يرى البعض أن البنت الوحيدة في الأسرة قد تكون محظوظة بشكل كبير، كونها ستكون موضع اهتمام جمع أفراد أسرتها، وتحظى بمعاملة خاصة تسعدها.. فكيف تكون مكانتها في الأسرة؟ وكيف يتعامل الوالدان معها؟ هل هناك إفراط في الحب والدلال؟، وهل تشكل تلك الوحدة ضغوطاً نفسية واجتماعية عليها؟ هذا ما سنطلع عليه في التحقيق الآتي.
الرياض | أمامة إبراهيم Omama Ibrahim - جدة | ولاء حداد Walaa Haddad
الشرقية | سمية الخير Somia Alkhair - المنامة | عواطف الثنيان Awatif Althunaya
بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine - القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab
تونس | مُنية كوّاش Monia Kaouach
صداقة مع الوالدة
مها قروان: وجود أخت لي وفي عمر قريب من عمري كان سيعزز مهاراتي الاجتماعية
تحدثت مها قروان، من الرياض، عن مشاعرها ومكاسبها كونها الابنة الوحيدة قائلة: «كوني الابنة الوحيدة والبكر أسهم في تكوين علاقة صداقة مع الوالدة - حفظها الله- ونتشارك معظم الاهتمامات، وأعتقد أنّ الصعوبات كانت مقتصرة في مرحلة المراهقة وقت صقل الشخصية، فوجود أخت لي وفي عمر قريب من عمري كان سيعزز المهارات الاجتماعية ومهارات التواصل لدي؛ حيث كنت أشعر بوجود حاجز بيني وبين زميلاتي في المدرسة، وكان من الصعب علي تكوين صداقات، لكن سرعان ما اختفت هذه الصعوبات بمجرد دخولي إلى الجامعة، فقد بدأت التعويض عن عدم وجود هذه الأخت من خلال تكوين صداقات مع فتيات يشاركنني الاهتمامات نفسها، إضافة إلى تغير علاقتي مع أمي من تربية إلى صداقة. أما عن كوني أسكن في منزل مع شقيقين فكنت أحظى بالكثير من الدلال من جميع أهلي».
فيما وصفت والدتها المصممة فاطمة بالحداد علاقتها بابنتها قائلة: «هي علاقة صداقة أكثر من كونها علاقة أم بابنتها، فالبنت البكر تتربى على أنّ الأم هي القدوة لها. تشبهها في طباعها وعندما تصل إلى مرحلة الشباب تتشارك مع والدتها ذات الاهتمامات، بل قد تكون أعز وأقرب صديقة».
مميزة أكثر في التعامل
رشا يغمور: اهتمام عائلتي جعلني شخصية واثقة من نفسها وإيجابية
تعدّ رشا يغمور، أخصائية مختبر، من السعودية، أن البنت الوحيدة تمتلك ميزة جميلة، وهي دلال والديها، وتقول: «أنا وحيدة بين ثلاثة شبان، كما أنني البنت الكبرى؛ الأمر الذي جعلني مميزة أكثر في التعامل من قبل والدي ووالدتي رحمها الله، بل أن أخوتي لا يرون أن هذا الدلال والاهتمام مبالغ فيه، فهم لهم دور في ذلك، والأجمل أن هذا الاهتمام من قبل عائلتي جعلني شخصية واثقة من نفسها، وإيجابية ومحبة لعمل الخير والعطاء بشكل عام، وبشكل خاص أصبحت أنا مهتمة بإخوتي أكثر، ورفيقة والدي بعد وفاة أمي، وهذا نتيجة اهتمام عائلتي بي عندما كنت صغيرة، وأنوه أن الدلال والاهتمام والحب لم يكن بإفراط، لذلك كان مفيدًا لنا جميعاً بوصفنا أسرة». وتضيف: من جانب آخر، قد أفتقد وجود أخت لي، خاصة بعد فقدان أمي، وقد أتساءل دوماً: كيف يمكن أن تكون علاقة الأخوات ببعضهن، وما طبيعة تلك المشاعر؟ ولكن، الحمد لله، لدي صديقات هن بمنزلة أخوات، ومؤمنة أن الله عوضني بهم.
يمكنك الاطلاع على نصائح عند اختيار الأصدقاء.. لا بد من مراعاتها
حب البنات
ترى فرح قاسم كنعان، طالبة جامعية من المنطقة الشرقية، أن كونها البنت الوحيدة بين أربعة إخوة وأصغرهم سِنّاً جعلهم يمنحونها الكثير من الاهتمام والدلال، خاصةً أنّ والدها كان يرغب كثيراً في أن تكون له بنت مِن بداية زواجه.
