منظر رومانسي فائق الجمال، ذلك الذي استقبلت فيه مصممة الديكور الداخلي المصرية ياسمين نور الدين، التي اتخذت من دبي مقراً لشركتها «هوب»؛ حيث يقع منزلها في أطراف نخلة جميرا، يحيطه البحر من هناك، وسط أشجار نخيل، وعلى الرغم من مرور السنوات، لكنها ما زالت تحتفظ بنضارتها.. بأناقة بالغة كانت ياسمين تقف على باب منزلها، تنظر إلى التفاصيل، وتعيد ترتيبها كل يوم.
سرير الملك توت عنخ آمون
في طفولتها، كانت ياسمين مفتونة بالتاريخ المصري، أطول الحضارات البشرية عمراً وأكثرها امتداداً عبر التاريخ، شغل بالها كيفية المحافظة عليه، هذا الاهتمام ورثته عن والدتها التي كانت عالمة آثار، تتابع ياسمين: «غالباً ما كانت تأخذني إلى المتحف المصري، الذي ما زال يحمل في طياته أسراراً. أعجبت بالتماثيل الصغيرة التي تُظهر الحياة اليومية، لتلك الفترة. وعلى الرغم من ذلك، كان القسم المفضل لدي لزيارته في المتحف ممتلكات للملك توت عنخ آمون؛ حيث عُثر على ما يزيد على 5000 قطعة أثرية رائعة، كانت شاهداً على حياة وموت الملك الصغير.. أحببت رؤية أثاثه، من الأسرّة المفصّلة برؤوس الحيوانات، إلى الكراسي ذات الوجه، ومنذ ذلك الوقت كان سرير هذا الملك الصغير قابلاً، وكان يستخدم في الرحلات أو الحروب أو التخييم، وهو مقسّم إلى ثلاثة أقسام يتم تركيبها سوياً للحصول على السرير الكبير، ويحتوي على دعامات فى كل زاوية من زواياه، ووصلات برونزية متحركة، وتم تصميم الأرجل التي يرتكز عليها على شكل أرجل أسد، أما سطح السرير فقد صُنِعَ من الحصير والكتان، واحتوى على مفصلات قوية لتساعد في طيه بسهولة.. يلفتني أيضاً هناك تصميم لكرسي ظهر لدى العديد من الأسر الفرعونية، وهذا المقعد القابل للطي يعود للدولة الحديثة، وكان مصنوعاً من الشرائح الخشبية، ومطعّم بالعاج، وتم استخدام النحاس عند الوصلات».
تابعي المزيد: المهندس عبدالعزيز العظم: وعي ملاك المنازل بدور الإضاءة في التصميم يتزايد
ترجمة على المساحات
عندما صارت ياسمين في سن الثانية عشرة، لاحظت أمها ولعها الشديد بالأثاث وحفظها لتفاصيله مع قصصه التاريخية، فملأت البيت من الأثاث المقلّد الذي كانت تشتريه من المتاجر والمصانع العتيقة، تعلّق ياسمين: «كانت هذه بداية طريقي الجدية؛ حيث قررت الاهتمام بالتصميم».
لم تبد ياسمين شخصية تفرض رأيها على من يقابلها، وقد اعتادت الإصغاء إلى متطلبات زبونها، تشغل تفكيرها في فهمها جيداً بما يكفي لترجمتها على المساحة المطلوبة، تتابع قائلة: «بطريقة ما، أشعر بأنني مدربة حياة تحول أحلام العملاء إلى حقيقة داخل منازلهم».
بطريقة ما، أشعر بأنني مدربة حياة تحوّل أحلام العملاء إلى حقيقة داخل منازلهم
برامج ثلاثية الأبعاد
عندما تصمم ياسمين المساحات، تستلهم تفاصيلها من السفر، وزيارة المعارض العالمية، ومن زوايا أزقة المدينة التي أفضّلها قديمة، وأتجول في شوارعها، تستدرك قائلة: «بالتأكيد أستلهم من الموضة والهندسة المعمارية. إن الالتقاء بالموردين وأصحاب الأعمال ومجاراة شغفهم بمنتجاتهم هو ميزة أخرى للوظيفة. تساعدني هذه الاجتماعات في اختيار الأثاث؛ حيث أتعرف إلى قصة المنتج، فلكل منتج قصة وراءه تبرز جماله، وعلى الرغم من ذلك، عندما أقوم بتصميم الأثاث، فإنني أبتعد عن هذا الصخب، أفضل الوقت الهادئ، والرسم، ثم تجربة البرامج ثلاثية الأبعاد لإضفاء الحيوية عليها».
