موجة تسونامي الذكاء الاصطناعي، بدأت تجتاح العالم معلنة عن عصر جيد مختلف، لكنه مليء بالمحاذير والتخوفات، التي تتمحور حول انحسار الدور البشري من المشهد العملي في أغلب قطاعات الحياة. وبمناسبة اقتراب العودة إلى الجامعات، كيف ينظر طلاب الجامعات إلى الذكاء الاصطناعي؟ وهل يتخوفون منه أم على العكس؟ وإلى أي حدّ يمكن أن يعتمدوا عليه في دراستهم الجامعية وأبحاثهم الأكاديمية؟ وهل هذا الاعتماد سيؤثر على مستوى الطلاب المعرفي؟
الشرقية | عواطف الثنيان Awatif althunayan
بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine
تُونس | مُنية كوّاش Monia Kaouach
الرباط | سميرة مغداد Samira Maghdad
يخدم احتياجات البشرية
العنود الهديهد: هناك تخوف من ارتفاع البطالة وقلة الأيدي العاملة ما سيؤدي إلى حدوث مشاكل إنسانية
ترى العنود محمد الهديهد (22 عاماً، طالبة في جامعة اليمامة، الرياض، تخصص هندسة صناعية) أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي بوابة المستقبل، يمكن أن يخدم احتياجات البشرية بشكل كبير وبالطبع سيسهم برفع جودة المجتمع والمعيشة بشكل أفضل.
منوهة بأنه سيكون هناك تخوف وعزت ذلك قائلة: «بوجوده سوف تكثر البطالة وتقل الأيدي العاملة، ما سيؤدي إلى حدوث مشاكل إنسانية ومهنية وأيضا سيكون هناك فئة لا تتخوف من الذكاء الاصطناعي وهم أرباب العمل، لأنه سوف يسهل العمل ويتقنه بجودة أفضل من الإنسان ويوفر الوقت والجهد والمال».
وأفادت العنود بأن الطلبة بالتأكيد سوف سيعتمدون برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، في دراستهم الجامعية بشكل كبير، بكون الذكاء الاصطناعي تقنية تحاكي الذكاء البشري لذلك سيستعينون بها وحالياً(كتابة المقالات والأبحاث وتصميم الفيديوهات.. وغيرها..) ستكون بشكل احترافي ومنظم وسيسهل المهام عليهم.
وبالنسبة إن كان اعتماد الطلبة على الذكاء الاصطناعي سيؤثر على مستوى الطلاب المعرفي؟ أجابت العنود بأنه لا يجب الاعتماد على الذكاء الاصطناعي إلى درجة أن يؤثر على مستوى الإنتاج إذ ستظهر معه مشاكل ومعوقات سلبية على البشرية لكونه يتضمن جوانب ضارة فلديه القدرة على تدمير البشرية والتأثير على منظومة القيم والأخلاق في المجتمع.
يُمكّن الطالب من تطوير مهاراته
نجوى موسى: الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من التجربة التعلّمية
من جانبها، تقول نجوى موسى (22 عاماً - طالبة لبنانية تدرس الترجمة): «إن الإنسان بطبعه ميّال للاكتشاف والتقدّم والتطوّر، ومع مرور الزمن، صبّ جمَّ قدراته على الإكتشافات والتجارب العلمية التي تسهم في تسهيل سبل عيشه مبتعداً عن السحر والتنبؤ والخيال. ومن أبرز اختراعات العقل البشري هو ما يعرف اليوم بـ «الذكاء الاصطناعي» الذي بات عنصراً أساسياً في الحياة العملية والعلمية. يُعرَّف الذكاء الاصطناعي على أنه خاصية من خصائص الحاسوب تهدف إلى محاكاة الذكاء البشري وأنماط عمله، ويُعرَف بإمكانيته على التعلّم والاستنتاج والاستدلال واتخاذ القرارات وردّ الفعل على ما لم يبرمج عليه».
