تولي السعودية اهتماماً كبيراً بفن الخط العربي حرصاً منها على حماية اللغة العربية، ونشرها عالمياً، والتمسُّك بجذورها الدينية والثقافية، كما أنه يحمل، إلى جانب قيمته الثقافية، قيمةً جمالية، تتمثَّل في اتصال الحروف، وانسيابها، وتناغمها، وتزيُّنها بتفاصيل وزخرفاتٍ جميلة، ما يجعل هذا الفن نمطاً ملهماً لكثيرٍ من الفنانين والمصممين والمهندسين حول العالم. ومن هذا المنطلق، شارك تسعة خطاطين في تقديم 56 لوحة، زيَّنت جدران معرض «إعجاز» لفن الخط العربي في جاليري نايلا للفنون بالرياض.
إثارة شغف الجمهور العربي
شهد المعرض إقبالاً فاق التوقعات، منذ يومه الأول، إذ تمكن الفنانون المشاركون الخطاط فهد المجحدي ،جمال الربيعة، حسن آل رضوان، ماجد اليوسف، زكي الهاشمي، محمد أمجد، عبدالرحمن أمجد، محمد الربيعة وناصر الميمون، أن يضعوا فيها نفحاتٍ من إبداعهم، وهو ما ظهر في تنسيق وانسياب الحروف العربية، وزخرفاتها اللافتة، مستندين إلى المكتبة الغنية لفنون الخط العربي، والأدوات المتنوعة التي يمكن أن تضفي على أعمالهم تفرُّداً وخصوصية، مثل استخدام الذهب، وأنواع الورق الفاخرة، مستهدفين من ذلك إثارةَ شغف الجمهور العربي لفنٍّ أصيل، يمثِّل لغتنا وثقافتنا بأبهى صورة.
تابعي المزيد: 3 خطاطين يبوحون بمشاعرهم وكيف يرون أنفسهم من خلال إبداعاتهم
قيمة الخط العربي
فهد المجحدي: حرصت على أن يكون المعرض كلاسيكياً بحتاً من أجل تعريف الناس على قيمة الخط العربي
عدَّ الخطاط السعودي فهد المجحدي، المقيِّم والمشارك في المعرض، أن «إقامة مثل هذه المعارض، والتواصل مع الناس، وإظهار القيمة الفنية للأعمال، وحتى القيمة السعرية، وإخراجها بهذا الشكل، يعطي انطباعاً جيداً لدى الناس عن أهمية وقيمة الخط العربي».
وعن دوره في المعرض، قال: «أشارك في المعرض بوصفي مقيِّماً فنياً، إلى جانب عرض ستةٍ من أعمالي بخط الثلث الجلي». مضيفاً: «بوصفي مقيِّماً، حرصت على أن يكون المعرض كلاسيكياً بحتاً من أجل تعريف الناس على قيمة الخط العربي بصورته الكلاسيكية عالية المستوى».
الهوية العربية والتراث الإسلامي
جمال الربيعة: من أبرز أعمالي لوحةٌ تتضمن جزءاً من قصيدة للشاعرة الكويتية سعاد الصباح «إنَّ في قلبي جواداً عربيّا»
وأكد الخطاط السعودي جمال الربيعة على «ضرورة الاهتمام بالخط العربي حفاظاً على هويتنا العربية، وتراثنا الإسلامي، والقرآن الكريم»، مشيداً بتميُّز معرض «إعجاز» عبر اختياره نخبةً من الخطاطين، وقال: «أشارك في المعرض من خلال ست لوحاتٍ، فيها زخارفُ وخطوطٌ عربية، وتجديدٌ وإثارة، ومن أبرز أعمالي لوحةٌ تحمل أسماء الله الحسنى، وأخرى تحمل عبارة سبحان الله وبحمده، ولوحةٌ تتضمن جزءاً من قصيدة للشاعرة الكويتية سعاد الصباح «إنَّ في قلبي جواداً عربيّا»، وقد اخترت هذه القصيدة تحديداً، كون معانيها الجميلة تنطبق على بعض الشخصيات المعروفة عندنا في الوطن العربي والسعودية، في مقدمتهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان».