مارست ياسمين خبرتها في التصميم على الفنون الأخرى، وانغمست تنتج إبداعها في الرسم وتصميم المجوهرات وحقائب اليد والملابس، لها ولصديقاتها المقربات.
تابعي المزيد: المصمّمة منى حسين: لا يمكن للترند أن يمحو هوية الديكور العربي
الأبيض شخصيتي
هي سيدة عربية تحب تصميم وإنشاء أثاث حديث بلمسات إسلامية وشرق أوسطية، تستدرك ياسمين: «مع ذلك، فأنا لا أستلهم من أي عصر محدد. على الرغم من أنني في عالم اليوم، فقد عرضت بامتنان تصاميمي في أسبوع التصميم في دبي، كما شاركت في آرت دبي، وآرت أبوظبي، وفي معارض فنية بارزة في نيويورك».
بدت تصاميم الأثاث الذي تبدعه ياسمين تميل بمجملها إلى اللون الأبيض، حتى المساحة التي تعيش وتعمل بها بدت بيضاء، تتابع قائلاً: «الأبيض هو شخصيتي الهادئة، وهذا لا يعني أنني لا أحب الألوان. بل أشعر بالإثارة عندما يكون زبائني شجعاناً ومغامرين بالألوان والقوام.. وكل ما يمكنني قوله عن التصميم مع عملائي هو أنه أمر لا يصدق وممتع. تبدأ بوصفها علاقة عمل وتنتهي بصداقة مستمرة».
قصة مطعم بورو
شاركت ياسمين في تصميم الجزء الداخلي من مطعم Puro 1484، الذي يقع على جبل جيس في رأس الخيمة، وهو أعلى مطعم في الإمارات العربية المتحدة، عنه تقول: «كان مشروعاً مثيراً عملت عليه مع شريكي. فالمنظر الفخم للجبال يخطف الأنفاس، وكان علينا ربط هذا الموقع الفريد بأفكار تصميمية تبرز جماله.. تصميمات تعني الجبل والطبيعة الساحرة.. لقد كان تحدياً بالفعل».
ومن المشاريع المثيرة والفريدة من نوعها التي شاركت ياسمين في تصميمها، كانت منازل متنقلة للعائلات في دول مجلس التعاون الخليجي. عملت فيها مع شركائها لتطوير منازل صغيرة فاخرة على عجلات، تتابع ياسمين: «البيوت المتنقلة هي مساحات ضيقة، لذلك قمنا باستغلال المساحة من خلال إعطاء كل قدم مربع فائدة حقيقية، والاستفادة من مساحة الجدار والتخزين المخفي؛ حيث تضفي الألوان الناعمة على الغرفة إحساساً بالتهوية، وهي مزينة بقشرة خشبية وتشطيبات من الرخام والجلد، فيما تصطف المرايا على الحائط لتوسيع المساحة بصرياً. كل هذه التفاصيل البسيطة تخلق غرفة فندق خمس نجوم أنيقة».
تابعي المزيد: المصمّمة Pallavi Dean: تراجعت عن التشكيك في العالم الافتراضي
غرفة الطفل الموسيقي
تخيلت ياسمين انغماسها في فرصة تصميم غرفة لطفل يحب الموسيقى، وقالت بعد تفكير: «أولاً أقسم الغرفة إلى المكان حيث ينام الطفل، ومكان العزف على الآلة، أختار المكان الأقل حرارة لأضع فيه الجهاز الموسيقي؛ لأن هذا من متطلبات الجهاز، فأبعده عن انعكاس الشمس، وأهم شيء أنني سأضع عازل صوت للجدران بلوحات زخرفية. وأضيف ملصقات جدارية أو مطبوعات مع ملحنين أو فنانين مشهورين لإلهام الطفل دائماً».
أعيد تدوير الأثاث القديم.. ووراء كل منتج قصة تبرز جماله
عائلاتُ المستقبل
ياسمين التي بدت متحمسة لتصميم الأثاث والإكسسوارات المنزلية، تحب استخدام المواد الطبيعية في تصميمها، مثل الرخام والخشب، تستدرك قائلة: «أود أن أقدم تصميمي للمواد المعاد تدويرها، والخشب الذي أعيد تشكيله، أنا أقدّر إعادة استخدام الأثاث القديم عن طريق إعادة التدوير، أو تجديد الأثاث الحالي عن طريق إعادة الطلاء أو التنجيد. تبدو جديدة تماماً».
أما مشاريع الأحلام، فترغب ياسمين في العمل أكثر على تصاميم المنازل العصرية التي تلائم عائلات المستقبل والمساحات التجارية، التي تختصر المساحات، وتتسع لأكثر مما هو متوقع لها.
تابعي المزيد: المصمّمة والتشكيليّة رحاب أبوراس: الزخارف التصميميّة تعكس هوية الإنسان