في أجواءٍ شتوية قدًم مهرجان فيست للطعام السعودي، الأضخم من نوعه في الشرق الأوسط، تجربةً فريدةً، للتعريف بالمطبخ السعودي، والأكلات التي تشتهر بها كل منطقةٍ في البلاد. ويشارك في الحدث طهاةٌ محليون وعالميون، ويأتي بتنظيمٍ من هيئة فنون الطهي، ويحتضن بين أروقته أنشطةً ترفيهيةً وثقافيةً وتعليميةً، تناسب جميع الأعمار والفئات، تدور في مجملها حول الطعام في الهواء الطلق .
«سيدتي» تجوَّلت في أركانه، والتقت عدداً من المشاركين فيه، الذين شددوا على أهمية تعريف الزوَّار بالتراث السعودي بتفاصيله كافة، كما تحدثوا عن الأطعمة والمنتجات التي يقدمونها.
الرياض | يارا طاهر Yara Taher - سارا محمد Sara Mohammed
تصوير | منال الغلث Manal Alghelth- عبدالرحمن السالم Abulrahman Alsalem والمركز الإعلامي لوزارة الثقافة
منتجات محلية قابلة للاندثار
تستعرض أولى مناطق المهرجان تراث فن الطهي في السعودية، وتتضمَّن أطباقاً مستوحاةً من ثقافة وإرث كل منطقةٍ في البلاد، وهي المنطقة الوسطى، والشمالية، والجنوبية، والغربية، والشرقية، كما تشتمل على مسرحٍ، تُقدَّم عليه رقصاتٌ فلكلورية، ويتوسط المنطقة جناح «سلو فود»، الذي يعرض لزوَّاره نماذج لمأكولاتٍ قابلة للاندثار، وقد التقينا فيه ممثله خالد الفايز، الذي كشف لنا عن الأسباب التي أدَّت إلى اندثار بعض الأطعمة، إضافةً إلى ما يقدمونه في الجناح قائلاً: «أطلقنا بالتعاون مع هيئة فنون الطهي مبادرة سفينة التذوق، وهي كتالوجٌ عالمي، يشتمل على منتجاتٍ عالية الجودة، ترتبط بتراث الدول، وقابلة للاندثار بسبب قلة استخدامها، أو نقص إنتاجها، أو مشكلاتٍ في مناخها، وقد سجَّلنا في هذه المبادرة 5600 منتج، منها 13 منتجاً من السعودية بمناطقها المختلفة، مثل البن الخولاني، الذي يزرع في منطقة جازان نظراً لمناخها المناسب إذ ترتفع كثيراً عن مستوى البحر، إضافةً إلى ملح القصب، الذي يكثر في الرياض لوجود الملح بكمية جيدة في تربتها، ومناخها الجاف، وموية الكادي في منطقة الباحة، وهي زيتٌ عطري، يستخرج من أزهار الكادي الجافة، وتمر الحلية في منطقة المدينة المنورة، ومع الأسف على الرغم من كثرة إنتاجه إلا أن الإقبال عليه قليلٌ جداً، والجمل الأحمر، وهو من سلالة الألبان في منطقة حائل، ويسمَّى بالحمر، والأرز الحساوي في المنطقة الشرقية، الذي يندثر تدريجياً بسبب صعوبة زراعته في المناخ الحالي، خاصةً أنه يحتاج إلى كثيرٍ من المياه. وهناك أيضاً بذور السمح في الجوف، وهي نبتةٌ سنوية، تضمُّ كثيراً من العناصر الغذائية، وبدأت تتراجع نتيجة التصحُّر، وضعف النظم البيئية التي ينمو فيها، والمغمي في القصيم، ويُصنع من التمر القاسي الذي يصعب تناوله والدبس وبذور السمسم، ويقلُّ انتشاره بين الأجيال الجديدة، والكباث في مكة المكرمة، وهو ثمرة شجرة الأراك، وتُعرف بشجرة فرشاة الأسنان، وتشهد حالياً تراجعاً في إنتاجها بسبب تدهور موطنها نتيجة التوسُّع الحضري، كما أن صنع السواك منها يهدِّد حياة الشجرة، إلى جانب شجرة اليسر في تبوك، وهي شجرة استوائية شديدة المقاومة للجفاف، تنمو على المنحدرات الجبلية ووديان السعودية، وتتراجع حالياً لقلة الوعي بقيمتها».
