عندما يهل علينا شهر رجب من كل عام، يتذكر المسلمون في شتى بقاع الأرض معجزة كبرى من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وهي "رحلة الإسراء والمعراج" التي كانت اختصاصاً وتكريماً من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وبيانًا لشرفه ومكانته عند ربه. وقد أذن الله لهذه الرحلة أن تكون حتى يُطلع حبيبه صلى الله عليه وسلم على الآيات الكبرى كما ورد في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الإسراء: 1].
ما المقصود بالإسراء والمعراج؟
من موقع دار الإفتاء المصرية، لمفتي الجمهورية الأستاذ الدكتور/ شوقي إبراهيم علام، فإن المقصود بالإسراء هو الإسراء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى بيت المقدس. وأما المعراج فهو عروج النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس الذي هو المسجد الأقصى إلى السماوات، إلى سدرة المنتهى، إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام. فالإسراء والمعراج رحلتان قدسيتان الأولى من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، والثانية من المسجد الأقصى عروجًا إلى سدرة المنتهى.
دليل معجزة الإسراء والمعراج من القرآن والسنة النبوية
هذه الرحلة الشريفة من المعجزات الكبرى للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعجزة هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي الذي هو دعوى الرسالة أو النبوة مع عدم المعارضة، فهي الحجة الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى الرغم من عدم ذكر موعدها في القرآن أو السنة النبوية، فقد وقعت الرحلة- على المشهور من أقوال العلماء- في شهر رجب. فقد اختلفت الأقوال في تحديد زمن هذه الرحلة، ولكن تعيينه بالسابع والعشرين من شهر رجب: حكاه كثيرٌ من الأئمة واختاره جماعةٌ من المحققين، وهو ما جرى عليه عمل المسلمين قديماً وحديثاً. وقد ثبتت هذه الرحلة العظيمة بالقرآن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد حدث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وأربعون صحابياً. فمن هذه الأحاديث الشريفة: ما رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان أبو ذر يحدث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم، ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا، فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء الدنيا، فلما جئت إلى السماء الدنيا، قال جبريل: لخازن السماء افتح، قال: من هذا؟ قال هذا جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم...إلى آخر الحديث». أما دليل الثبوت من القرآن فقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الإسراء: 1]. وقوله جل جلاله: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۞ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ۞ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۞ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ۞ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ۞ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ۞ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ۞ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ۞ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ۞ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ۞ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ۞ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ۞ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ۞ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ۞ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ۞ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ۞ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ۞ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾[النجم: 1-18]. وقد ذهب جمهور العلماء سلفاً وخلفاً على أن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة وأن الإسراء حدث بالروح والجسد؛ لأن القرآن صرَّح به؛ لقوله تعالى: ﴿بِعَبْدِهِ﴾ والعبد لا يطلق إلا على الروح والجسد، وكذا قوله تعالى: ﴿لنريه من آياتنا﴾ فالبصر من آلات الذات لا الروح.
أحداث رحلة الإسراء والمعراج
تتلخص أحداث رحلة الإسراء في أن النبي صلى الله عليه وسلم سار ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى على البراق، وهو دابة يضع قدمه عند منتهى بصره، وقد كان معه صلى الله عليه وسلم جبريل، أو كان معهما ميكائيل عليهم السلام فأخذوا الطريق إلى المدينة، ثم إلى مدين، ثم إلى طور سيناء حيث كلم الله موسى، ثم إلى بيت لحم حيث وُلد عيسى، ثم انتهى إلى بيت المقدس. وقد أطلعه الله تعالى أثناء ذلك المسير على أمثلة وأنواع شتى من الحكم والحقائق التي ينتهي إليها ما يجري في عالم الظاهر من شئون الخلق وأحوال العباد. ولما انتهى به السير إلى بيت المقدس دخله فجمع الله له حفلاً عظيماً من عالم القدس من الأنبياء والمرسلين والملائكة وأقيمت الصلاة فصلى بهم إماماً، وفي قول أن صلاته بهم كانت بعد رجوعه من السماء. أما ما يخص المعراج فيتلخص في صعوده صلى الله عليه وسلم إلى السموات السبع يخترقها واحدة فواحدة، حتى بلغ السماء السابعة، وفي كل واحدة يلتقي واحداً أو اثنين من أعلام الأنبياء، فلقي في الأولي آدم، وفي الثانية يحي وعيسى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم، حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، ثم إلى ما فوقها. ثم كلمه الله في فريضة الصلاة، وكانت في أول الأمر خمسين، فأشار عليه موسى عليه السلام بمراجعة ربه وسؤاله التخفيف، فما زال يتردد بينهما ويحط الله عنه منها حتى بلغت خمساً حتماً، فأمضى أمر ربه ورضي وسلم.