تابعي المزيد: 718 عملا فنيا لـ231 فنانا من دول العالم يشاركون في ملتقى الشارقة للخط
يثير فضول الناس
ماجد اليوسف: أحاول الخروج عن التراكيب الكلاسيكية من خلال الألوان والحركات والتكوينات الجديدة مع المحافظة على قوة وشكل الحرف الأساسي
وكشف الخطاط والفنان التشكيلي والمصمم ماجد اليوسف عن تقديمه سبع لوحاتٍ في المعرض، متحدثاً عنها بالقول: «أعتمد على الخط العربي في كافة أعمالي، وأشارك في المعرض بسبع لوحاتٍ، كلها بخط الثلث الجلي، الذي أختصُّ به، لكن دائماً ما أحاول الخروج عن التراكيب الكلاسيكية من خلال الألوان والحركات، والتكوينات الجديدة، مع المحافظة على قوة وشكل الحرف الأساسي».
وعن أهمية إقامة مثل هذه المعارض، ذكر: «هذه الملتقيات الثقافية تثير فضول الناس لمعرفة المزيد حول فن الخط العربي، وأنواع الخطوط، والمواد المستخدمة فيها وغير ذلك، وفي العامين الأخيرين ازداد اهتمام الناس بالخط العربي».
دمج الموسيقى بالخط العربي
واستخدم الخطاط والخبير الفني اليمني زكي الهاشمي السلَّم الموسيقي بتناغمٍ مع الحروف في لوحاته، التي جاءت بعنوان «جادك الغيث»، وجذبت إليها زوَّار المعرض، حسبما رصدناه في جولتنا بالمكان.
وفصَّل الهاشمي طبيعة اللوحة بالقول: «هذا العمل يقوم على فكرة دمج الموسيقى بالخط العربي، فالنوتة الموسيقية تقوم على سطرٍ، والخط العربي يقوم على سطرٍ، ومن هذا الباب بدأت اللوحة، وهذا المقام هو أحد المقامات العربية، مقامُ الهزاع، الذي اشتُهر كثيراً في الأندلس، والقصيدة هي من أشهر القصائد التي غُنِّيت وفق هذا المقام». مضيفاً: «اخترت للوحتي هذه القصيدة وهذا المقام، لأنهما معروفان بين الناس، واستخدمت الحبر الذهبي، والورق الطبيعي غير الصناعي، وخط الرقاع». وأكد أن «المعرض من أفضل المعارض المتخصِّصة بفن الخط العربي، فهو يقدم الأعمال بطريقةٍ فريدة، تساعد الجمهور في التعرُّف عليها، والتأثر بها، وهذا يفيدنا نحن الخطاطين وأبنا المجتمع».
تابعي المزيد: مخطوطات عربية وإسلامية نادرة في "معرض الشارقة للكتاب 2022" تعرض للمرة الأولى في المنطقة
فنٌّ للأجيال الجديدة
سجَّل فاتح أولوسوي، السفير التركي لدى السعودية، زيارةً مفاجئةً للمعرض، أثارت استحسان الحاضرين، نظراً لاهتمامه بدعم هذا الفن. وأكد السفير، أن المعرض أبهره لما يضمُّه من قطعٍ فنيةٍ قيِّمة، وقال: «نشهد في تركيا، كما هو الحال في السعودية، إقبالاً واهتماماً كبيرين بهذا النوع من الفنون، وتقام لدينا كثيرٌ من الفعاليات احتفاءً بهذا الفن، وأشعر بالسعادة وأنا أرى هذه المجموعة من الخطاطين والفنانين يجتمعون تحت سقفٍ واحدٍ من أجل عرض إبداعاتهم، حتى إن بعضهم دعا طلابه إلى المعرض، وهذا يعني أن هذا الفن سيتمُّ نقله للأجيال الجديدة».
وأضاف: «أنا أؤمن بأن فن الخط العربي، هو أحد الروابط التي تجمع الشعبين السعودي والتركي».
أعمالٌ ذات قيمة عالية
وأوضحت أميرة الزبن، مديرة المعرض في جاليري نايلا، أن «الجاليري يرحِّب بالفنون بكافة أنواعها، واستضافة معرض إعجاز لفنون الخط العربي خطوةٌ مهمة، سعينا إليها خلال الفترة الماضية، لتقديم أعمالٍ فنية ذات قيمةٍ عالية، تركز على الفنون المتعددة للخط العربي».
تابعي المزيد: مركز جامع الشيخ زايد الكبير ينظم "معرض ملامح فنية"
