عالم الأقزام عالم غريب مدهش، يدفع الكثيرين للضحك أو السخرية أو التأمل، إنه هذا العالم الذي يظنه الكثيرون غير واقعي، فقد ارتبط في وعيهم بأفلام الكرتون، أو بالشخصيات الكوميدية التي تقدم أدواراً هزلية مضحكة. «سيدتي» دخلت هذا العالم المدهش، والتقت عدداً من القزمات في جمعية رعاية الأقزام، وهي الجمعية الوحيدة في مصر الخاصة بهن.
بداية، تقول هبة سمير، 23 سنة، محاسبة في أحد البنوك: أنا شخصية عنيدة، وكلما وجدت رفضاً من الآخر يزداد عنادي، وقد عانيت كثيراً من المدرسين والزملاء بمختلف المراحل التعليمية، ولكني كنت أتغلب على ذلك، وأصرّ على ألا أترك نفسي للهزيمة، وهناك مثلي طبيبات ومهندسات ومدرسات، إلا أنهن قليلات. تقدمت سابقاً للعمل بعدد كبير من الوظائف، لكني وجدت رفضاً وسخرية من الجميع، الذين لا يتصورون كيف يمكنني أن أتعامل مع العملاء وأنا بطول 87 سم، ولكن شخصيتي القوية وثقافتي في علم الحسابات، وعدم اليأس، أجبرت الجميع على احترامي كأي مواطن، فأصبحت رئيسة قسم على زملائي الأسوياء بعد خمس سنوات فقط.
الأنثى إيجابية
وتؤيد سعاد عبد الهادي، مدرسة علوم، (قزمة ووالداها من الأسوياء)، كلام هبة؛ فترى أن الأنثى بطبعها إيجابية، وتبحث عن نقاط تميزها لتنطلق منها، خاصة القزمة التي تتحدى نفسها قبل المجتمع.
وعن أطرف المواقف التي تعرضت لها، تقول سعاد: «نقلت إلى مدرسة جديدة، وفي بداية العام الدراسي أصرّت مديرة المدرسة على أن أجلس بالفصل مع التلامذة، وكانت تعتقد أنني طفلة مشاغبة، ولم تصدق إلا عندما قدمت لها مسوغات التعيين وشهاداتي، فهي لم تلتق بقزمة من قبل!».
القزمة وأعباء المنزل
من ناحيتها، تضحك مها نجيب لبيب، مستشارة علاقات أسرية، وتقول: «درست الحقوق، وقررت أن أفتح مكتب استشارات أسرية وقانونية؛ حتى أبتعد قليلاً عن أجواء المحاكم، خاصة بعد أن تعرضت لموقف عندما حاولت أن أكون محامية جنائي، والموكل الأول في حياتي قال لي: أنا لا أقتنع بك، ولكن إن خسرت القضية «سأعلقك بالنجفة» ورفعني لأعلى بيده؛ حتى لمس رأسي «النجفة»، فقررت على الفور أن أغيّر تخصصي، وعملت بقضايا الأسرة والأحوال الشخصية».
نظرة المجتمع
وترصد ثريا عبد الفتاح، 33 سنة، فنانة في إحدى الفرق الشعبية، جزءاً آخر من معاناة القزمة، تقول: «المعاقة الأنثى أكثر حظاً من القزمة؛ فالمعاقة قد تجد فرصة عمل، ويُعترف بها، بينما القزمة لا تجد أي فرصة للعمل إلا نادراً، وبعد نضال وكفاح طويلين».. وعن أكثر ما يضايقها تقول ثريا: «لا نجد ما يناسبنا من ملابس وأحذية وإكسسوارات، فنلجأ إلى محال ملابس الأطفال التي تلائم أحجامنا، ولكنها بالتأكيد لا تناسبنا في أشكالها وألوانها».
وتوافقها الرأي صفية عبد الرازق محمدين، 33 سنة، (قزمة وأولادها أقزام وزوجها عادي)، وتقول: «أنا حاصلة على ثانوية عامة، ولم أكمل تعليمي؛ لإحساسي بنظرة المجتمع الدونية لي، فعندما كنت في الثانوية العامة سألت نفسي: ماذا سأكون بالمستقبل؟ ولأنني حساسة ولا أتمتع بشخصية قوية، واحتراماً لنفسي قررت أن أتوقف عند هذه المرحلة التعليمية، على الرغم من رفض أهلي، الذين كانوا مصرّين على أن أكمل تعليمي، ولذلك انسحبت من التعليم، وعملت بكافيهات حتى تزوجت، ثم جلست في المنزل أرعى الأبناء».
الأبناء أيضاً يدفعون الثمن
رجاء عبد الله، 42 سنة، تؤكد أنه لا تقتصر المعاناة على الأقزام فقط، بل تمتد للأبناء، فاحتمالات أن تنجب القزمة أقزاماً تكون كبيرة جداً؛ لأنها قد تكون وراثة أو جينات نتيجة لتزاوج الأقارب، فوالدي ووالدتي من الأسوياء، ولكن بينهما صلة قرابة، لذلك أنا قزمة وأولادي أقزام، ويعانون أيضاً من هذه المشكلة عندما يسخر منهم زملاؤهم في المدارس، ولا أعلم لماذا لا نربي أبناءنا على ثقافة التعامل مع الآخر المختلف، والذي لا يستدعي السخرية أو الإيذاء، لابد من توجيه المجتمع.