وأضاف: «في منطقة نجران نشهد تدهوراً لإنتاج البن النجراني المسمَّى بالسمراء، والغني بالعناصر الغذائية، إذ يحتاج إلى مناخٍ غزير المطر، وقد تأثر كثيراً بالتحولات المناخية والجفاف، ما اضطر أغلب المزارعين إلى التوجُّه لزراعة محاصيل أخرى، وفي المنطقة الشمالية أيضاً نشهد تراجعاً في إنتاج الكمأة، أو الفقع الذي كان الكثيرون يخرجون لحصاده، لكن نتيجة تغيُّر الظروف المناخية، ابتعدوا عن ذلك، إلى جانب عسل السدر المستخرج من شجرة العناب الشوكي الذي قلَّ شراؤه لكثرة الغش فيه».
خالد الفايز: أطلقنا بالتعاون مع هيئة فنون الطهي مبادرة سفينة التذوق، وهي كتالوجٌ عالمي، يشتمل على منتجاتٍ عالية الجودة
منطقة النخيل
وتبرز في المهرجان أيضاً منطقة النخيل والتمور، وتحتوي على معرضٍ، يعرِّف الزوَّار عبر شاشاتٍ عدة بتراث مزارع النخيل، وأنواع التمور في السعودية وعددها، وطرق وأماكن بيعها، وتحدَّثنا فيها مع عبدالله السماعيل، أحد المشاركين، الذي يشرح للزوَّار كيفية تعبئة التمور، أو ما يسمَّى بـ «كنز التمور»، وعن ذلك قال: «يتمسَّك أهالي محافظة الأحساء بعاداتهم وتقاليدهم في تعبئة التمور على الرغم من انتشار عديدٍ من مصانع التمور في السنوات الأخيرة، حيث يجمعون الحبات فيما يُسمَّى بالنثر، ثم يفرزونها بين كبيرٍ ومتوسطٍ وصغيرٍ مع إزالة الشوائب عنها، بعدها يقومون بتعبئتها في أكياسٍ بلاستيكية، يزن الواحد منها كيلوجراماً واحداً، ويضعون في الكرتونة 42 كيساً، ثم يضغطونها بـ 150 كيلوجراماً لمدة أسبوعٍ في الصيف، وثلاثة أسابيع في الشتاء حتى يظهر المُنتج بالصورة التي تصل للناس». معرباً عن سعادته بالمشاركة في المهرجان، واهتمام الزوَّار بالطريقة التقليدية لتعبئة التمور.
تجذيب النخل
محمد السماعيل: نقوم بقصُّ النخل من الأعلى وتقديم الجمار فوراً للزوَّار حتى يأكلوه طازجاً
وحدَّثنا محمد السماعيل، من منطقة الأحساء في«الشرقية»،عن حرفة تجذيب النخل التي كانت تنتشر بين المزارعين قديماً، كاشفاً عن طريقتها بالقول: «نقوم بقصُّ النخل من الأعلى، ونقوم بتقديم الجمار فوراً للزوَّار حتى يأكلوه طازجاً، والحمد لله وجدنا إقبالاً جيداً على ركننا، حيث يسألنا كل مَن يزوره عن هذا التراث الشعبي، خاصةً أن الكثير منهم لا يعرفون شيئاً عن هذه الأكلة، لا سيما من الجيل الجديد، ويعتقدون أنها مجرد خشبٍ».
