أصوات سيارات إسعاف وتجمعات بين متهم ومستغرب في أكثر من حادثة مرورية مؤلمة.. والنهاية عدد من الوفيات والإصابات التي تنقل ضحاياها إلى ثلاجات الموتى أو عنابر المستشفيات، «سيدتي نت» تبحث في أمر هؤلاء الركاب، وسر وجودهم داخل الإمارات.
الضحايا معظمهم بلا أوراق ثبوتية؛ لأنهم ببساطة ووفق التكييف القانوني من مخالفي قوانين الدخول والإقامة، أما وفق التكييف الإنساني فهم أشباح هائمة على وجوهها من الضياع، كانوا في طريقهم إلى إحدى الإمارات المجاورة؛ بحثاً عن عمل يقتاتون من عائده، حتى لو كان هذا العمل جريمة يعاقب عليها القانون.
لم يكن معهم ما يكفي من المال لدفع أجور المواصلات العامة العادية، رغم أنها زهيدة وفي متناول يد ذوي الدخل المحدود، ففضلوا اللجوء لسائق (هو بدوره إما يكون مخالفاً فقد الأمل، وغدا فريسة للضياع يقبل بأي ثمن يدفع له كي يقوم بنقلهم إلى وجهتهم؛ حتى يمكنه الحصول على حفنة من المال يسد بها رمقه، ويسدد منها أجرة المركبة التي قام باستئجارها من أحد مكاتب تأجير السيارات؛ كي يخوض بها تلك المغامرة، وإما أن يكون السائق نفسه صاحب مركبة خاصة، فضل أن يستغلها في زيادة دخله بطريقة غير مشروعة من خلال هذه الممارسات التي باتت تعرف في سجلات الشرطة ومواصلات الشارقة معاً بـ«ظاهرة تهريب الركاب».
فما هي طبيعة هذه الظاهرة، ومن هم المتسببون فيها، ولماذا يلجأ البعض لها، وما هي الآثار المترتبة عليها والمخاطر الكامنة وراءها؟
غير آمنة
العديد من هذه السيارات المستخدمة في تهريب الركاب لا تتوافر فيها وسائل الأمان الكافية للركاب، بل قد يكون بعضها غير مؤمن عليه، إلى جانب أنها تعتبر تعدياً سافراً على حقوق وأرزاق سائقي الأجرة الرسميين.. إضافة إلى أن السائق مجهول بالنسبة للركاب، الأمر الذي قد يعرضهم إلى جرائم مختلفة تهدد حياتهم بالخطر، مثل الخطف والسرقة والنصب والاحتيال، أو ربما قد تصل إلى هتك العرض.
حملت «سيدتي نت» القضية ووضعتها على طاولة شرطة الشارقة، حيث أسف المقدم أحمد محمد بن درويش، رئيس قسم الدوريات بإدارة المرور والدوريات بشرطة الشارقة، على حقيقة ظاهرة تهريب الركاب التي عدها من الظواهر المقلقة وغير الحضارية، التي يعاني منها المجتمع ويعاقب عليها القانون الموحد بنص المادة (72) من لائحة المخالفات المرورية، التي تمنع تحميل ونقل الركاب بطريقة غير قانونية، وتقرر دفع غرامة مالية قدرها 200 درهم، ونقطتين سوداوين وحجز المركبة المستخدمة لمدة أسبوع، فيما تنص المادتان «72» و«83» على عدم جواز استخدام المركبة في غير الغرض المخصص لها، ومنع نقل الركاب في مركبة غير مخصصة لذلك.
وجميعها مواد تمنع قيام شخص ما باستخدام سيارته الخاصة أو سيارة مستأجرة في نقل الركاب دون أن يحمل ترخيصاً يخوله بذلك؛ حمايةً لأفراد المجتمع الذين قد يتعرضون لمختلف الجرائم والمهددات الأمنية، كما حدث في العديد من الحالات والحوادث المأساوية، وحفاظاً على القانون وحقوق وسائل النقل المرخصة من ناحية أخرى.
