نور وميساء صقال، شقيقتان وشريكتان ومصمّمتان من لبنان؛ درست الأولى هندسة العمارة في بيروت وبرشلونة، والثانية هندسة التصميم الداخلي في بيروت، وقد عملت كلّ منهما وحيدة، قبل تأسيس «الاستديو» الخاصّ بهما، في بيروت، ثمّ فرع في الكويت، لاحقاً. أعمال «الاستديو» ممتدة في عالم التصميم المتشابك، من العمارة إلى التصميم الداخلي، وتصميم المنتجات.
يحرّك الأعمال، هدف الأختين في جعل الناظر إلى نتاجهما أو مستخدمه يختبر مشاعر شتى. تتحدّث الأختان إلى «سيدتي»، في الحوار الآتي نصّه، عن طبيعة شراكتهما وعن تأثيرات طفولتهما في أعمالهما، كما عن مستقبل التصميم، بعد أن أرخى وباء «كورونا» بظلاله عليه.
منطقة الخليج تبدو واعدة على صعيد التصميم
تعيش كلّ منكما في عاصمة عربيّة مختلفة (بيروت والكويت)، هل يكمّل عمل كلّ من الأختين الأخرى، أم هو تعاوني؟
نور: عملنا متكامل وتعاوني، في الوقت عينه؛ في بعض المشاريع، نكّمل بعضنا البعض بمعنى أننا نقسم المشاريع الداخلية / المعمارية بيننا، لتتولى إحدانا القيادة والأخرى تتمّ العمل. في أوقات أخرى يكون الأمر تعاونيّاً، بشكل كامل، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتصميم منتجات لعلامتنا التجارية الخاصّة أو للمعارض الدوليّة.
بيروت ملهمة
في مقابلات كثيرة، تتحدّثان عن تأثيرات طفولتكما في بيروت، زمن الحرب الأهليّة، على نتاجكما. كيف ساهمت هذه الفترة في مقاربة التصميم؟
نور: تراودني ذكريات كثيرة من تلك الفترة؛ النوم لليالٍ، في الملجأ، في الطبقة السفليّة من البناء الذي كنّا نسكن فيه، ببيروت، خلال أوقات القصف، والقنبلة غير المنفجرة على سطح غرفة نوم والديّ. كنت طفلة في ذلك الحين، أبلغ 5 أو 6 أعوام من العمر، لذا بدا الأمر وكأنه لعبة الاختباء مع عائلتي من أصوات المدافع، فلم يؤثّر بي، على المستوى النفسي. أمّا لناحية الكيفيّة التي طبعت طفولتنا خلال الحرب، نهجنا في التصميم، أستطيع القول إن بيروت ملهمة لكلينا. تعكس إحدى مجموعاتنا، وهي «جيوب الضوء»، التأثير النفسي الدائم على حركة الناس في المدينة، على الرغم من إزالة الحواجز بين شطري بيروت. (المجموعة عبارة عن مزهريات ربطت بسلاسل أو جنازير حديد، لكن مع إدخال القطع الفرن، سقطت الأخيرة، بيد أن آثارها بقيت ماثلة في الإكسسوارات)
تابعي المزيد: في أسبوع دبي للتصميم ..هدى العيثان وريما المهيري: عملنا يروي مشاهد تحاكي البيئة الإماراتية
تحفيز المشاعر
تقولان إن «الهدف من كلّ تصميم تنفّذانه، سواء كان قطعة أثاث أو إكسسوار، هو الاتصال واستكشاف المشاعر والاندهاش والغموض»؛ أخبرانا المزيد عن هذه الفلسفة في عملكما؟
نور: نهدف، من خلال كلّ قطعة أو تصميم داخلي أو مبنى نشتغل عليه، إلى حثّ المتلقي على تقديم ردود الأفعال أو التعبير عن مشاعره إزاء المنتجات (التصميمات)، أو الاتصال بهذه الأخيرة، فالتصميم هادف إلى تحفيز المشاعر، ونجاح التصميم يكمن في جعل المستخدم (أو المتلقي) قادراً على التفاعل معه، وعلى تطوير ردود أفعاله تجاهه. إلى ذلك، لا تخلو الأعمال من غموض، وهي تثير فضول المستخدمين للنظر إلى أبعد منها، أو حتى في بعض الأحيان إلى مجرّد التوقف والتأمّل.
شاركتما العام الماضي في «أسبوع باريس للتصميم» عبر مجموعة من المزهريات؛ ماذا عنها؟
ميساء: حمل المعرض اسم «1000 مزهرية»، وهو انعقد تحت مظلّة «أسبوع باريس للتصميم»؛ مجموعتنا المشاركة في المعرض، معنونة Chroma أي اللون، ومصنوعة من الزجاج المعاد تدويره و«الكروم» والألمنيوم. بقدر ما نحب التصميم على نطاق أكبر، فإننا نؤمن بأن الإكسسوارات المنزليّة تحدث فارقاً كبيراً في المساحات الداخليّة. ونستمتع بالتفكير في هذه التفاصيل الصغيرة التي تربط كلّ عناصر المنزل معاً. أردنا «حقن» المنازل بالألوان، باستخدام هذه المزهريات، التي ستضمّ بدورها أزهاراً ملوّنةً.
