الثامن عشر من ديسمبر من كل عام هو اليوم العالمي للغة العربية؛ حيث أقرت الأمم المتحدة بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية لديها، وذلك عقب اقتراح قُدم من كل من المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.
لكن المخاطر التي تهدد اللغة العربية، ازدادت بسبب مواصلة الاعتماد على اللغتين الفرنسية والإنجليزية في غالبية الجامعات العربية، إلى جانب مزاحمة استعمال اللهجات المحلية في البرامج التلفزيونية والإذاعية؛ الأمر الذي انعكس على المستوى التعليمي العام. كما أن خطر انحدار لغة الضاد يتضاعف لدى الجاليات العربية المغتربة التي تعيش بين أوساط أجنبية. كل هذا دعا الدول العربية المسؤولة، إلى دق ناقوس الخطر، واعتماد أنشطة تدعم اللغة العربية، تستهدف أطفال البلدان العربية، والمقيمين في الدول الأجنبية.
خبراء واختصاصيون، يعرضون أسباب ضعف لغتنا بيننا، وأثر أنشطة الدول المسؤولة فيها.
أعدت الملف – لينا الحوراني Lina Alhorani
تصوير - عبد الله رمّال Abdullah Rammal
البحرين - عواطف الثنيان Awatif Al Thunayan
بيروت - عفّت شهاب الدين Ifate Shehabdine
تصوير - سمر شبّاني Samar Chabbani
تونس - مُنية كوّاش Monia Kaouach
القاهرة – أيمن خطّاب Ayman Khattab
المغرب - سميرة مغداد Samira Maghdad
من الإمارات
د. وفاء العنتلي: ليست مجرد لغة إنما هي هوية
اللغة العربية ليست مجرد لغة، برأي د. وفاء العنتلي، كاتبة وباحثة في اللغة العربية، بل هي تراث وأمجاد العرب، وكانوا يدونون بها مآثرهم وقصصهم، وعندما نتحدث عن اللغة العربية فنحن نتحدث عن ذواتنا، وهويتنا، ومصدر فخرنا.
تعتقد د. وفاء، أن سبب تراجع اللغة العربية ليس لخطب ما بها، بل بسبب تراجع الناطقين بها لأسباب عدة، منها: الأسرة العصرية، ونمو ثقافة إتقان لغة عالمية واحدة، وعدّ اللغة الإنجليزية هي اللغة المطلوبة، وقلة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، وبالتالي يجب تعلم اللغات الأخرى لمواكبة العصر، تتابع قائلة: "الدراسات العلمية تكون باللغة الإنجليزية؛ ما يتوجب على الطالب أو الباحث تعلم هذه اللغة لمواكبة العلم، كما أن الكثيرين يعدّون اللغة الإنجليزية لغة متحضرة وإتقانها دليل على الرفاهية".
نتائجُ إيجابيةٌ
تذكر د. وفاء مسابقة (تحدي القراءة العربي)، في دولة الإمارات، التي يرعاها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، وأيضا مراكز اللغة العربية في أبوظبي والشارقة وغيرهما من المدن، وتذكر كذلك مهرجانات اللغة العربية، والمسابقات الشعرية مثل "شاعر المليون" وأمير الشعراء"، والمسابقات الروائية، ومعارض الكتب العالمية، مثل معرض الشارقة للكتاب، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب؛ تستدرك قائلة: "كلها أتت بنتائج إيجابية، خصوصاً مسابقة تحدي القراءة العربي، ولكن علينا تثقيف الأسر بأهمية اللغة العربية؛ لأنها ليست مجرد لغة، إنما هي هوية، فوجود لغة أخرى في المجتمع، يستوجب استحضار ثقافتها وطريقة تعاملها وأسلوب حياتها وأطعمتها".
تذكر د. وفاء القصص التي تتردد دائماً عن تواصل الأسر مع الأبناء باللغة الإنجليزية، وبالتالي عندما يخرج الطفل إلى العالم الخارجي يجد صعوبة في التأقلم مع هذا العالم، ويبقى متقوقعاً على نفسه نتيجة لذلك".