تتابع نجوى: «مع حلول نهاية فصل الصيف، واقتراب العام الجامعي، يتهيّأ الطلاب لخوض تجربة جديدة بعض الشيء، إذ سيشكل الذكاء الاصطناعي أو الذكاء الصنعي، جزءًا لا يتجزأ من التجربة التعلمية التي سيخوضها الطلاب هذا العام. ما أدى الى الانقسام في آرائهم ما بين متحمّس ومؤيّد لاستخدام هذه الميزة الجديدة واكتشاف مكنوناتها التي باعتقادهم ستسهّل حياتهم الجامعية وتجعلها أكثر مرونة وإفادة، وإلى متخوّف منها ومعارض لها».
وتوضح وجهة نظرها قائلة: «تتعدّد استخدامات الذكاء الاصطناعي، إذ سيلعب دوراً جوهرياً في تسريع الأبحاث الأكاديمية، وجعلها أكثر دقةً ووضوحاً، ففي الوقت الذي كان يستغرق القيام بها بضعة أسابيع، وعشرات المراجع والكتب والمباحث، أصبح بإمكان الطالب الولوج إلى المعلومات بنقرة زر من خلال استخدامه لمحرّكات البحث التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، والتي تعرّض للباحث كل ما هو متعلّق ببحثه من مصادر ولغات وأزمنة مختلفة».
تتابع: «إضافة إلى ما ذكر سابقاً، يُمكّن الذكاء الاصطناعي الطالب من تطوير مهاراته واكتشاف نقاط ضعفه التعلمية. فعبر برامجه المختلفة وميزاته المتعدّدة، سهّل على الطالب عملية التعلّم الذاتي، واكتساب المهارات الجديدة المتعلّقة باختصاصه. ففي حال كان الطالب يعاني من نقص في معلوماته المكتسبة في إحدى مواده الجامعية فإن الذكاء الاصطناعي هو الحل من خلال توفيره للشروحات والتمارين بمختلف الطرق والمستويات».
على الرغم من فوائد الذكاء الاصطناعي المتعدّدة، فهو سيف ذو حدين، من وجهة نظرها، تعلق قائلة: «إذا كان الطالب واعياً ومدركاً لكيفية استخدامه، أي أنه يعدّه كمصدر إضافيٍ للمعلومات، فإن الطالب سيزيد من مستواه المعرفي ومعلوماته المكتسبة بشكل ملحوظ. أما إذا كان المتعلّم سيعتمد عليه لإنجاز واجباته وأبحاثه بشكل تام، عندها سيعاني من تراجع حادّ في مستواه المعرفي».
وتختم نجوى حديثها مشيرة الى أنه «مما لا ريب فيه، للذكاء الاصطناعي أهمية بارزة في شتى مجالات الحياة لا سيما العلمية منها، وله دور فعّال في تجاوز العقبات العلمية والمعرفية، إلا أنه لن يتخطى الذكاء البشري الذي كان المؤسّس الأول لهذا الذكاء».
إقرئي المزيد عن سوق العمل المستقبلي هل ستواكبه التخصصات الجامعية؟
طريقة الاستخدام تحدّد تأثيره
تؤكّد شيماء بحيبح، (22عاما، طالبة في الكيمياء وعلوم الأحياء وعضوة في الجمعيّة التونسيّة لعلوم الفلك بكلّية العلوم بتونس) أنّها تعتمد في المقام الأوّل على محرّكات البحث التّقليديّة لأنّها خبرتها واستخدمتها طيلة مسيرتها الدّراسيّة فساعدتها على بلوغ تحصيل معرفيّ وتعليميّ مرموق لذلك تستخدم أدوات الذّكاء الاصطناعي بصفة مكمّلة قائلة: «التجأت إلى تطبيقات «شات جي- بي- تي» أمام ضغوطات توقيت مواعيد تسليم الفروض والواجبات الدّراسيّة لما تمتاز به هذه الأدوات من سرعة فائقة عند توفير المعلومات والبيانات ومن قدرة هائلة على التنقّل من محرّك بحث إلى آخر، لكنّي قرّرت اعتمادها بتحفّظ وحذر لما لاحظته على الأساتذة من عدم ارتياح لطرق استخدام الطّلبة لهذه التّطبيقات ولاقتصار أغلبهم على عمليّات النّسخ واللّصق والنّقل الحرفيّ للمعلومات والبيانات» .