رزقنا
اعتبر السائق «واعد» الذي يمارس هذه المخالفات، أن هذه المهنة هي مصدره الأساسي لكسب لقمة العيش، حيث إنه يعيش في كنف ابنه، الذي بدوره لديه الكثير من الأبناء. ويضيف: «أصبح هذا العمل مصدر رزقي منذ سنة تقريباً، وأصبح يعرفني الكثير من الأشخاص، أتعامل معهم عن طريق الهاتف، وبسعر محدد حسب المسافة المقطوعة».
لم يخف «واعد» أنه تم تحرير مخالفات غيابية عليه من قبل هيئة الطرق، وصلت إلى 50 ألف درهم، وسحب رخصة القيادة، ما أوقعه وابنه في مشكلة كبيرة، فلو كان يملك جزءاً بسيطاً من المبلغ ما اضطر لهذه المهنة.
استغربنا أن هذه المهنة الخطرة تقوم بها بعض النساء، فلا تنفي «هيما» أنها تنقل الركاب بسيارتها الخصوصية، وهو ما يزيد من دخلها الشهري، ويساعد على تلبية الكثير من أمور حياتها اليومية، كما أن عملها لا يقتصر على نقل الركاب فقط؛ فهي تقوم بتوصيل طلبات الطعام إلى المنازل والمطاعم الشعبية. تتابع من غير لوم لنفسها: «هذا العمل هو خدمة للناس، ونوع من المساعدة لهم؛ لأنني أتقاضى أجراً بسيطاً، وتسعيرته واضحة، ما يجعل هذه المهنة متنفساً للركاب، حيث يتم دفع الحساب في أول أو آخر الشهر».
تحرش
«ناديا» تعمل خادمة بوقت جزئي لدى البيوت في دبي، وتضطر أحياناً للعودة إلى منزلها في أوقات متأخرة من الليل، تستدرك قائلة: «جاءت السيارة لتوصلني إلى منزلي الكائن في إمارة أخرى، إلا أنني فوجئت حين أخذني سائقها بأنه يتجاذب معي أطراف الحديث، الذي فهمت منه أنه يرغب في توصيلي إلى أحد زبائن الشقق المفروشة، فنهرته على الفور، وطلبت منه التوقف لإنزالي من السيارة، فراح يتحرش بي، وضربته على رأسه وهربت فوراً».
رأي الركاب لم يكن واحداً؛ فقد اختلفت وجهات النظر، عندما فكروا بالتسعيرة التي توفر الكثير على جيوبهم، حتى أن وائل عبدالحكيم «عامل في دبي» يتنقل يومياً إلى عمله عبر السيارات الخاصة، وتابع: « سيارات الأجرة مكلفة جداً، خاصة وأن راتبي لا يتعدى ثلاثة آلاف درهم، وأنا أسكن في إمارة الشارقة، بينما عملي في منطقة جبل علي، بإمارة دبي، وبالأخص في الوقت المتأخر من الليل، أنا لست قادراً على شراء سيارة بالنسبة إلى دخلي».
أضرار مادية
عرضت «سيدتي نت» المشكلة على مواصلات الشارقة، التي تعتبر الجهة الحكومية المنظمة والمشرفة على خدمة المواصلات العامة في إمارة الشارقة، حيث أكد لنا راشد خالد النعيمي، رئيس قسم المخالفات في هيئة طرق ومواصلات الشارقة، أن الظاهرة إلى جانب أنها تهدد أمن الراكب فهي أيضاً تلحق أضراراً مادية على شركات الامتياز والحافلات العامة، وشركات النقل الخاصة بالركاب في الإمارة.
رغم تكرار وارتفاع وتيرة هذه الظاهرة خلال العطلات الرسمية والصيفية والمهرجانات، إلا أنها أخذت في الانحسار، حيث كشفت الإحصائيات الرسمية لقسم المخالفات في الهيئة عن انخفاض في عدد المخالفات خلال الربع الأول من العام الماضي 2013، بلغت 488 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2012، التي قدرت بنحو 577 مخالفة.
المزيد: