الكثير من النساء والرجال في مجتمعنا تضطرهم الظروف أن تتولى تربيتهم أمهاتهم دون تدخل الأب لأسباب عديدة كالانفصال، أو وفاة الأب، أو زواجه من أخرى، أو انشغاله بسبب طبيعة عمله، إلا أنهم قد يواجهون مشكلة الاستهزاء بهم من المقربين منهم؛ حتى يثبتوا أن المرأة لا تستطيع أن تربي أجيالاً من دون الرجل، فيقولون لهم: «أنتم تربية حرمة». «سيِّدتي نت» التقت رجالاً ونساءً واجهوا هذه المشكلة، لكنهم لم يهتموا ومضوا في طريقهم بكل نجاح.
أمثال:
مرة ربت ثور ما حرث
الحرمة ربت ثور ولا يزر
في السعودية: تكريم 3 أمهات ضحين من أجل أبنائهن
مجتمع لا يثق أغلبه بتربية المرأة، ويواجه هذه الحالة بالاستهزاء، فعندما كان والد الكاتب والشاعر والمستشار الإعلامي لشركة الخزامى الدكتور محسن الشيخ آل حسان متزوجاً من أربع نساء، وبعد أن بلغ الثالثة من عمره توفي والده، فتحملت والدته تربيته، يعترف بأن أطفال الحي لم يكفوا عن مضايقته؛ لأنه يقوم بمهام لم يكونوا يفعلونها وهم في عمره، وكانوا يقولون لي: «أنت تربية حرمة»، بقصد استفزازه، يتابع د. محسن: كنت أقول لهم: «وهل هناك مثل أمي؟ فأنا لم أخطئ بحق أحد في حياتي عكس ما أنتم تفعلون»
معاناة 3 نساء
لم يكن يسيراً حين تولت نورة الحميدي «معلمة متقاعدة، شؤون ابنها الأول «فيصل» الذي كان مصاباً بتخلف عقلي تتابع: «بعد انفصالي عن زوجي، كان العبء مضاعفاً علي، ويستوجب أن أكون الأم والأب في الوقت نفسه، لم أخف ابني فيصل عن مجتمعي، وكنت اصطحبه في كل مكان وأفتخر به، وبعد أعوام، تلقينا دعوة عبر إحدى الجمعيات من الأميرة سميرة الفيصل التي طلبت الالتقاء بجميع الأمهات اللاتي يعاني أبناؤهن من أمراض، خاصة الاحتياجات الخاصة، وعندها أدركت أنه لم يكن يعاني من تخلف عقلي كما شخصه الأطباء، بل إنه مصاب بالتوحد، وهنا أخذت العديد من الدورات الخاصة بهذه الحالة حتى أتعامل معه ونجحت، والآن ابني فيصل يبلغ من العمر 26 عاماً، وأشعر أنها نعمة أعطاني إياها ربي لتغيير مسار حياتي».
إدمان زوجي
تبدو قصة أم رائد، في غاية القسوة، فقد تزوجت من الرجل الذي أحبته رغم معارضة أهلها، وبعد إنجابها لطفلين أصبح مدمناً على المخدرات، ما اضطرها للعمل كخادمة في المنازل، تتابع قائلة: «حاولت علاجه لكنه رفض، إلى أن رمى أحد أبنائه بآلة حادة؛ فانفصلت عنه، وتوليت جميع أمور المنزل بمفردي وبكل قوة».
الأم الثالثة هي رنا شهوان، أم لطفل يدعى «عبدالرحمن»، يعاني من شلل كامل، ففي شهر حملها الخامس، أخبرها الأطباء بضرورة خضوعها إلى عملية لإنقاذها، واهتموا بها لاعتقادهم أن الطفل سيموت بعد ساعة من ولادته، تتابع رنا: «أخبروني أنه سيصبح أعمى وأصم، لكنني نقلته إلى مستشفى آخر، وبمرور الأيام بدأ يتحسن قليلاً، ولكنه أصيب بشلل كامل، وغيرت مسار عملي وتخصصي من أجله، فأنا خريجة إدارة أعمال، لكنني تركت العمل في هذا المجال، واتجهت إلى كل ما يخص الاهتمام بأطفال الاحتياجات الخاصة، ولديه الآن الكثير من المهارات التي يتقنها ».
في الإمارات: أبناؤها يفتقدون «السنع»!
