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab
من الإمارات
شريهان المشاري: قفل غرفتك الفندقية سيتعرّف إليك!
أدت جائحة كورونا إلى تسريع إتاحة التطبيقات للجميع، من دون تلامس، لذوي الكفاءة التقنية، وهذا ما قلل عدد الموظفين، كما تؤكد شريهان المشاري، مديرة مشروع تطوير الأعمال والعمليات في (الفنادق والمطاعم والضيافة)، لشركة شركة تي جي بي إنترناشيونال، الوكالة العالمية للضيافة. بات السائحون أقل سفراً، ولكنهم يقيمون لفترة أطول، وسنشهد التواصل مع الفنادق لتسجيل الوصول والمغادرة والدخول من دون مفتاح عبر الهاتف المحمول، عبر WhatsApp وFacebook، (وليس التطبيق)، تستدرك شريهان: «هذا يقلل من انبعاثات الكربون والأثر البيئي.. شريطة بقاء التفاعل البشري الذي يجعل صناعة السياحة أكثر روعة». بعد كورونا، أصبح الناس من وإلى الإمارات أكثر حرصاً على السفر، حتى أصبح إجمالي الربح التشغيلي لكل غرفة متاحة (GOPPAR) في دبي أعلى بسبع مرات من عام 2019، وفقاً لتقرير STR (2022). تستدرك شريهان: «في TGP International، أدت التغييرات الجذرية التي شهدتها صناعة الضيافة إلى تبني الشركة وجهة نظر عالمية. أطلقنا ملفات تعريف الارتباط النباتية الكندية في هارودز بلندن، ولوس أنجلوس برجر في دبي، والحلويات السنغافورية في السعودية، وغيرها الكثير.. حتى السياحة الصحية والروحية وسياحة الاستشفاء آخذة في الازدياد، وأصبحت الإمارات من بين أفضل الوجهات السياحية للاستجمام في العالم».
الطهيُ المسرحيُّ
ترجح شريهان أن يتبنى المستهلك من جيل الألفية خيارات جريئة ومغامرة، تعلّق قائلة: «الجيل الجديد من المسافرين فضولي بشأن الثقافة ويهتم بالطعام! وقد عملت TGP على العديد من مشاريع الطعام وصالات الطعام المختلفة خلال العام الماضي، مثل Aldebaran The African Dining Hall وDaishiki في الإمارات، وتوقعوا رؤية المزيد من قاعات الطعام الإقليمية، مثل الأفريقية والبولينيزية، في المناطق السياحية الشعبية».
تابعي المزيد: أفضل الوجهات المثالية لعشاق المغامرات
من جدّة
سالم الشتيوي: سائحنا وثقافة «القروبات»
وفّرت التطبيقات منصةً سهلةً وسريعةً وبسيطةً للسائح، ولكن يبقى العمل من خلال وكيل السفر أكثر أماناً وموثوقية ومرجعية في كل الخدمات، خاصة ما يتعلق بالتعديلات على رحلات الطيران أو الفنادق، كما يقول سالم الشتيوي، المدير التنفيذي لمجموعة الشتيوي للسياحة والسفر.
يؤكد سالم أن قطاع السياحة والسفر تأثر بشكل كبير جداً، فقد خسر النقل لتعطله تماماً فترة طويلة، كما كانت العودة التدريجية حذرة جداً، يعلّق قائلاً: «بعض الشركات صفّت كافة أعمالها.. لكن هذا الموسم مع إجازة الصيف والمدارس رأينا عودة وتعافياً لكثير من الوجهات السياحية، وحماسةً وشغفاً كبيرين من العملاء للسفر بعد هذا الانقطاع، إلى الوجهات القريبة التي لا تتطلب إجراءات سفر معقدة، مثل جورجيا وأذربيجان وتركيا، بينما انخفض عن تايلند بسبب الارتفاع الكبير على أسعار الطيران إلى تلك الوجهات، هناك تركيز من السعوديين على الإجازات القصيرة والمطولة أثناء العام، التي بلا شك يستفيد منها البعض في السفر إلى خارج المملكة».
