مايا الهواري
مايا الهواري

الهمّ كلمة قليلة الحروف، لكنّها تحمل بين طيّاتها معانٍ كثيرة، تتمثّل بالتّفكير السّلبيّ ما يسبّب ضيقاً في الصّدر، مصدرها توقعّات الإنسان المستقبليّة غير مؤكّدة الحدوث، هذه التّوقعّات تتفاوت درجاتها من شخص لآخر، متجلّياً ذلك بصور كثيرة، كالحالة النّفسيّة السيّئة والبؤس الّذي يعيشه الفرد، عدم الارتياح، فقدان السّعادة والفرح، الاستياء من كلّ ما حوله ما يُشعره بالفشل، وبالتّالي فقدان الهمّة والتّقاعس عن البدء مجدّداً للخروج من هذه الحالة.

نعلم جميعاً أنّ الحياة الدّنيا مليئة بالمعاناة والصّعوبات الّتي تعترض طريق الإنسان، فتبدّل أحواله وتغيّرها، قال تعالى في كتابه العزيز: (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، وإذا علم هذا الإنسان أنّ الدّنيا فانية زائلة وكلّها بيد الله فلماذا الهمّ والحزن، ولماذا يجعل من الهمّ الصّغير مصيبةً كبيرة. كلّ شيء في هذه الحياة يُخلَق صغيراً ثم يكبر وينمو، وهذه هي طبيعة الكون، أمّا الهمّ فيولدُ كبيراً ثمّ يصغر شيئاً فشيئاً حتى يزول وينتهي، لأنّ الله تعالى عليمٌ بعباده يُنزِل الصّبر والسّكينة مع المصائب، فلا يأتي عُسر إلّا ومعه يُسر يرافقه، قال تعالى: (إنّ مع العسر يسرا)، فهذه الآية تحمل بشارةً جميلةً أنّ للكرب نهاية مهما طالَ وكبُرَ، وسينبثق النّور من أحشاء الظّلمة، وهذه الآية تبثّ في النّفوس الأمل، وأنّ الفرج يأتي مع الشّدّة والكروب، لأنّ حياة البشر ليست على وتيرة واحدة، بل متعاقبة بين نجاح وانكسار، إقبالٍ وإدبار، ومع ذلك نجد اليّسر مع كلٍ عسرٍ يرافقه ولا يعقبه، وهذا من لطف الله بعباده وبشرى لهم بأنّ العُسر لا يدوم والكرب سيزول، وألطاف الله تعالى تنزل مغلّفة البلاء، وتولد المنحة من رحمِ المحنة، سبحانه وتعالى هو الأعلم بعباده، والأقدر على تحديد مدى صبرهم على الابتلاء والمصائب، وتأكيداً منه سبحانه وتعالى أنّ مع العسر يسراً فقد تكرّرت الآية في القرآن مرّتين متتاليتين (إنّ مع العسر يُسراً، إنّ مع العسر يسراً)، لذا أيّها الإنسان مهما ابتُليت بالمصائب والهموم فلتكن ثقتك بالله كبيرة، ولا تقل يا رب لي همٌّ كبير، ولكن قل يا هَمُّ لي ربّ كبير وسيصغر هذا الهم ويزول بإذن الله، ولن يبقى له أثراً يُذكر.