تابعي المزيد: عمل فني عربي مشترك في حفل تتويج أبطال "تحدي القراءة العربي"
من البحرين
د. خليفة بن عربي: جيلنا يتحدث بلغة عرجاء
أكد د. خليفة بن عربي، عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب بجامعة البحرين، تراجع الاهتمام باللغة العربية لأسباب عدة تتعلق بالبيئة المحيطة والأسرة والوظيفة.
اللغة العربية، برأي د. خليفة، ليست مجرد ألفاظ أو كلمات أو حروف تخرج من الإنسان ليعبر بها عن حاجاته، وإنما تمثل الحضارة والثقافة والوجود، فلغة الإنسان هي وجوده وحياته وصورة لثقافته وهويته التي ينتمي إليها، وعدم الشعور بأهميتها بلا شك يقلل من ضرورتها، يضيف قائلاً: "هنالك سبب آخر لتراجع اللغة العربية، وهو المحيط أو البيئة الذي يعيشه الشخص، فضلاً عن أن الواقع يرغم الشبان والشابات على التحدث بلغات أخرى، وأرجح ذلك لاعتبار اللغة الإنجليزية شرطاً من متطلبات الوظيفة الرئيسية للقبول بها؛ لذلك خُلق لنا جيلٌ يتحدث بلغة عرجاء، خليط بين ألفاظ عربية قليلة، وألفاظ أجنبية أكثر، فالجميع مسؤول عن تراجع الاهتمام بلغة الضاد ابتداء بالأسرة، والأكاديميين والمعلمين ومؤسسات الدول العربية المهتمة باللغة العربية، فأحملهم جميعاً مسؤولية ذلك، فلا بد أن يكون هنالك قانون ليتحدث ويتعلم المجتمع العربي اللغة العربية، ويعيد مكانتها المحفوظة، كونها لغة القران الكريم، وعليهم أن يعززوا مكانة لغتنا، فهي هويتنا وحضارتنا بين شعوب العالم".
أشاد د. خليفة ببعض الأنشطة ودورها الإيجابي في الحفاظ على اللغة العربية، بصفتها قيمة وهوية، في الوطن العربي كله، مثل: مبادرة المجمع الدولي للغة العربية بالرياض، ومسابقة تحدي القراءة بدولة الإمارات التي اهتمت بتدريب الأجيال على القراءة، وعممت ذلك على المدارس في الدول العربية، يعلّق قائلاً: "كان لها دور في تحفيز الطلبة على القراءة والتنافس على تحسين مستوى أداء الكتابة والقراءة، وكذلك المسابقات التي تعنى بالقصيدة اللغة العربية الفصحى".
من لبنان
د. ماغي حسن عبيد: الثقافة الشعبية لم تعدّ مورداً للتنافس
اللغة بالمعنى الإبستيمولوجي هي الأمة والكيان والمصير، وبالمعنى الأنطولوجي هي الوجود والهوية، لكن الاهتمام باللغة العربية تراجع في الآونة الأخيرة، كما تشير بأسى د. ماغي حسن عبيد، أستاذة الفلسفة برتبة بروفسورة في الجامعة اللبنانية، وممثلة الأساتذة في كلية الآداب - الفرع الرابع لدى مجلس الجامعة.
من الأسباب وراء ضعف اللغة العربية بين الناس في الوطن العربي، كما ترى د. ماغي، هي العولمة والعالمية التي ألغت الحدود وجعلت لغة الكمبيوتر والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي السائدة، والشات Chat وغيرها بالإنجليزية، تتابع قائلة: "كما أن لغة التلفون والواتساب جعلتا التواصل بأحرف لاتينية للغة العربية، واستبدلتا بعض الأحرف العربية التي لا وجود لها في لغتهم بأحرف، مثل: حرف العين بـ A ورقم 3، وحرف الخاء بـ 5، وحرف الحاء بـ 7، ولعل في هذه اللغة، وأقصد لغة الواتس أب سياسة ممنهجة للقضاء على العربية وتدميرها.