يتهامسون بالمثل القائل (المرأة ربت ثور يحرم ذبحه) وذلك استهزاءً بالمرأة وانتقاصاً من قدرتها على التربية خاصة تربية الذكور، حيث ينظر المجتمع إلى هؤلاء الأبناء بأنهم يفتقدون إلى (السنع) أي العادات، لكن الواقع غالباً يثبت عكس ذلك، فعندما توفي والد سعيد الرميثي، موظف، لم تفكر والدته في الزواج ثانية، رغم أنها كانت في أواخر العشرينات، يتابع الرميثي: «ما كان مؤلماً أكثر من اليتم تصرف البعض معي، فكنت ألعب مع مجموعة من الأولاد في مراهقتي كرة قدم ودفعت أحدهم بدون قصد فأسقطته أرضاً، فنهض غاضباً وصاح بأعلى صوته، (لو كان اللي مربيك رجل، لتصرفت مثل الرجال، لكنك تربية حرمة وما حد يعتب عليك)، كانت المرة الأولى التي أشعر بمعنى أن أكون بدون أب، لكني الآن بعد أن أنهيت دراستي واشتغلت أشعر بأنني لن أكون أكثر رجولة وإصراراً وتصميماً لو كان والدي على قيد الحياة، فربما أصبحت شخصاً اتكالياً أعتمد عليه في كل شيء».
في مصر: أم تلتقي بأحد توأميها بعد 32 عاماً
رغماً عنها فقدت (مسبحة أبو زيد بدوي) وليدها إيهاب عبدالمنعم، بعد أن خطفه والده عقب الإنجاب، وهجرها مع وليدها الآخر توأم إيهاب الذي لم يسمه... جاء اكتشاف نجلها التوأم المفقود عندما تقدم إيهاب عبدالمنعم محمد إلى السجل المدني بمحافظة الغربية «10 كم شمال القاهرة» بطلب لاستخراج بطاقة الرقم القومي وبالاستعلام على الكمبيوتر، تبين وجود شخص آخر بنفس الاسم والبيانات وشكل الصورة مع اختلاف بسيط في الملابس فقط.
وباستدعاء صاحب البيانات الأصلي تبين أن والدته طلقت من والده، وهي حامل منذ 32 عاماً في توأمين، وعندما وضعت الطفلين أخذ الأب أحدهما وترك لها الآخر، دون استخراج شهادتي ميلاد لهما.
ظلت الأم التعسة في انتظار وليدها المفقود على أمل عودته، لكن سنوات طويلة قضاها إيهاب محروماً من عطف والدته، ٣٢ عاماً هي عمره، قضى أغلبها في الشارع، نام على الأرصفة، وشارك الكلاب الضالة المأوى.
الشبه 40
كانت المفاجأة حين ذهب لمصلحة الأحوال المدنية لتجديد بطاقته الشخصية، وقتها فوجئ بالموظف يقول له إن بيانات اسمه واسم أمه لدى شخص في الغربية، حتى تاريخ الميلاد.
تتبع إيهاب بيانات هذا الشخص حتى فوجئ بنفسه يقف أمام أمه وشقيقه التوأم بعد ٣٢ عاماً، وفي قرية صغيرة بالغربية التقته أمه بلحظة اشتياق وكأن الحياة قد عادت إليها وحكت له أنها انفصلت عن والده، وأخذت شقيقه التوأم، بينما احتفظ به الأب، وأصر على قطع الصلات بينهما. مفاجأة أخرى تكشفت له، وهي أن زوج والدته قابله قبل سنوات بسيارته النقل، وقال له: «يخلق من الشبه ٤٠»، ثم رفض أخذ أجر توصيله، وقال له: «أنا عندي زيك يا ابني.»
يختم إيهاب قصته قائلاً: «بحثت عن أمي وشقيقي، ظناً مني أن أحداً انتحل اسمي، ولكن بعد أن ختم مدير السجلات على أوراق بطاقتي التي كنت أجددها، قال لي إن شخصاً آخر ينطبق عليه نفس اسم الأم، الأب، الموجودة بشهادة الميلاد، كما أن أمناء الشرطة بالسجلات أكدوا لي رؤيتهم لشقيقي الآخر، حتى التقينا»
الرأي النفسي
يسود الفهم في السعودية أن الأسرة التي يغيب فيها الأب، حسب قول الأخصائية النفسية والمرشدة الأسرية غادة فؤاد أشرم، يعاني أبناؤها من نقص في التربية، وخلل في السلوك، واضطراب نفسي، رغم أن الأمهات في مجتمعنا السعودي هن اللواتي يقمن بالدور الأكبر في عملية التربية ومتابعة الأبناء في أغلب الحالات، ويكاد ينحصر دور الأب في أنه الممول للأسرة، تتابع: «يعتقد أن تربية الأم عيب أو عار، ويقولون للأبناء ذلك من باب الاستفزاز: «أنت أو أنتِ تربية حرمة»!
المزيد: