في يونيو الماضي مر 18 عاماً على رحيل عبد الله محمود، ذلك النجم الذهبي الذي امتلك وجهاً مصرياً يحمل ملامح تعبر عن فنان يمتلك كاريزما من نوع خاص جداً، فقد استطاع عبد الله محمود أن يعبر بعينيه اللامعتين عن نضج وحرفية فنان في الأداء. ترى في عينيه عبقريته كفنان يستطيع أن يقنعك بكل دور يؤديه لأنه كان يمتلك الصدق إلى جانب دراسة الشخصية التي يؤديها جيداً. أثبت نجوميته أمام عادل إمام وأحمد زكي وعزت العلايلي، وعمر الشريف، ومحمود مرسي وغيرهم. حضوره إلى الآن مستمر، فما زال حبه يسري في قلوب الجماهير.
التقت "سيدتي" الكاتبة والسيناريست حنان البمبي رفيقة عمره وزوجته التي عاصرت بداياته ونجاحاته ونجوميته ورحلة مرضه حتى الرحيل وتحدثت عن حب العمر وحكاية عبدالله مع الفن الذي عشقه وأحبه وأعطاه الكثير، حكايات الحاضر الغائب.. سألناها:
كيف كانت بداية تعارفك على شريك حياتك عبد الله محمود؟
كنا زملاء في معهد الفنون المسرحية وكنت أشاهد أعماله وأعرف شكله جيداً من خلال مشاهدتي لمسلسل "أبواب المدينة الدائرة المغلقة"، وفيلم "حدوتة مصرية". لكني لم أكن أعرف اسمه، كنا نتبادل نظرات الإعجاب، وكنت أشعر بأنه محاط بطاقة وهالة من النور حتى نشأ الحب بيننا والذي مازال داخل قلبي حتى الآن. فعلاقة الحب التي جمعت بيننا لم تنته برحيله منذ 18 عاماً، بل زادت وتطورت وأعيش معها حتى الآن. علاقة الحب التي جمعت بيني وبين عبد الله مليئة بالاحترام والتفاهم، فهو أخي وأبي وزوجي وصديقي وحبيبي وهو أيضاً الأمان والسند الذي أعيش به حتى الآن.
أصبحت مديرة أعمال عبدالله بعد زواجنا
لم تمارسي مهنتك ككاتبة وسينارست بعد زواجك من عبد الله محمود، وأصبحتِ مديرة أعماله، هل هذا كان اختيارك؟.
بعد زواجنا ترك عبد الله المعهد ولم يكمل دراسته فيه فقد كان حاصلاً على بكالوريوس زراعة قبل المعهد ولم يستطع أن يوازن بين الدراسة والعمل لأن الأعمال التليفزيونية والسينمائية التي عرضت عليه في ذلك الوقت كانت كثيرة، ولم يكن لديه الوقت للدراسة وخاصة أن المعهد به مواد عملي تحتاج حضوراً وتفرغاً، وقد طلب عبد الله مني بعدما رزقنا بابننا الأكبر أحمد أن أتفرغ له وللبيت والأولاد، وقبلت وأنا سعيدة لأن نجاح عبد الله هو نجاحي. ونجاحه بعد ذلك هو الطريق المضيء لأولاده وهو قدوتهم. شعرت أنني أحقق ذاتي من خلال وقوفي بجانبه في مرحلة كان يحقق فيها نجاحات وإثبات مكانة له كنجم تليفزيوني وسينمائي.
هل كنت تقرئين أعماله وتبدين رأيك فيها؟
كان مقتنعاً ومؤمناً بآرائي جداً، لأنني دارسة سيناريو. فقد كنت حريصة على أن أقرأ أعماله قبل أن يقرأها بناء على طلبه وقراره في النهاية هو الغالب في قبول العمل أم لا.
هذه الأعمال كانت نقطة تحول في حياة عبدالله الفنية
ما هي الأعمال التي قرأتها وشعرت أنها ستكون نقطة التحول في حياة عبد الله محمود كفنان ونجم؟
فيلم "المواطن مصري"، "الطريق إلى إيلات"، "الطوق والأسورة"، "عرق البلح"، "طالع النخل"، مسلسل "عصفور النار" كل هذه الأعمال كنت أتوقع نجاحها وأنا أقرأها، وشعرت أنها ستكون نقطة تحول كبيرة في حياته الفنية.
سينما يوسف شاهين في حياة عبدالله محمود
لو تحدثنا عن تأثير يوسف شاهين في تكوين شخصية عبدالله محمود الفنية في بداياته ماذا تقولين؟.