عقليةُ السائح
يشير سالم إلى أن عقلية السائح في تغير مستمر، فهو يتوجه إلى أوروبا وأميركا وبعض الدول العربية بنظام «القروبات»، يعلّق قائلاً: «هي ثقافة جميلة واقتصادية واجتماعية؛ كانت مرفوضة بحكم أن السائح السعودي دائماً ينشد الخصوصية، ولو كان ذلك على حساب ارتفاع الأسعار».
تابعي المزيد: قصور آل أبو سراح إرثٌ رممه الأحفاد
من الرياض
أحمد الجعيد: للتقنيّة مصداقيتها لدى المستخدمين
أسهم ارتفاع نسبة الشباب المسافر، وزيادة الوعي باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، كثيراً في إبراز وجهاتٍ سياحيةٍ جديدة كما يجد أحمد الجعيد، منظِّم رحلاتٍ.
الكل يتحدث عن التطبيقات السياحية التي سهَّلت حجوزات الطيران والفنادق، والسداد الإلكتروني، فالتقنية كسبت موثوقيةً ومصداقيةً عاليتين لدى المستخدمين؛ حيث تصدَّرت الحجوزات عبر تطبيقات الجوال المشهد، يتابع الجعيد: «هذا التحوّل أبرز وجهاتٍ سياحيةً جديدة، تصدَّرت رغبات السياح لما تتميَّز به من أمانٍ، وخدماتٍ عالية المستوى تقدَّم بأسعارٍ معقولة، فصحيح أن تأثير الفيروس طال الجميع، لكنه عاد بالفائدة على السياحة الداخلية، وهو ما حدث في السعودية؛ إذ كانت الرابح الأكبر؛ حيث استكشف المواطنون والمقيمون وجهاتٍ سياحية داخلية؛ ما أسهم في انتعاش الحركة الاقتصادية فيها، إضافةً إلى زيادة الوعي بأهمية وجهاتٍ سياحيةٍ مميَّزة في الداخل والخارج».
رحلةُ الشتاء والصيف
كشف الجعيد أن السياحة السعودية ازدهرت في السنوات الأخيرة بشكلٍ كبير، لما تجده من دعمٍ حكومي، خاصةً بعد إطلاق رؤية 2030، واعتماد مشروعاتٍ سياحية جديدة، وتكامل الخدمات بين الجهات الحكومية والخاصة لتقديم تجربةٍ رائعة للسائحَين المحلي والعالمي، كما برزت وجهات مميَّزة في الشتاء، مثل العلا والرياض، وفي الصيف، مثل الطائف وأبها.
فاطمة الملا: الحجزُ في أي وقتٍ
تمكّن التطبيقات من مقارنة الأسعار، واختيار المواصفات المناسبة، وتوفر للسائح الراحة والمرونة، وتمكِّنه من الحجز في أي وقتٍ، كما تجد فاطمة الملا، ناشطةٌ تهتمُّ بالسياحة والآثار.
تعتمد فاطمة في كلامها على عقلية السائح التي اختلفت كثيراً مقارنةً بالسابق، تتابع قائلة: «اختلاف الاهتمامات بات واضحاً، بين الغرض الثقافي والتسوق والترفيه، كما أن رفع منع السفر، أعاد الحركة السياحية مجدداً، وعزَّز ذلك إطلاق عديدٍ من البرامج السياحية التي تستهدف الأفراد والعائلات، إضافةً إلى الرحلات النسائية الخاصة».
تابعي المزيد: أفضل الأنشطة السياحية في جبل السودة
من المغرب
جواد مديدش: أسعار التطبيقات لا تسمح بالمساومة
جواد مديدش، صاحب مشروع سياحي إيكولوجي في ضواحي مدينة مراكش، يحمل اسم المنطقة التي يتواجد فيها «قصبة ويركان»، وهو مكان يوفر إقامة وسط الماء والخضرة مطلة على جبال الأطلس. ترغم السياحة العصرية، برأي جواد، السائح على أن يحجز تذكرة سفره والفندق أو مكان إقامته عبر المواقع الإلكترونية؛ ما يتيح حرية اختيار الأمكنة المناسبة لميزانيته، وحتى الاطلاع على الأسعار بشكل مباشر، يتابع قائلاً: «الأسعار محددة، ولا تسمح بالمساومة، وبعد أزمة كورونا، هناك إقبال كبير على السياحة، سواء من مغاربة الداخل، أو من المهاجرين، أو السياح الأجانب، وهو أمر طبيعي بعد الحرمان الذي عاشه عشاق السفر والرحلات لأكثر من سنتين بسبب ظروف الجائحة». تحدّث جواد عن عقلية السائح في ظل كل المتغيرات، وهي برأيه لم تتغير بالنسبة إلى المغاربة، فالطبقات العليا تفضل السفر إلى الخارج، أما المتوسطة والصغيرة فتختار بعض المنتجعات كل حسب إمكاناته. يستدرك قائلاً: «بعض المغاربة والأجانب كذلك، أصبحوا يقبلون كثيراً على السياحة الجبلية، ويفضلون المشي في الطبيعة خلال كل فصول السنة، وقد أستثني هنا السياح العرب والشرق الأوسطيين».
زمنُ التغيّرات المناخية
«قصبة ويركان»، المشروع الذي يملكه جواد ينظم رحلات شهرية إلى الجبل، وسط الشلالات، ومنتجع إمليل، ومسجد تينمل الذي يعود إلى القرن 12 ميلادي يتابع قائلاً: «لا مناص من السياحة الإيكولوجية في زمن التغيرات المناخية والخطر المحدق بالبيئة في العالم، إن أراد الإنسان الحفاظ على كوكبنا الأرض، ونحن نحاول قدر الإمكان مشاركة السائح لنا عبر كتابات داخل الغرف وخارجها تتمحور حول رمي النفايات وطريقة استعمال الماء».
تابعي المزيد: أجمل الأماكن والأنشطة السياحية في أملج
من لبنان
مريم باشات: السياحةُ دعمت المنتجات المحليّة القروية
تعدّ مريم باشات، صانعة محتوى ومرشدة سياحية، السياحة من أكبر ضحايا كورونا. لكن بعد حوالي العامين بدأت تظهر بوادر تعافي قطاع السياحة في مناطق كثيرة من العالم. تأثر الوضع السياحي في لبنان بالأحداث، ثم بجائحة كورونا، وأخيراً انفجار مرفأ بيروت، والانهيار الاقتصادي، وتضخّم العملة... تتابع مريم: «مع مطلع عام 2022، رأينا الإقبال الشديد على السياحة الداخلية، والأماكن الطبيعية، من خلال رحلات مشي إلى المناطق النهرية والجبلية، وهذا دعم المنتجات المحلية القروية، إضافة إلى أن سياحة الأجانب والمغتربين عادت من جديد، وخاصة في مدينة طرابلس الأثرية، وجبيل، وصيدا، وصور، والعاصمة بيروت».
الحجزُ المسبق
بات الناس تواقون للسفر والتجوّل وممارسة النشاطات السياحية بمختلف أشكالها وأنواعها، تستدرك مريم: «أصبحت عقليتهم تبحث عن كل ما هو جديد في هذا المجال، لذلك أنصحهم بالحجز المسبق قبل السفر بأشهر عدة؛ حيث يكون سعر التذاكر أقل، وعليهم تحضير البرنامج قبل الرحلة لتوفير الوقت خلالها، والتواصل مع مرشد سياحي، والتأكّد من الطقس خلال أيام الرحلة ليتمكّنوا من إحضار الملابس المناسبة، وتحميل بعض البرامج المرتبطة بالبلد إن كانت للمواصلات أو للعملات».
تابعي المزيد: أفضل المعالم السعودية التي يمكن السفر إليها في اليوم الوطني السعودي
من تونس
خالد دريرة: ما زال الناس خائفين من المستقبل
بدأ خالد دريرة، صاحب وكالة سفريات وتنظيم رحلات، حديث بالقول: «وفّرت التطبيقات الرّقميّة دليلاً سياحيّاً وبياناتٍ مفصّلةً عن الوجهة التي يرغب السائح في زيارتها، ومكّنتهم من الحصول على أرخص الحجوزات. كما أن التّطبيقات أثّرت في عقليّة النّاس وسلوكهم، فهم يتنقلون في واقع افتراضيّ سمح لهم أن يعيشوا أجواء الرّحلة بتفاصيلها وجزئيّاتها وأطوارها، فيزورون مكان السفر افتراضيّاً، ويتجوّلون في متاحفه، ويكتشفون آثاره، ومناطقه الجميلة، وخصائصه».