وعن مدى اعتمادها للذّكاء الاصطناعي في دراستها الجامعيّة توضّح شيماء أنّها لا تستخدم تطبيقات الذّكاء الاصطناعي بصفة آليّة ولا تقبل معلوماته بصفة مسلّمة، بل تناقشه وتطرح عليه السؤال ثمّ تعيد طرحه بطرق مختلفة فتدفعه لمدّها بأجوبة ونماذج متنوّعة ودقيقة، تخضعها لاحقا إلى مهاراتها البشريّة فتحلّلها وتقيّمها وتقارنها فيما بينها لتتأكّد من تطابقها مع سياق موضوعها وليتسنّى لها فهمها ثمّ تضفي عليها بصمتها الشّخصيّة وتحرّرها بأسلوبها الخاصّ لترسخ في ذهنها ولا تتبخّر.
وفيما يتعلّق بتأثير اعتماد الذّكاء الاصطناعي على مستواها المعرفي ترى شيماء أنّ طريقة استخدام الطّالب لأدوات الذّكاء الاصطناعي هي التي تحدّد تأثيره على مردوده بالسّلب أم بالإيجاب، مستطردة: «لذلك أحرص على توخّى الدقّة عند اعتمادي لهذه الأدوات لأحصل في المقابل على معلومات غير مغلوطة». مضيفة: «لا أفرط أيضا في استخدام هذه التّطبيقات حتّى لا أتعوّد عليها وتغريني سهولتها وجاهزيّة بياناتها ونماذجها فتجرّني إلى عدم إعمال العقل وإلى خمول وكسل ذهنيّ، يعرقل تطوّري المعرفي ويجعلني عاجزة على الإضافة وعلى الإبداع».
مرحلة في تطور البشرية
شيماء حيزون طالبة علم نفس مغربية، في جامعة بريست بفرنسا، تقول: «لا أستطيع بعد الجزم بمدى إيجابية الذكاء الاصطناعي أو سلبياته على الطلبة والدراسة. فما من شك أنه يشكل ثورة حقيقية اليوم، ويمكن أن يعوض او يختصر عددا من المهن مستقبلا كما تحلل بعض الدراسات والتوقعات، بما فيها المجال الذي أدرسه. جربت التعامل قليلا مع الذكاء الاصطناعي، لكنني وجدت أن المعلومات التي يوفرها للطالب بسيطة ليست بعمق البحث الذي يمكن أن يبذله ذهن الطالب. على العموم لكل شيء سلبيات وايجابيات، وقد يساعد الذكاء الاصطناعي في تسهيل حياة الطلاب وتقديم معلومات سريعة، وحل إشكالات معينة، لكنه في تقديري لن يمنحك العمق والتواصل المطلوب. قد يمنحك بعض الرفاهية ربما بتقديم المعلومة الجاهزة، لكنني أومن بالتعب والجهد الذهني أكثر، الذي يفسح المجال للفكر والإبداع. لا بديل للعقل البشري ولأحاسيس الإنسان. شخصيا اومن بقدرات الانسان والتواصل الإنساني الذي لن يعوضه شيء. وبالرغم من مظاهر المكننة والسرعة، فلن نلغي ابدا آدميتنا التي قد نسعى إلى إلغائها لنصبح مجتمعا مستهلكا. في نظري الذكاء الاصطناعي مرحلة في تطور البشرية، وقد يفيد الطلبة غير أنه يبقى محدودا أمام قدرات الانسان الذي في النهاية هو المحور وهو من صنع الكمبيوتر والأنظمة الإلكترونية، وهو من قادنا إلى هذا الذكاء الاصطناعي وليس العكس. خوفي أن نصبح كسالى غير منتجين ونترك الأمر للآلات تسيرنا ونغدو مجرد مخذولين. أتمنى أن يسهم الذكاء الاصطناعي في انقاذ الجوعى والمرضى ويعزز قيم الانسان ومبادئه وابداعاته التي تصنع التاريخ والحضارة، وإذا كان الأمر ذكيا، فمن الذكاء أن نصنع السعادة والرفاهية ومجتمعات راقية خالية من الحرب والدمار يسودها الحب والسلام».
يمكنك الاطلاع أيضاً على «شات جي بي تي».. تقنية ثورية .. ملأت الدنيا وشغلت الناس