منذ صغرها وهي شغوفة بترتيب المنزل وتغيير الديكور فيه من وقت إلى آخر... تتذكر في طفولتها، ذلك الخيال الطفولي الذي دعاها لتخطط تصميمها الأول للغرفة التي تجمعها مع أختها، وأعطتها للنجار لتصبح واقعاً أمامها... ثقة والديها وعدم تغيير أي شيء في التصميم جعلها تتعلق أكثر بالمكان الذي تلعب أو تدرس أو تنام فيه، كانوا دائماً يلقبونها بالمهندسة المعمارية، فهي المرجع الذي يعود إليه أفراد العائلة والأصدقاء لاستشارتها في اختيار الأثاث والألوان، وحتى التصميم الخارجي، على الرغم من صغر سنّها... هي المصممة الأميركية الفلسطينية، دارا عماد خضر، التي لفتتنا صفحتها المليئة بشغف ترتيب البيت على إنستغرام، فكان هذا اللقاء معها.
بدأت دارا رحلتها مع الفن والجمال والكتابة وقراءة الأدب والشعر، وعشق الطبيعة التي كانت أكبر مدرسة للفن، حتى تخصصت في الهندسة المعمارية، تتابع قائلة: «أستمتع دائماً بمساعدة الناس للعيش في بيئة جميلة ومريحة، من دون أن أغفل دعم حالاتهم النفسية بشكل علمي، وبعد كل مشروع ناجح، أهدي نفسي شيئا أحبه، أو أخرج بعشاء مميز مع عائلتي».
تابعي المزيد: المصمّمة ناريمان الزرعوني: اللوحة الجدارية في الديكور تخاطب المتلقي بتكوينها
العلاقةُ بين الإنسان ومسكنه
بدأت دارا رحلة التصميم بأميركا برسم مخطط لمحل آيس كريم في فلوريدا، ومنذ ذلك الحين وهي تعمل في مجال التصميم الهندسي والمعماري والداخلي، تستوحي سحر هذا العالم، الذي يشبه الطير بجناحين مفتوحتين؛ ما يجعله صديقاً لمحيطه ومؤدياً لوظيفتيه المعنوية والمادية ضمن حدود الإمكانات المتوافرة والتشريعات المعمول بها، تتابع قائلة: «العلاقة بين الإنسان ومسكنه هي علاقة وثيقة في الاتجاهين المعنوي الإنساني والوظيفي المادي، وهي نتيجة تاريخية وثقافية وجغرافية ومناخية واقتصادية وفنية وتقنية تجتمع كلها في وعي الإنسان؛ لتعطي التصميم المعماري المطلوب والمناسب لأداء الوظيفتين المعنوية والمادية، بتوازن وبساطة وإبداع وعقلانية».
صممت دار منزلاً لعائلة قادمة من دولة أخرى لتقيم في ولاية أميركية، تتابع قائلة: «استعنت بصور من ذاكرة وتراث بلد العائلة، وأدخلتها في التصميم الداخلي، بشكل ينسجم أيضاً مع المجتمع المحيط، العائلة والبيت مع المجتمع، وما لا نستطيع تحقيقه في التصميم المعماري نذهب لتحقيقه بالتصميم الداخلي والديكورات والإكسسوارات المستخدمة».
الدارجُ بين العائلات الأميركيّة
كل شيء من حول دارا يلهمها في التصميم، بدءاً من السماء والبحار والصباح والمساء والورود والأكل والموسيقى والسفر والتاريخ وكل شيء، تستدرك قائلة: «هناك أحياناً قيود تفرضها البلدية من حيث الشكل والمساحة والارتفاع، أو حتى الألوان، خاصة بمناطق مثل العاصمة واشنطن، وأحياناً الزبون يكون مصراً بشكل كبير على طلبه على الرغم من هذه القيود، وهنا يأتي دوري بصفتي مصممة، لإيجاد أنسب الحلول؛ حيث يكمن الإبداع تحت هذه الأنواع من الضغوطات... والدارج بين العائلات الأميركية.
تابعي المزيد: مصممة الديكور ياسمين نور الدين: التصاميم الفرعونية سابقة لعصرها
ثقةُ الرجل
تجد دارا أن خيال المرأة تحديداً في التصميم، هو أوسع وأجمل من خيال الرجل، وفيه نوع من الجنون والإبداع (على الرغم من كل التردد الذي يكون في بداية أي مشروع وتصميم)، فهي تريد شيئاً جميلاً وعملياً، تستدرك دارا: «المرأة بالفطرة منذ الصباح تبدأ بالتعامل مع كل عناصر البيت، بدءاً من غرفة نومها وغرفة الجلوس والمطبخ... وبالتالي تنشئ علاقة بينها وبين عناصر البيت بشكل تلقائي، هذه العلاقة تجعلها تفكر بكل قطعة ومكان وجودها، ما ينقص هذا المكان وهذه الزاوية، وانسجامها مع غيرها من الإكسسوارات. أما الرجل فتكاد تنحصر أفكاره في توفير هذه العناصر، وهذا لا يعني تناقضاً أو تضارباً في الذوق بين الرجل والمرأة، وإنما درجة الاهتمام عندها أكثر؛ حيث يكون قرار تصميم البيت مشتركاً بين الزوجين، تستدرك دارا: «في أغلب الحالات، يترك الرجل الأميركي لزوجته هذه الأمور، فالأميركي يبحث عن راحة باله، كما أنه يثق باللمسات الأنثوية المميزة بالديكور».