تابعي المزيد: فنون الطهي تنظم فعالية "حول الحطب" للاحتفاء بالتجارب التراثية في الصحراء
شوكولاتة منزلية
في حين تضمُّ منطقة المطاعم أكثر من 200 مطعمٍ سعودي وعالمي من مناطق مختلفة، وتقدم وجباتٍ متنوعة للزوَّار طيلة أيام المهرجان، وفي هذه المنطقة التقينا فاطمة السالم، صاحبة براند «شوكولاتة سمراء»، التي أوضحت أنها تقوم بإعداد منتجاتها في مصنعٍ خاصٍّ في منزلها بعد استيراد الشوكولاتة من سويسرا.
وحول طريقة التصنيع قالت: «أعالج الحشوات في منزلي، وأُنتِج حلوى تناسب هوية بلادنا، حيث أحشو بعضها بالقهوة السعودية، وأعزِّزها في موسم الشتاء بنكهاتٍ، تمنح إحساساً بالدفء، مثل الفلفل الأحمر».
وأثنت فاطمة على مهرجان فيست، ذاكرةً: «كل شيءٍ هنا رائع، فالتسهيلات ممتازة والتنظيم متقن، والجو العام للمكان يناسب الجميع، والحضور في قمة الجمال، وأشكر المنظِّمين على جهودهم، وأتمنى إقامة الحدث كل عام».
فاطمة السالم: أُنتِج حلوى تناسب هوية بلادنا
القهوة على الرمل
وبيَّنت رهف المزيني، صاحبة «كافيه خانة»، أنها تقدم القهوة بالطريقة التقليدية على الرمل الساخن، الذي يوزِّع الحرارة على «الركوة» بالتساوي، ما يعطي أفضل طعمٍ للبن، وقالت: «أضيف إلى قهوتي نكهاتٍ متنوعة، مثل الهيل، والسادة، والبندق الذي يكثر عليه الطلب حالياً، خاصةً أنه مُصنَّعٌ بالحليب والمستكة».
رهف المزيني: أضيف إلى قهوتي نكهاتٍ متنوعة، مثل الهيل، والسادة، والبندق الذي يكثر عليه الطلب حالياً
الثقافة المحلية
وذكرت سميرة أمير، من متجر «أم مرام» للحلوى البحرينية والطعام الحساوي، أنهم يعتمدون في عرض منتجاتهم خلال مهرجان فيست على الأزياء التقليدية، إذ يقومون بارتدائها خلال ساعات العمل بهدف تعريف الزوَّار على الثقافة المحلية لهذه المنطقة.
الطباعة على الملابس
ويحتض المهرجان كذلك متاجر للهدايا والكتب، تعرض منتجاتٍ مبتكرة من التحف والملابس والإكسسوارات، صُنِعت بشكل خاصٍّ لهذا الحدث، وفي ركن شركة اكتمال المتخصِّصة في الطباعة على الملابس، أوضح لنا بندر كلكتاوي، أنهم يقدمون خدمة الطباعة المباشرة على الأزياء، وشرح الفكرة بالقول: «الطباعة على الأزياء فكرةٌ جديدة، تتَّسم بالسهولة، فكل ما على العميل فعله، هو اختيار تيشيرتٍ، أو بلوفرٍ باللون المفضَّل لديه، ثم انتقاء أحد التصاميم التراثية التي قمنا بتجهيزها مسبقاً، بالتعاون مع وزارة الثقافة، ويحمل بعضها عباراتٍ سعودية معروفة، حيث نقوم بطباعتها على القطعة مباشرةً باستخدام أحد أقدم أنواع الطباعة، وهو السلك سكرين».
وحول الإقبال على منتجاتهم، ذكر: «هناك اهتمامٌ كبيرٌ من الزوَّار بما نقدمه، خاصةً أن خاماتنا تتميز بالجودة العالية والطباعة الفورية والتصاميم التراثية ذات الصبغة العصرية».