توضح: «لقد ولدتني أمي بعد أن فقدت الأمل في مجيء فتاة، وهذا الأمر هو مصدر الحب الكبير والاهتمام الزائد والدلال مِن كل أفراد العائلة، لكن باتّزان، مع الحفاظ على القِيَم الاجتماعية والحدود الدينية؛ يعني فعلاً دلالاً زائداً، ولكنه ممزوج بالعقلانية».
مكاشفة بلا خوف
وعن كيفية تعامل والدتها معها، أوضحت فرح: «الحمد لله، لقد احتوتني والدتي وكذلك إخوتي بعواطفهم، ولم أشعر بأني بحاجة إلى أخت أو حتى كوني وحيدة، فكانت أمي رفيقتي وأختي وثقتها فيّ جعلتني في حالة من الراحة، لدرجة أنني أخبرها بكافة أسراري من دون خوف».
تربية متوازنة
مريم حسين: تربيت على مبدأ القناعة وسعادتي هي البر بوالدي
من جهتها، قالت مريم حسين، مهندسة معمارية بحرينية: «بصفتي ابنة وحيدة حظيت باهتمام كبير من والدَيّ منذ طفولتي من جميع جوانب الحياة، فقد اهتمت أمي بشدة بالجانب التعليمي؛ إذ كانت حريصة جداً على متابعة مراحل تعليمي خطوة بخطوة، وكذلك تعاليم ديننا الحنيف، بينما أهتم أبي أكثر في الجانب الترفيهي من دون مبالغة، في محاولة من الطرفين لموازنة حياتي؛ إذ كانا حريصين على تربيتي على مبدأ القناعة».
تدخل عقلاني
أضافت: «للأمانة كنت أشعر بالضيق في بعض الأحيان في حياتي بشكل عام من خوف أمي المبالغ فيه؛ حيث إنها كانت لا تسمح لي بأمور عديدة بسبب حرصها الكبير عليّ، ولكن في الوقت ذاته أتذكر جيداً تدخلات أبي بشكل عقلاني؛ حيث كان يرى أنه لا بد أن استقل قليلاً حتى أشعر بالمسؤولية».
وبالنسبة إلى الـتأثير النفسي وانعكاسه على شخصيتها، بينت مريم: «لا أنكر أن الخوف المبالغ أثر في حياتي حتى الآن، عند اتخاذ أي قرار مستقل، فأخشى ألا يكون صائباً، وأحرص على مبدأ الكمال؛ كي أظهر أمامها بصورة أنني مسؤولة عن قراراتي».
إقرئي المزيد عن في يوم الصداقة.. أبرز الصداقات بين نجوم الفن حول العالم
التصالح مع النفس
سلام مصري: البنت الوحيدة نقطة ضعف والدها
تمتاز البنت الوحيدة بعدد من الإيجابيات، وخاصة الحصول على الدلال والحب، والشعور بكمية أكبر من الأمان، كما أنها نقطة ضعف والدها إلى حدّ كبير، كما تقول سلام مصري، اختصاصية تجميل لبنانية. وتضيف: «من خلال تجربتي، مكانتي في العائلة مختلفة تماماً؛ لأنني أمثّل الحنان، والعاطفة، وكل المشاعر الحساسة التي أقدّمها لعائلتي، خاصة أن الشاب لا يفصح عن مشاعره في المجتمعات العربية، ويبقيها في داخله بسبب العادات والتقاليد السائدة والمعروفة».
تتابع: «لا أخفي سراً إذا قلت إن البنت الوحيدة تضفي أجواءً مميزة داخل المنزل وبين أفراد العائلة، فهي حنون أكثر على أهلها، مع أنها قد تعمل لساعات طويلة خارج المنزل. كما أن علاقتها بوالدتها مبنية على الثقة، وفيها تكون الأم أول شخص تلجأ إليه الابنة عندما تستجد عليها فكرة أو تواجه مشكلة..
وتوضح «أن البنت تتعامل مع والدتها كأنها صديقتها المقرّبة منها كثيراً؛ إذ تتبادلان الأسرار والأفكار، وتقومان بالمشاوير مع بعضهما، مع العلم أن الوالدة قد تكون نوعاً ما قاسية معها بسبب خوفها عليها، ولكن هذا لا يمنع أن تكون علاقتهما مميّزة».
وتستطرد بالقول: «في الحقيقة، أنا أعاني من الإفراط في الحب والدلال، وهذا لا أستطيع إخفاءه، ولكنني في الوقت نفسه تحملت مسؤولية، وكوّنت شخصية مستقلة وقوية، وعندي طموحات كبيرة أسعى إلى تحقيقها في مجال العلم والعمل، وأنا متصالحة جداً مع نفسي ومحيطي وعائلتي، وعندي صديقات كثيرات أعدهن بمنزلة شقيقاتي».