أنا امرأة أؤمن بأن كل شيء أحلم به قادم، وإرادتي تأخذني نحو أهدافي وشغفي بالحياة
ملامح شخصية الزبون
التصاميم التي تبدعها دارا، هي مزيج بين الحديث والتقليدي Minimalistic Designs and New Classic or Modern Design، وهذا هو التوجه السائد في تلك المنطقة؛ حيث تكون مهمتها وضع ملامح شخصية الزبون وعائلته في المكان المراد تصميمه، تستطرد قائلة: «إن اختلاف الثقافات وتنوعها في هذا البلد يجعل المصمم منفتحاً أكثر على كافة الأذواق، وهذه من الأمور التي تدفعني دائماً إلى الاطّلاع بشكل أوسع على طابع ومميزات الديكور، وتفاصيل المكان المراد تصميمه، سواء كان البيت أميركياً، أو عربياً، أو كندياً، أو هندياً... وغيره».
تتخيل دارا، حسب رؤيتها تصاميم المستقبل، التي ستستغل مصادر الطبيعة، بشكل أكبر من شمس وإضاءة، تستدرك: «سوف يكون هناك جرأة أكثر في التصميم واختيار الألوان، وهناك عودة بشكل أكبر للمساحات المفتوحة، بعد أن جربوا المساحات الضيقة».
إن الضغوطات التي مر بها الناس خلال السنوات الثلاث الماضية، جعلتهم يبحثون عن الراحة النفسية والصحية أكثر من أي وقت مضى، وهذا يتحقق في اختيار الأثاث والألوان والخامات الهادئة والإضاءة، تتابع قائلة: «في واشنطن تستطيع أن تداعب مشاعر المواطن الأميركي بتقديم الفن الشرقي بسلاسة... بشكل لا يتعارض مع النمط الأميركي التقليدي؛ حيث يشكل إضافة للتصميم النهائي للديكورات».
تابعي المزيد: تصاميم الأبواب الداخلية الرائجة
عيوبُ محلات الأقمشة
ترغب دارا في إسداء نصائح للسيدات عند انتقاء أقمشة الكنبات أو الستائر، تجنباً للأخطاء التي يقعن بها، وليتبعن الآتي:
- استعيني بخبير لأخذ القياسات، وتعرّفي إلى محاسن محالّ الأقمشة وعيوبها، ولا تتسرعي في قرار الشراء والاختيار؛ حيث يمكنك استشارة مصمم داخلي للمساعدة في الاختيار ولتجنب الوقوع في أي أخطاء.
- اختاري الأقمشة المناسبة لطابع الغرفة والتصميم والألوان والصيانة وأي غرفة بالبيت.
- تجنبي استعمال خامات الأقمشة القابلة للاشتعال في المطابخ أو حتى التي تمتص الزيت ولا يسهل تنظيفها.
- اختاري الأقمشة التي تتحمل كثرة الاستعمال، ويفضل استخدامها أكثر من غيرها في غرف المعيشة التي تجتمع فيها العائلة أغلب الأوقات.
- اختاري الخامات الجميلة والمتنوعة التي تعطي الدفء والحيوية والطاقة للمكان.
- اعلمي أن غرف النوم تحتاج إلى أقمشة سميكة لحجب أشعة الشمس والضوء.
هناك عودة بشكل أكبر للمساحات المفتوحة، بعد أن جرب الناس الضيقة منها
كل شيء أحلم به قادمٌ
جمال التصميم أنه لا يأتي من مكان معين؛ حيث تؤمن دارا أن كل شيء من حولنا ملهمٌ إن رأيناه بنظره مختلفة وزاوية فنية في الوقت نفسه، توضح قائلة: «رؤيتي للجمال من حولي جعلتني أرى الطبيعة والناس والبنايات والكائنات والمجسمات، وحتى صفات الناس ملهمة، ينطلق منها إبداع التصميم».
تعمل دارا الآن على تصميم مطعم في العاصمة واشنطن، وتستوحي أفكاره من زيارتها لهاواي في جزيرة الهونولولو، تعلّق قائلة: «سحر الطبيعة والمحيط وكل شيء في هذه الجزيرة كان مصدر إلهامي في التصميم الداخلي للمطعم في الألوان والأجواء الاستوائية الجميلة والمريحة».
دارا تحب التنويع في القراءة، فمن العلمية حتى التحفيزية التي تتعلم منها طرقاً ناجحة للتواصل مع الناس، تعلّق قائلة: «أعشق الروايات الخيالية التي تفصلني عن العمل والمهنة. من كتبي المفضلة The Secret وكتاب Think and Grow Rich».
ولطالما حلمت دارا بتصميم منتجع سياحي أو فندق، تتمكن من خلالهما الإبداع بأفكارها، مستوحية ألوانها من البحر والسماء والطبيعة، تعلّق قائلة: «أنا امرأة أؤمن بأن كل شيء أحلم به قادم، وإرادتي تأخذني نحو أهدافي وشغفي بالحياة».
تابعي المزيد: الأشكال الانسيابية والهندسية في لوحة الديكور متعدّدة العناصر