الفردانية ولعبة المصالح
المشكلة الجوهرية، برأي د. ماغي، تكمن فينا نحن العرب؛ إذ إن البعض يتخلى عن لغة الضاد هذه على أنها لا تجاري العولمة والحداثة والعصرنة، تستدرك قائلة: "المسؤول عن هذا التراجع هو الإدارة الاستراتيجية للسلطة وأدواتها على صعيد التربية والتعليم والثقافة. كما أن الثقافة الشعبية لم تعدّ مورداً للتنافس في حراك المجتمع، إضافة إلى الذاتية والفردانية ولعبة المصالح، والغزو الثقافي والمعرفي واستلاب الهوية، دون أن ننسى المناهج التعليمية، وإشكالية التوأمة والتثاقف، والإرساليات ودورها، وخاصة جامعاتها الخاصة".
تابعي المزيد: لماذا سميت اللغة العربية بلغة الضاد؟
من تونس
د. منية عبيدي: وسائل الإعلام أسهمت في نشر اللّهجة العاميّة
العزوف عن اللّغة العربيّة ما ينفكّ يتعمّق، خاصّة لدى فئة الشّباب، واستدلّت د. منية عبيدي، أستاذة مختصّة في اللّسانيات وتحليل الخطاب بالجامعة التّونسيّة، ودكتورة في اللّغة والآداب والحضارة العربية، على ذلك بقولها: إن الشباب اليوم يحبّذون مشاهدة الأفلام والفيديوهات والاستماع للأغاني بلغات أجنبيّة.
هذه المغريات الإعلامية والترفيهية، يراها الشباب أنّها الأفضل؛ لأنّها ترضي أذواقهم، وتمكّنهم من متابعة فوريّة ومستمرّة لكلّ جديد تكنولوجي ورقمي، تروي د. منية ما يحدث لها من طرائف مع أبنائها؛ إذ تقول: "أتعمد مخاطبة أبنائي في المنزل باللغة العربية الفصحى، فيضحكون ويشعرون بأنّي عدت بهم إلى زمن غير زمنهم، أو استضفت لهم شخصيات أسطوريّة مثل امرئ القيس الذي لا يمتّ بصلة إلى واقعهم".
تحمّل د. منية وسائل الإعلام، التي أسهمت في نشر اللّهجة العاميّة ببثّها المطّرد لبرامج سمعيّة ومرئيّة باللّغة العاميّة؛ ما أدّى إلى تدهور المستوى اللّغوي للتّونسيين، ضاربة مثلاً عن ذلك بقولها: "فاجأني أحد طلبتي بالقول أمامي "حالة لا يرثى لها" قاصداً بها "يرثى لها"، مدافعاً عن نفسه بأنّه سمعها في وسائل الإعلام مرّات عديدة، ومسلّماً ومقتنعاً بصحّتها".
خطّةٌ تونسيةٌ، ولكن!
تطرّقت د. منية إلى دور اللافتات في نشر اللّغة العاميّة على حساب اللّغة العربيّة الفصحى في كلّ الشّوارع، فيتلقّاها المشاهد بأخطائها الشّائعة ويحفظها عن ظهر قلب، تتابع قائلة: "وسائل التّواصل الاجتماعي، مكّنت الشّباب من تبادل محادثات مكتوبة وفق نسق جديد يرونه سهلاً، فيكتبون كلماتهم المنطوقة باللّغة العامّية بحروف لاتينية".
كشفت عن خطة تونس في تدريس المواد العلميّة للمرحلة الدّراسيّة الإعداديّة باللّغة العربيّة، وشرعت في تعريب المناهج الدّراسيّة التي تهمّ هذه المرحلة، تستدرك قائلة: "لكنّ هذه المبادرة لم تشمل كلّ المراحل التعليميّة، فما إن يتحوّل التّلميذ إلى المرحلة الثّانويّة حتى يجد نفسه مجبراً على تلقّي العلوم الصّحيحة بلغة فرنسيّة".
من مصر
إيمان ماهر: استخدمت تطبيقات الهاتف في أنشطة تعليم اللغة
لجأت إيمان أحمد ماهر، أخصائية لغة عربية، إلى عقد صداقات مع طلابها، واتفقت معهم على إنشاء مجموعة على "الواتساب"، يتم من خلالها التواصل اليومي وباللغة العربية حول الواجبات والحضور والغياب، وكل ما يتعلق بالفصل الدراسي.