يتابع خالد: «المنافسة باتت كبيرة، وعادة ما ألجأ إلى مواقع التّواصل الاجتماعي من فيسبوك وإنستغرام وتيك توك لاستقطاب السياح، فأجد فيها التونسيين من جميع الشّرائح والطّبقات، وهكذا تزداد مبيعاتنا، كما أنّ الشبكات الاجتماعية تمدّ روّادها بعروض سفر عديدة ومتنوّعة، فيقارنون بينها، وينتقون منها ما يلائمهم؛ كل هذا يحفز وكالات السفر ومنظّمي الرّحلات على تحسين خدماتهم لتناسب تطلّعات الزّبائن».
ارتفعت أسعار التّذاكر
اختار خالد في وكالته الرحلات الطويلة والسياحة الثّقافيّة إلى الأردن، وسلطنة عمان، ودبي بالإمارات، ورحلات أخرى إلى روسيا، والولايات المتحدة الأميركيّة.
يتابع قائلاً: «ما زال الناس بعد كورونا خائفين ممّا يمكن أن يخبّئه المستقبل، لكنهم قرروا الاستمتاع بما تتيحه لهم الحياة من فرص، فزاد إقبالهم على السّفر وعلى الرّحلات الدّاخليّة والخارجيّة رغبة في اكتشاف العالم، واستعادة حرّية التنقّل التي حرموا منها، وتجديداً لنمط حياتهم بخوض تجربة السّفر والاختلاط بالآخرين، فامتلأت الفنادق وارتفعت أسعار التّذاكر».
تابعي المزيد: جولة في "الأحساء" أكبر واحة في السعودية
من مصر
عبير جاهين: انسحاب شركات التأمين
«ابتُكِرت أفكار جديدة ساعدت على حجز تذاكر الطيران، ومواجهة مشكلة اللغة الأجنبية من خلال تطبيقات الترجمة، وكذلك للإقامة في الفندق وخرائط مدن العالم المختلفة للوصول إلى الوجهات السياحية المميزة»، بهذه النقاط بدأت عبير جاهين، خبيرة سياحية، وجهة نظرها.
يوجد على متاجر الهواتف الذكية، سواء أندرويد، أو آي أو إس Ios، المئات من التطبيقات الخاصة بحل كل تلك المشكلات السابقة، التي يواجهها المسافرون والسائحون في معظم دول العالم، تتابع عبير: «هناك مشاكل في التطبيقات، إنها تنتهز حالة جهل العميل لاستقطابه، الذي غالباً ما يعود إلى الوكيل السياحي لضبط حركته السياحية».
تورتة سوق السياحة
تبرر عبير سبب انتشار التطبيقات إلى أزمة كورونا التي رفعت عدد المتنقلين الرقميين من خلال هذه التطبيقات للفوز بتورتة سوق السياحة، تستدرك قائلة: «انسحبت شركات التأمين من مساندة هذه الشركات السياحية على المستوى العالمي؛ نظراً إلى الخسائر الفادحة، لكنها سددت قيمة الحجوزات التي كانت مدرجة قبل الجائحة، فدخلت بدلاً منها التطبيقات، وهو ما خلق حالة من الود بينها وبين العميل».
تؤكد عبير اختلاف عقلية السائح مؤخراً بعد توافر الكثير من معلومات سوق السياحة من خلال تلك التطبيقات، بالتالي أصبحت تلك التطبيقات مؤشراً حسناً تدفع الناس إلى أن تفكر سريعاً في عمل ميزانيات للرحلات، تعلّق قائلة: «على الرغم من أن التطبيقات تضر الشركات السياحية، لكنها بالفعل فتحت باب لكل مواطن على المستوى العالمي لجولة سياحية في أي منطقة يرغب فيها».
تابعي المزيد: في اليوم الوطني.. السعودية في عيون هواة السفر