وترصد أماني حمزة، سكرتيرة، (عادية هي وزوجها ولديها ابن قزم نسبة لجده) هذه المعاناة، فتقول: الطفل القزم يتعرّض للضغط، ما يجعله معقداً نفسياً، خاصة مع تعالي موجات الأسى والحزن والضيق من كل من يرى الطفل القزم في كل مكان، لاسيّما إن كان والداه من الأسوياء، وقد يتأثر الآباء بما يقوله الناس، ويعرضون ابنهم للتميز.
سلوكيات تمييزية وإقصائية
تشكو نعمة عبد القادر، لديها مشروع فنون حرفية، من أن الأسوياء يمارسون سلوكيات تمييزية على الأقزام؛ تأخذ شكل عنف لغوي وبصري وإقصائي، ورسّخ ذلك الأفلام والمسرحيات، فالقزم ما هو إلا مهرج يُضحك الآخرين، وهذا بحد ذاته له تأثير سلبي على سيكولوجية قصار القامة، فيدفعهم نحو الانعزالية أو الخجل من الذات أو الإحساس بالنقص.
وتؤكد هالة أحمد، 31 سنة، ممثلة، رأي نعمة، فتقول: «الأنثى القزمة معاناتها مزدوجة؛ بين تحديات المجتمع الذكوري والتهميش كقزمة. لابد أن تكون هناك مدارس تأهيل مثل المدارس الخاصة بالمعاقين، ولابد أن ترفع المناهج الدراسية الوعي لدى العامة».
جمعية رعاية الأقزام
نسرين حامد محمد، موظفة بالشهر العقاري، مسؤولة المرأة بجمعية رعاية الأقزام، وهي قزمة، وكذلك زوجها رئيس الجمعية وأبناؤهما جميعاً أسوياء، تقول: «أشهرنا الجمعية مؤخراً بعد سنوات من الكفاح بين الوزارات، فلا توجد منظمة تهتم بنا ولا مادة في الدستور تطالب بحقوقنا، والكارثة الكبرى أننا غير معترف بنا في التأهيل المهني، فهم ينظرون للقزم على أنه غير معاق، ولا تجوز تطبيق نسبة الـ5% عليه عند التعيين في الحكومة».
لا أشعر باختلاف
وعن شعور هبة، ابنة نسرين، بالصف الثاني الإعدادي، بقصر والديها، تقول: «لا أشعر باختلاف، بل أجد نفسي عادية، ولا أستسلم لأي شعور سلبي أشعر به، ودائماً ما أساعد أمي بالأعمال المنزلية».
وتقول مها، وهي قزمة ولها ابنة من الأسوياء: «إن المعاناة الحقيقية للأقزام أنهم يتحركون داخل فضاءات صُممت أساساً لذوي القامات العالية أو المتوسطة، حتى المواصلات لا تتناسب مع أحجامنا، فلابد لنا من مساعدة عندما نركب الحافلة أو الترام، وأحياناً تكون الأرصفة مرتفعة، كما نجد كثيراً من المعاناة خاصة بتربية الطفل، سواء كان قزماً أو طفلاً طبيعياً، وكيف نشعره بأنه لا يختلف عن الآخرين».
هبة عبد القادر، أحدث عروس عن طريق جمعية رعاية الأقزام، تقول: «الجمعية مكان جيد جداً للتعارف، فقلما تجد شخصاً من الأسوياء يوافق على أن يتزوج قزماً أو قزمة، وعدد من صديقاتي متزوجات من أفراد عاديين، ويعيشون جميعاً حياة زوجية طبيعية. وهي تشكو من أنها مرّت بقصص عاطفية في حياتها انتهت جميعها بالفشل؛ لرفض أسرة الحبيب ارتباط ابنهم بفتاة من الأقزام».
الرأي الطبي
يقول الدكتور وسام أبو الحسن عبدالرحيم، أخصائي أمراض الغدد الصماء: «التقزم لا يؤثر على مستوى الذكاء والإدراك، فعلمياً يشير مصطلح التقزم إلى خلل يسبب تباطؤ النمو لدى الأطفال، والمرأة القزمة هي تلك التي يبلغ طولها ما بين 80 و142 سم، وهي قادرة على عيش حياة طبيعية من تعلم وعمل وزواج».
نصائح للمرأة القزمة
ويضيف د. عبدالرحيم: تعاني المرأة القزمة من مشاكل صحية عديدة، لذلك أنصحها بالابتعاد عن ممارسة رياضة الجمباز خاصة، وعدم ارتداء الكعوب الكبيرة لفترات طويلة، وضرورة تقوية عضلات الفخذين وخفض الوزن، مع تناول الطعام الصحي المتوازن، ومتابعة الفحص الإكلينيكي باستمرار، وتعلم حرفة أو هواية؛ لتخرج الطاقة السلبية.
المزيد:
أم تحتار أي من أبنائها الخمسة أحق بكليتها؟