صدق الكاتب الأرجنتيني الكندي ألبرتو مانغويل حين قال: "المثقف المثالي هو القارئ الواعي القادر على تشريح النص، وتقشير الجلد، وتقطيعه إلى النخاع، وتتبع كل شريان وكل وريد ثم وضع على قدميه كائنًا واعيًا جديدًا تمامًا"، وهناك خطأ كبير يقع فيه كثير من الناس حين يعتقدون أن الشخص المثقف هو من يحمل درجة علمية جامعية ، فالشخص المتعلم فقط هو من يحمل شهادة علمية، وهذا لايعني مطلقاً أن يكون مثقفاً، سيدتي التقت بالكاتب والأديب صلاح عصفور؛ ليحدثك عن الفرق بين الشخصية المثقفة و الشخصية المتعلمة.
يقول عصفور لسيدتي: لا شك أن الشهادة الأكاديمية مهمة وذات قيمة وتعزز من قيمة حاملها، ولكنها ليست دليلاً مؤكداً أن هذا الشخص مثقف واعٍ عميق الفكر متميز عن غيره.
-
إرث حضاري
لايجوز أن نطلق مسمى متعلم، على الشخصية المثقفة المستنيرة، فالمثقف درجة أكثر وعياً وتنويرًا وحصافةً من الشخصية المتعلمة والتي قد تكون ضيقة الأفق مهما وصلت لأعلى درجات العلوم والدراسات الأكاديمية، فالثقافة تعني التحضر، والأدراك، والوعي، والتجديد وتبقى المقياس الأول لنهضة ورقي وقوة تأثير الدول وقدرتها على التطور والإرتقاء، فهي طريقة الحياة التي تميّز كل مجموعة بشرية عن مجموعة أخرى، وهي الموروث القديم المحدد لصفات وعادات وتقاليد وتفاعلات كل مجتمع، حيث الثقافة هي التي تؤثر في الأفراد وطريقة التفاعل والتعامل بينهم .
يؤكد عصفور أن العلم والثقافة عنصران مهمان جدًا في تكوين المجتمع القوي المتماسك، وهما جزءان لايتجزآن من التراث الحضاري ومن العملية التنموية، وأن تكون أنت الشخصية المثقفة يعنى أن يكون لديك معرفة موسوعية تشمل كافة مجالات الحياة، فالثقافة تخلق روح الإنسان وعقله وسلوكه، والعلم هو الذي يصيغ ثقافة وقيم واتجاهات المجتمع، والعلم بدوره يمكنه المساعدة على انتشار الثقافة عن طريق مختلف الوسائط وعن طريق المزج بين القراءة والتواصل الاجتماعي .
تابعي المزيد: هي تريدين معرفة كيف تكوني شخصاً واعياً؟
-
هل المثقف هو من يقرأ كثيرًا؟
يقول عصفور: يسود اعتقاد قديم بأن المثقف هو من يقرأ كثيراً، ويملك الكثير من المعلومات في شتى العلوم، وهو مصدر يمد من حوله بالمعلومات، فذاكرته تمتلئ بالبيانات التي قد تصنف على أنها معارف، كما أن لديه سعة علمية ورصيداً مفتوحاً من المعلومات، وهذا الخطأ شائع للأسف ومنتشر في كل مكان، فقد يكون الشخص أستاذاً جامعياً ولكنه غير مثقف، أو قد يكون الشخص مثقفًا ولكنه لم يكمل صفوفه الدراسية، إلا أننا لا ننكر أن مستوى التعليم هو الذى يصيغ ثقافة كل انسان وقيمه واتجاهاته.
-
من تكون الشخصية المتعلمة؟
قال تعالى "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"، التعليم هو المعرفة والحكمة، والشخص المتعلم هو فرد تخرج من مؤسسة تعليمية وخضع لتدريب شامل في مجال معين من المعرفة، وقد حصل على شهادة تثبت أنه يقرأ ويكتب، وقد يكون حاصلاً على شهادة فوق الجامعية ولا يعني مطلقاً أنه مثقف بل متعلم.. والإنسان المتعلم هو المتخصص الأكاديمي الذي لا يخرج نتاجه الفكري واهتماماته إلا ضمن دائرة عمله، وقد يكون متعطشاً للمعرفة ولكنه يفتقدها، والإنسان المتعلم يكون رصيده في ما تعلمه من علم في تخصصه، وهو الذي يكتسب المعلومة ولا يصدرها، إذاً المتعلم يمثل الثقافة في حال الاكتساب، وهو متلق في النهاية، فالمتعلم هو من تعلم أموراً لم تخرج عن نطاق إطاره الفكري، الذي اعتاد عليه منذ الصغر، ويسعي دائماً لتحسين الذات، وهو لم يزدد من العلم إلا ما زاد في تعصبه وضيق من مجال نظره، وهو قد آمن برأي من الآراء أو مذهب من المذاهب فأخذ يسعى وراء المعلومات التي تؤيده في رأيه.
-
كيف تكون الشخصية المثقفة؟
أما الإنسان المثقف نجده دائماً ملماً بأشياء كثيرة، وليست بالضرورة أن تكون علمية أومتخصصة في شأن معين، ونجده متميز عن غيره بقدرته على الطرح وإقناع من حوله بما يطرحه، وهو الشخص الذي لديه من الإدراك والإطلاع مايكفي لفهم محيطه، ويستطيع تحليل معطيات الواقع للوصول إلى نتائج جادة وسليمة، وقد يكون المثقف متعلماً، وقد يكون ممن لم ينل حظاً وافراً من التعليم، ولكنه هو الفطن القادر على الإدراك والفهم الذي يقود لاستنتاج عقلاني، ويحسن التفكير، ويكون محيطاً وواعياً لما يجري حوله، ولا يكون ذلك إلا بالسعي لزيادة معلوماته وتوسيع أفق التفكير لديه، ويكون دائماً محباً للعلم والمعرفة ، وهو من يعيش مشاكل عصره ويفهم جيداً المعوقات والحلول بل وكيفية النهوض بها، وهويمتاز بمرونة رأيه وباستعداده لتلقي كل فكرة جديدة وللتأمل فيها، ونجده دائماً يكون مستقيماً وسائراً على طريق الصواب، يؤمن بالمثل العليا نحو وطنه ومجتمعه وإنسانيته. في النهاية ... على المتعلم غير المثقف أن يسعى لتثقيف نفسه بطرق عدة في مجاله وغير مجاله حتى ينمو ويتسع فكره، وكذلك المثقف غير المتعلم يجب أن يبدأ في التعلم حتى يمكنه تطبيق ثقافته بطريقة صحيحة ويكون قادراً على توصيل رأيه لآخرين؛ لكي يستفيدوا منه.
تابعي المزيد: تعرفي على 12 وسيلة تمدك بالثقافة