يقال إن الأشخاص في "العمر الثالث" الذين تتراوح أعمارهم بين 65 و 85 عامًا هم الأكثر سعادة، وهو ما أثبتته دراسة حديثة قدمت تفسيرًا لما يعرف بـ"مفارقة الرضا"، حيث يلعب الدماغ دورًا كبيرًا في هذا الأمر.
• كبار السن يكونون أكثر سعادة ورضا
وفقًا لموقع صحيفة "فرانكفورتر روند شاو" الألمانية fr.de، فقد نشر توبياس إيش رئيس معهد الرعاية الصحية التكاملية وتعزيز الصحة بجامعة ويتن / هيرديك ورقة بحثية في المجلة المتخصصة "علم الأحياء" " Biologie" تقدم تفسيراً لـ "مفارقة الرضا" حيث أن كبار السن بشكل عام يكونون أكثر سعادة ورضا من الشباب والأشخاص في منتصف العمر.
تناولت الدراسة كيف يمكن أن يكون كبار السن أكثر سعادة من الشباب، على الرغم من أنهم غالبًا ما يعانون من مشاكل صحية ولم يعد بإمكانهم القيام بأشياء كثيرة بالطريقة التي اعتادوا عليها، والذي يتناقض مع الصورة الشائعة لدى الكثيرين عن الشيخوخة.
• ثلاثة حالات للسعادة
أوضحت الدراسة معنى "مفارقة الرضا" والذي يقسم السعادة لثلاث حالات:
حيث تكون الحالة الأولى مجرد لحظة قصيرة وغالبًا ما تكون عابرة وحافلة بالترقب وقد تحتوى على النشوة لتصل للتشويق، بيد أن الحالة الثانية، في المقابل، هي السعادة غير الممتعة التي تأتي عندما تتوقف التعاسة. ويمكن وصف الحالة الثالثة بأنها نعمة أو قناعة، وهي حالة لا يشعر فيها الفرد بالترقب ولا يرغب في الابتعاد عن شيء غير سار، ولكن يكون لديه شعور بأن كل شيء سيكون على ما يرام.
أكدت الدراسة أن النوع الثالث من السعادة ينطبق على كثير من كبار السن، فهم أكثر سعادة من الفئات العمرية الأخرى. وعلى الرغم من بروز التساؤل بكيف يكون هذا ممكنًا في مواجهة الأمراض المتزايدة التي تجعل الكثير من الأشياء أكثر صعوبة، إلا أن النقطة الحاسمة أنه مع تقدم الناس في السن يحررون أنفسهم أكثر فأكثر من هذه الأشياء، ففكرة أن الجسم السليم والمظهر الخارجي تتلاشى عندما يجد الإنسان الفرح الداخلي الحقيقي والرضا.
• لماذا يعتقد الكثيرون أن التقدم في السن يعني المشقة؟
يتحدث توبياس إيش أستاذ الطب فى جامعة فيتن هيرديك في ألمانيا لـfr.de، عن ما يسمى بـ "مفارقة الرضا"، ويوضح أنه على الرغم من الأمراض الجسدية، فإن كبار السن يكونون أكثر سعادة بشكل عام وأكثر شعوراً بالرضى من البالغين في منتصف العمر، يقول: "من المثير للدهشة أن العامل الأكثر أهمية لهذا الأمر هو الشيخوخة نفسها"، لافتًأ أن مفهوم السعادة يتغير على مدار الحياة، ففي الوقت الذي يبحث الشباب فيه عن المتعة والإثارة والصخب، يكون كبار السن سعداء بشكل خاص بحياتهم فهم بعيدون تمامًا عن كل أشكال التوتر ولا تكبلهم الالتزامات الناتجة عن الحياة العملية والمهنية، كتربية الأطفال، ومشاكل العلاقات، وأهمية تحقيق مستوى اجتماعي مميز مثلًا، يوضح توبياس إيش: "مع تقدمك في السن، تحرر نفسك من فكرة أن تكون بصحة جيدة من جميع النواحي، طالما أن لا شيء يهدد حياتك". فالشخص الأكبر سنًا لا يشعر عادة بالحاجة إلى إظهار للعالم كله أنه يعمل بشكل جيد، ومن ثمّ فكليشيهات الشخص العجوز الوحيد الذي يشعر بالمرارة ليست صحيحة.
بحسب الدراسة تُظهر البيانات أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30و 40 عامًا هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بمقدار الضعف مقارنة بالأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و 70 عامًا. ووفقًا لهذه النتائج فإن التقييم الذاتي له علاقة كبيرة بحقيقة أن ما يُنظر إليه على أنه سعادة يتغير على مدار الحياة.
• السعادة تغير "لونها" على مدى الحياة
بحسب الدراسة فالسعادة تغير "لونها" على مدى الحياة. بالنسبة للمراهقين والشباب، تتميز السعادة بالترقب والرغبة والنشوة. في المرحلة المتوسطة من الحياة، غالبًا ما تكون هناك ضغوط بسبب النزاعات في العمل والأسرة، والتوتر والمطالب المفرطة، بما في ذلك الإرهاق، والمشاكل المالية والأمراض الخطيرة الأولى. إذا اختفت هذه الأعباء مؤقتًا، يُنظر إلى هذه الراحة على أنها سعادة. من ناحية أخرى، السعادة في الشيخوخة هي الشعور بأنك في المكان المناسب في الوقت المناسب، وأن تكون في سلام مع نفسك. على مدار العمر، تسير هذه الحركة من الترقب إلى تجنب الإجهاد إلى الوصول مثل منحنى حرف U.
رصد العلماء خلال الدراسة وجود مناطق مختلفة في الدماغ ومواد كيميائية مراسلة مختلفة مسؤولة عن الحالات الثلاث للسعادة وأن هذه المواد تنشأ كيميائيًا حيويًا بعيدًا عن بعضها البعض ،بالنهاية خلصت الدراسة إلى أنّ السعادة والرضا ليسا بناءًا معرفيًا، وليس شيئًا خاضعًا للتقييم العقلاني، بل هما شعور يعتمد على النشاط الفسيولوجي لأنظمة المكافأة والتحفيز في الدماغ.
وإذا كان كبار السن بالدراسة الألمانية أكثر سعادة ورضا، فهذه دراسة أمريكية أخرى عن كبار السن تؤكد أنهم أكثر كرماً من الشباب والمشاعر بعالمنا العربي أكثر دفئاً