نستمد الإلهام من حياتنا اليومية والطبيعة وطفولتنا
هل هناك أي مبادئ عامة تنطبق على التصاميم التي ستحتاج إليها الشركات عام 2023؟
ميساء: في المشاريع السكنيّة على وجه التحديد، أشعر بأن المبدأ الذي سيستمر في السريان، هو إنشاء مساحات «صالحة للعيش»؛ كلّما ازداد عدد الأشخاص، الذين يدركون مدى تأثير المساحة في أسلوب حياتهم، ازدادت الرغبة في أن تكون منازلهم عملية ومنسجمة مع طرائق عيشهم. اعتدنا من قبل على تصميم مساحات، مثل: مناطق المعيشة الرسمية التي لا تلبي حقّاً احتياجات أصحاب المنزل بل الزائرين. راهناً، وفي المستقبل أيضاً، حسب اعتقادي، نصمّم، وسنصمّم لغرض تلبية احتياجات وأساليب حياة كلّ عميل أي النظر إلى كلّ المساحات المنزليّة، من منظوره، مع جعلها أكثر فاعليّة وقابليّة للاستخدام في حياته اليوميّة.
من أين تستمدّان الإلهام؟
ميساء: من حياتنا اليومية، في العموم، ومن الطبيعة وطفولتنا... الاستلهام لتصميم أي قطعة عبارة عن رحلة شخصيّة؛ أفكّر وأختي في الأمور التي تحفّزنا والأشياء التي تحركنا وتعني لنا... كلّ ذلك يوجّه التصميم. وهذا الأخير عبارة عن عمل مصدره دواخلنا، إذ نحاول عبر أي قطعة التعبير عن مشاعرنا.
هل هناك مفاهيم جديدة، في التصميم الداخلي، فرضت جرّاء وباء «كورونا»، ولمّا تزل؟
نور: هناك العديد من المفاهيم في التصميم الداخلي، وكيفيّة العيش؛ المفاهيم التي بدأت مع الإعلان عن جائحة «كورونا»، وستستمرّ. من خلال الاتصال بالعملاء، نشعر بالتركيز المتزايد على المنازل، وعلى توق أصحابها إلى العيش في مساحات تمكنهم من العمل والتربية والتمرين والترفيه، في الوقت نفسه. أصبح المنزل مساحة متعددة الوظائف يجب أن تخدم كلّ جوانب حياة الفرد. هناك مفهوم آخر بدأ خلال الجائحة، وفي اعتقادنا أنه سيستمر أيضاً، وهو إضافة المزيد من اللمسات الخضر إلى المساحات الداخليّة أي الحدائق أو المسابح أو الجدران الخضر أو كوّات الإنارة الطبيعيّة، أو مجرد إضافة النباتات إلى الأحواض. هذه كلها عناصر من «التصميم البيوفيلي» الذي ثبت أن له تأثيرات إيجابية على البشر. وهذا التصميم مرغوب من أصحاب المنازل أكثر فأكثر، خصوصاً بسبب قضاء المزيد من الوقت فيها. فرضت الجائحة أسلوب حياة جديداً وطريقة جديدة لاستخدام المنازل، مع تنظيم العمل عن بُعد في جميع أنحاء العالم.
ماذا عن مستقبل التصميم، في المنطقة العربيّة؟
ميساء: منطقة الخليج تبدو واعدة، على هذا الصعيد، خصوصاً أن الكثير من الناس يهتمون أكثر فأكثر بالتصميم، ويدركون حقّاً تأثيره في أسلوب حياتهم. أضيفي إلى ذلك، تسمح «طفرة» وسائل التواصل الاجتماعي، بجعل الناس يطلعون على الاتجاهات الجديدة السائدة في التصميم. وبالتالي، هم يصبحون أكثر تقبّلاً للأفكار الجديدة ولاختبارها في منازلهم ومساحاتهم بشكل عام.
تابعي المزيد: في أسبوع دبي للتصميم المصمّمة رانيا فهمي: أعشق مزج الألوان في الأثاث
في سطور...
نور صقال، مهندسة معمارية، أتمّت دراساتها العليا في «معهد برشلونة لهندسة العمارة»، بعد أن نالت درجة البكالوريوس في هندسة العمارة في «الجامعة الأميركيّة في بيروت». وميساء صقال، مهندسة العمارة الداخلية، تخرجت من «الجامعة اللبنانيّة الأميركية في بيروت».
بعد التخرّج، عملت كلّ منهما، بشكل منفصل، مع مصمّمين مشهورين في هذا المجال، لبضع سنوات؛ فقد اشتغلت ميساء مع Galal Mahmoud architects، ونور في شركة Nabil Gholam Architects ببيروت، ثمّ مع IMAR في الدوحة، بقطر. ثمّ، تشاركتا في إحدى العطلات الصيفيّة، عندما كانتا سويّة في بيروت، في تصميم منتجاتهما الأولى لمعرض استضافه «بوتيك» The Silly Spoon بالعاصمة اللبنانيّة، وكان ذلك فاتحة للعديد من التصميمات. وبذا، ولد «الاستوديو» Saccal Design House، في العاصمة اللبنانيّة، ببيروت، في عام 2014. يقدم «الاستديو» خدمات التصميم الداخلي وهندسة العمارة، بالإضافة إلى تصميم المنتجات. في العام 2018، افتتحت الشقيقتان فرعاً للاستديو، في مدينة الكويت.
تابعي المزيد: المهندسة المعمارية سارة الريّس: التصاميم الصديقة للبيئة متفردة