وها قد خطت سماء المدينة وتشكلت بألوان الألعاب النارية، وتداوت أصوات الأعيرية، وحفت الأزقة بأوراق الزينة، وانتشر البعض خارج منزله، حينها امتلأت الشرفات - عن بكرة أبيها - بذويها ومسافريها، فرحين بقدوم اليوم المنتظر، مهللين آمنين، ضاحكين مستبشرين، يسترسل كل منهم بما يأسر مسامع الآخر، ويثير فضوله، حول ما مر معه في أيام خلت، وكيف قضى الوقت في الاستعداد لهذا اليوم، وفرغ نفسه من دوامة الأعمال والضغوطات.
ينتظر الواحد منا قدوم العيد بفارغ الصبر، يفرغ فيه جعبته وضمائره؛ مما يكدره ويشحنه، يتهيأ لهذا اليوم معداً له "جدول الأعمال" بنحو أسبوع يسبقه، يرتدي أفخم الثياب، متلفحاً بأذكى العطور، تتعالى أبخرة الطعام الشهي من منافذ البنايات، يخرج كل منا الكثير من فائض حاجته؛ فيُطعم الجياع، وتُنزع المهترئة من الثياب، فيُروى الظمآن، ويُداوى السقيم، يتبدل الحال لأحسنه على العباد، فنركن الخلافات، ونتبادل الزيارات، والتنزه في الخلوات، ولا تسمع سوى أصداء الضحكات...
"ينتظر الواحد منا قدوم العيد بفارغ الصبر، يفرغ فيه جعبته وضمائره؛ مما يكدره ويشحنه" بقلم د. سعاد الشامسي @suaad_alshamsi في #مدونات_سيدتي على الرابط https://t.co/UDmmDWRwsV pic.twitter.com/3S8kPhwZUg
— مجلة سيدتي (@sayidatynet) April 27, 2023
يقطع حديث أحدهم صوت رنين الهاتف، لربما من غائب لم يتسنَ له الحضور بعد، أو حتّم عليه تلبية نداء العمل لوضع طارىء، أو حال ازدحام الطرقات أمام مجيئه.. وها هو ساعي البريد يعتلي دراجته، متباهياً بجلسته، يشق الشوارع والعناوين، يبلغ كل متلهف عما يرقب، ينتظر كل منهم خبراً مما تاقت له نفسه، والتهم الشوق أفئدته، لعل بتلك الوريقات ما يخمد نار ولعه، ويربت على قلبه مما آلمه!...
وهناك القلة المندسة الزاعمة؛ بأن العيد لم يحمل سوى الروتينية البحتة!، والملل القاتل، ولم يختلف كثيراً عن غيره من الأيام!. بل ويكاد أحدهم لا يهنأ باله قط، إلا حينما يفشي في كل من يلقاه، أو يحدثه بهذا الكلام الفارغ، من عبث ولغط الأحاديث، وأن لا جدوى من تلك المراسم والاحتفالات، ويأخذ في دس وترويج تمضية الوقت بالنوم تارة، والمكوث محلقين كأشباه "الزومبي" بأسقف الغرفة تارة أخرى، والصمت على كل من قابله بجميل الكلام والمسامرات، ويفتعل اللغط على من قابله بالإحسان..
أتعجب ممن يفرض عليهم عملهم، بالاجتماع وأخذ "اللقطة" المحبكة، بادعاء الفرح، والظهور بأبهى صور التآخي والتكافل، والتعاون المستمر، والروح المتآلفة، واليد الواحدة.. أجزم أنه لا يوجد أي منهم حاضراً رغم أنفه، بل قد ينتظر تلك الرسميات بفارغ الصبر، ويأخذ بالتجول بين الحاضرين والشرفاء، ويفرغ معدته بسبب الحرمان القائم قبيل الحفل على القليل بيوم أو اثنين لتلتهم ما يحلو له، ثم يمضي بالتقاط الصور التذكارية، والتوقيع عليها بأقيم الكلمات التذكارية..
ونرى آخرين من الثرثارين المزايدين على من يهنيء بقدوم العيد ويبشر به، من لم يمنعه ضيق حاله؛ بترك المجال لسرور غيره، من يستشاط غضباً من روعة الألفة، والرحمة المنبعثة من أواصل الغير..
أما الآن، فقد انشغل أحدهم بوضع قوائم جديدة، مصراً على تدارك ما فاته، ولم يسعه الوقت والحال بتنفيذ جميع المخططات فيما سبق، فليت كل يوم عيد؛ ليجمع شمل الأحباب..