إيمان التي تدرّس في مدرسة حافظ إبراهيم الإعدادية تجد من خبرتها أن استخدام خاصية "قصتك اليوم" التي يمكن تسجيلها وتصويرها، والتعليق عليها من قبل الطلاب بأسلوب جيد ومفيد لهم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ ستكون مناسبة لإلزام الأطفال بلغتهم. تتابع قائلة: "من خلال خواص الكاميرا والميكروفون (مكبر الصوت) في الهاتف، طلبت من تلاميذي تصوير لافتات ونصوص وإشارات مما تقع عليه عيونهم من الأخطاء التي ارتبكت في كتابتها، أو أن يأتوا بنصوص حقيقية أصيلة تمثيلاً لما يدرسونه، ومن خلال خاصية التسجيل الصوتي أطلب من تلاميذي، تسجيلاً حول ما يتعلق بدراسته، ومشاركته مع زملائه، مع ضرورة أن يعلق كل طالب آخر على التسجيل بتسجيل آخر".
موقفٌ عشته
طلبت إيمان من الطلاب أن يقوموا بتدوين تغريدة على برنامج تويتر بما لا يقل عن 140 حرفاً، حول أحد موضوعات المنهج، على شكل "هاشتاغ"؛ لكي يستطيع باقي الطلبة رؤيتها والتعليق عليها، كما طلبت من الدارسين أن يرفعوا صوراً لهم عن نشاطاتهم في نهاية الأسبوع على إنستغرام، ولتكن أيضاً على شكل هاشتاغ؛ لكي يتمكن الدارسون من رؤيتها والتعليق عليها.
تابعي المزيد: أسرار عن اللغة العربية في اليوم العالمي للغة العربية
من المغرب
حفيظة الفارسي: فرص العمل لمن يتقنون اللغات الأجنبية
تراجعُ الاهتمام باللغة العربية وتداولها هو نتيجةٌ حتميةٌ لتراكمات يشتبك فيها السياسي بالتربوي بالتاريخي، برأي حفيظة الفارسي، رئيسة القسم الثقافي بصحيفة مغربية، إعلامية وشاعرة.
عاشت جل الدول العربية فترات استعمار أجنبي ما بين الفرنسي والإنجليزي، حتى صارت اللغات الأجنبية لغات تمايز طبقي واجتماعي على الرغم من أن القوانين العربية تنص على كون اللغة العربية هي اللغة الرسمية، تتابع حفيظة: "اللغة العربية تعيش اليوم وضعية اغتراب داخل بيئتها، سواء في التعليم أو الإعلام أو الإدارة، وحتى في الفضاءات العامة التي تضج بالإعلانات والملصقات باللغة الفرنسية والإنجليزية والعامية. لكن للأسف، هذا التراجع لا يثير قلق وانشغال جميع صانعي القرار في العالم العربي ما دام التعليم الوظيفي في ارتفاع".
هيمنةُ اللهجات المحلية
تجد حفيظة أن بعض الحكومات العربية فشلت بعد الاستقلال في سن أنظمة تعليمية يمكن أن تواكب التحولات المجتمعية، وبقيت مقتصرة على الأساليب التقليدية التي تعتمد التلقين وقواعد النحو والصرف، وتقديم نصوص بلغة مسكوكة لا تخلق التفاعل بين المقروء والمدرس والتلميذ، وتشعره بالبعد عن محيطه العام. كما أن اللغات الأجنبية في الجامعات زادت من تراجع الاهتمام باللغة العربية، فضلاً عن أن فرص العمل تفتح أمام من يتقنون اللغات الأجنبية، تستدرك قائلة: "أضف إليها هيمنة اللهجات المحلية في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على حساب اللغة العربية".
تجد حفيظة أن الكتاب والشعراء هم من ظلوا على وفاء مع لغتهم، واستطاعوا توليدها وتطويرها؛ كما برزت مبادرات عديدة لحماية اللغة العربية، تمثلت في تأسيس مراكز بحوث ومجمعات لغوية وجمعيات وشبكات تعنى بتشجيع القراءة، مثل: "شبكة القراءة في المغرب"، التي أحدثت منذ 8 سنوات جائزة وطنية سنوية للقراءة، وجائزة القراءة للمخيمات الصيفية، إضافة إلى تأسيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، والمرصد المغربي للغة العربية.
تابعي المزيد: جائزة الأمير خالد الفيصل: 1 أكتوبر آخر موعد لاستقبال المشاركات