المكانة تختلف من ثقافة إلى أخرى
شاركتنا نوران مصطفى، طالبة مصرية بكلية رياض الأطفال، رأيها في الحديث عن مكانة البنت الوحيدة في الأسرة، قائلة: «مكانة البنت الوحيدة في الأسرة تختلف من ثقافة إلى أخرى، ومن أسرة إلى أخرى. في بعض الثقافات، قد تُعدّ البنت الوحيدة محظوظة ومميزة، بينما في ثقافات أخرى قد يكون لديها تحديات خاصة. لكن في العموم، هناك عناصر عامة تميز مكانة البنت الوحيدة في الأسرة، مثل: تتلقى البنت الوحيدة مستوى عالياً من التربية والاهتمام من قبل والديها؛ نظراً إلى كونها مركز اهتمامهما الوحيد، وتتلقى مزيداً من الدعم والرعاية الاجتماعية من قبل أفراد الأسرة الموسعة، وتتمتع بمجموعة واسعة من العلاقات الاجتماعية».
من جانب آخر، تعاني البنت الوحيدة من الشعور بالوحدة والعزلة في بعض الأحيان، بحسب نوران؛ إذ يمكن أن تجد صعوبة في العثور على نظيرات لها في الأسرة المباشرة.
وعن تعامل الأم والأب معها، ترى علاقتهما بابنتهما الوحيدة مسألة شخصية وفريدة من نوعها، موضحة: «بالنسبة إلي، فأنا من أسرة صعيدية، ولدي أخوان، لذلك كان تعامل والدي معي مثل تعاملهما مع الأخوين، فلا يوجد إفراط في الدلال، بل إن التعامل القوي في بعض الأوقات هو السمة التي كانت متبعة؛ لأننا تحكمنا التقاليد الصعيدية الصارمة المبنية على الاحترام والتبجيل للكبار وعدم الدلال في المعاملة».
وتضيف: «أما عن معاناتي بصفتي ابنة وحيدة في الأسرة، فتتمثل في الشعور بالوحدة الاجتماعية؛ إذ أجد صعوبة في العثور على أشخاص من العمر نفسه، والتفاعل معهم بالطريقة التي يفعلها المرء مع الأشقاء».
تكره الوحدة
رحمة الدّويري: عدلت عن إتمام دراستي في فرنسا بسبب عدم قدرتي على العيش بعيدة عن أمّي
تروي رحمة الدّويري (طالبة تونسية سنة ثانية دراسات عليا تجارة) تجربتها بصفتها بنتاً وحيدة قائلة: «شاء القدر أن أكون البنت الوحيدة لوالديّ حيث أنجباني بعد انتظار طال سنوات عديدة، ماجعلهما يتعلّقان بي جدّاً، وأغدقا عليّ حنانهما ورعايتهما، ووفّرا لي حياة جميلة وفق إمكاناتهما، ولم أفكّر أبداً أن أطلب منهما طلباً ليس في استطاعهما. كما حظيت باهتمام من العائلة الموسّعة وأحبّتني الجدّة والخالة والعمّة وحفّزني حبّهم لي وشجّعني أن أجتهد في دراستي لأنجح وأتميّز».
وعن علاقتها بوالدتها توضح رحمة: «لا أنكر أنّي قريبة جدّاً من أمّي، فهي أصدق إنسان قادر على مساعدتي ومساندتي، ولا أتردّد أبداً في استشارتها ومساررتها، ولا أتّخذ قراراً يغضبها، وهي لم تحدّ من حرّيتي ولم تكن تمنعني من الخروج مع صديقاتي واحترمت خصوصياتي وذوقي، ولم تكن تفرض عليّ نمط عيش مختلفاً عن نمط عيش صديقاتي، فخضت تجارب وواجهت صعوبات وأخطأت كما أصبت وتعلّمت».
تتابع رحمة أنّها ليست منغلقة على نفسها، فعدم وجود إخوة في حياتها، جعلها تبحث من دون انقطاع عن الرّفقة فنجحت في ربط علاقات صداقة عديدة ومتينة، وأصبحت تتصرّف بنضج وتعقّل. مضيفة، بأنّها تكره الوحدة وتخشى العيش بعيداً عن الأصدقاء والعائلة حتّى أنّها سافرت السّنة الماضية للدّراسة في جامعة فرنسيّة لكنها عادت بسرعة إذ غلبها شوقها إلى والديها وأزعجها خوفها عليهما، فلم ينقطع تفكيرها فيهما ما أثّر في تركيزها فقرّرت العودة إلى تونس لتدرس في جامعة تونسيّة.
يمكنك الاطلاع أيضاً على الصداقة.. رابطة تحقق رفاه الإنسان