تابعي المزيد: عروض الطهي في معرض الرياض الدولي للكتاب برعاية مطبخ «سيدتي».. الأطباق السعودية بلمسات إبداعية
أنشطة للأطفال
ولأنهم جيل المستقبل، ومن المهم تعريفهم بتراث الأجداد، فقد خصَّص المهرجان أنشطةً عدة للأطفال، تحفزهم على التعلم من خلال تجارب ترتبط بالطعام، وحول ذلك ذكر عبدالله المحفوظ، المسؤول عن منطقة الأطفال والمزرعة التفاعلية: «نقدم للأطفال خمس ورش عملٍ، هي محطة السقيفة، ويستفيدون من معلوماتها في بقية المحطات، ومحطة الحظيرة، وفيها يُطعمون الغنم والدجاج، إلى جانب محاكاة حلب البقر، والحقل حيث يزرعون شتلاتٍ وأنواعاً عدة من البذور، كما يصنعون السَّماد من المواد العضوية التي تُجمع مع المطاعم المشاركة، والمطبخ، وفيه يحشون التمور والمصابيب وكرات الحنيني، وأخيراً المائدة، ويتعلَّمون العادات والتقاليد في المنطقة».
وحول الإقبال على الركن، قال: «يزورنا في المكان أعدادٌ كبيرةٌ غير متوقَّعة من الأطفال، والحمد لله يعبِّر جميع الزوَّار عن سعادتهم بما نقدمه».
مسابقة سفرة
تقام في المهرجان مسابقةٌ، تحمل عنوان «سفرة»، وتهدف إلى اكتشاف وتنمية مهارات هواة الطهي، وربطهم بتراث المطبخ السعودي بمختلف مناطقه، وتتكوَّن من ثلاثة أقسامٍ، هي الطهي الحي، والحلويات، والمشروبات، وتنقسم إلى فئاتٍ عدة، هي المسابقة التراثية السعودية، وخُصِّصت للأطباق التراثية من مختلف مناطق البلاد، ويحصل الفائز فيها على 30 ألف ريال يومياً، وتشتمل على أطباق الجريش من منطقة الرياض، والمطازيز من القصيم، والحنيذ من عسير، والدغابيس من الباحة، وحريكة اللحم من نجران، والصيادية من تبوك، والكبيبة من حائل، والمليحي من الجوف، والأرز الحساوي من المنطقة الشرقية، وآذان الشايب من المنطقة الشمالية، والسليق من مكة المكرمة، ومغش الضريك من جازان، والأرز الكابلي من المدينة المنورة، ومسابقة الأطباق السعودية المستحدثة، وتتيح للطهاة استحداث أطباقٍ مستوحاةٍ من أخرى سعودية تقليدية، وتنقسم إلى قسمين، هما أفضل طبقٍ سعودي مستحدث للطبق الرئيس والحلويات، وينال الفائز بها 30 ألف ريال، وسفرة لفنون القهوة، وتتيح لهواة القهوة اكتشاف مهاراتهم في مجال تحضير القهوة وفن اللاتيه، ويفوز صاحب الفنجان الأفضل بثلاثة آلاف ريال.
ورش عمل تفاعلية
يذكر أن المهرجان يشتمل على منطقة التعليم، التي تشهد ورش عملٍ تفاعلية حول الطهي، يقدمها نخبةٌ من الخبراء، وتتضمَّن قاعة «ماستر كلاس»، ومطبخاً تفاعلياً، وركناً للمخبوزات والحلويات، وآخر لإعداد المشروبات، إضافةً إلى منطقة الوليمة لحجز وجبةٍ استثنائيةٍ عالميةٍ مع طهاةٍ حاصلين على نجمة «ميشلان»، هذا إلى جانب مشاهدةٍ حيةٍ عن قرب لطهي الأطباق.
مسرح فيست
كذلك يتضمَّن المهرجان مسرح فيست، وهو مسرحٌ خارجي مفتوحٌ للزوَّار، تُقدَّم عليه عروضٌ متنوعة، مثل العروض الموسيقية الحية. أيضاً يحتوي على منطقة الأعمال بهدف تمكين الشغوفين بالطهي من هوايتهم، وتحويلها إلى مشروعٍ تجاري، إلى جانب مسرحٍ ومركزٍ للأعمال، ومنطقة عروضٍ، وأخرى تعرِّف بطرق طبخ الأطباق السعودية.
تابعي المزيد: "سلو فود"يرصد الأطعمة المهددة بالاندثار في مهرجان فيست