تعرف عبد الله على المخرج الكبير يوسف شاهين من خلال صديق عمره الفنان محسن محيي الدين، فقد طلب يوسف شاهين من محسن أن يختار له اثنين من أصدقائه يشاركانه بطولة فيلم "اسكندرية ليه"، وأفلام أخرى من إخراج شاهين فاختار له عبد الله محمود وأحمد سلامة.
ثم قدم بعد ذلك عبد الله مع المخرج يوسف شاهين "وداعا بونابرت" ثم فيلم "المصير" إلى جانب أعمال ليست من إخراج شاهين ولكنها من إنتاج شركة يوسف شاهين "الشركة العالمية". وصادف أن تنتج هذه الشركة فيلم "هي فوضى" والذي ظهر فيه ابني الأكبر الفنان أحمد عبد الله محمود. ثم أنتج جابي خوري له أيضاً فيلم "حرامي الجسد" بطولة مطلقة.
ماذا تعلم زوجك من يوسف شاهين؟
كان يوسف شاهين بالنسبة لعبد الله مؤسسة متكاملة حيث تعلم منه أن يملأ وقته بالقراءة، وكان عبد الله قارئاً جيداً جداً. علمه أيضاً يوسف شاهين ضرورة أن يستمع للموسيقى ويتدرب على أكثر من آلة من الآلات. وأن يتدرب على الرقص الإيقاعي وقد نفذ عبد الله كل نصائح يوسف شاهين مما أفادته كممثل ونجم بشكل كبير طوال حياته ويصل عبد الله إلى قمة نضجه السينمائي مع شاهين في فيلم "المصير" في دور الإرهابي حيث قدمه بعبقرية ونال إعجاب الجمهور.
دور مصري في فيلم "المواطن مصري" علامة أخرى في تاريخ عبد الله محمود في سينما صلاح أبو سيف حدثينا عن هذا الفيلم وذكرياتك عنه؟
كان يشعر عبد الله بالقلق في وقت الإعداد لهذا الفيلم قصة يوسف القعيد وسيناريو محسن زايد لكنه كان سعيداً جداً لأنه سيقف أمام عمر الشريف وعزت العلايلي، لأن المشاهد التي تجمع بينه وبين الكبار دائماً في أي فيلم يعتبرها تحدياً بالنسبة له. فقد كان عبد الله يأخذ إحساسه بالمشهد والحوار من عبقرية أداء الفنان الذي أمامه، فبالتالي يتحول المشهد إلى مباراة في التمثيل. أتذكر أنه أثناء تحضيره لمشهد موت مصري وتعرف والده عليه والذي قام بدوره الفنان عزت العلايلي طلب مني أن أعود إلى المنزل بعد علمه بحضوري للاستوديو أنا وأحمد حتى لا نشاهده في هذا المشهد بمكياج الموتى الذي كان قد وضعه لأداء المشهد. أما ذكرياتي عن أصعب المشاهد التي جمعته بالفنان العالمي عمر الشريف أتذكر مشهد مواجهة بينه وبين العمدة والذي كان يقوم بدوره الفنان عمر الشريف عندما ذهب مصري للعمدة يعاتبه بأنه لم يعطِ الأرض لوالده نظير دخوله الجيش بدلاً من ابنه. فقد حيرته نظرة عين عمر الشريف التي اختلط فيها شعوره بإحساس الأب بداخله وما بين القوة والجحود والشر، لكن عبد الله أخذ إحساسه من النظرتين فكان المشهد تحدياً بين مصري والعمدة. فقد أعطى عمر الشريف لعبد الله إحساس المشهد لدرجة أن الدموع كانت حبيسة داخل عين عبد الله والتي تدل على إحساس مصري بالظلم والقهر فكان المشهد مباراة في التمثيل بين الأستاذ والتلميذ.
عبدالله محمود أكثر أبناء جيله موهبة
لماذا قال عنه كثير من النقاد إنه أكثر أبناء جيله موهبة؟
لأنه قدم أدواراً متنوعة ومختلفة تعتمد على إمكانياته العالية ونضجه كممثل إلى جانب صدقه ودراسته جيداً لكل شخصية قدمها فبالتالي صدقه الجمهور والنقاد. إلى جانب أن هناك 4 أفلاماً لعبدالله ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية حسب تقييم النقاد وهي إسكندرية ليه، حدوتة مصرية، سواق الأتوبيس، الطوق والأسورة.
رسالة أحمد زكي لعبدالله أثناء مرضهما في نفس الوقت
كيف كانت علاقة عبدالله محمود بأحمد زكي ؟
كانت علاقة صداقة وطيدة. فقد بدأت علاقتهما عندما عملا معاً في فيلم "الاحتياط واجب" وبعد ذلك فيلم "الإمبراطور" وأتذكر أحمد زكي عندما طلب من عبد الله أن يقيم معه في منزله حوالي أسبوع قبل تصوير فيلم "الإمبراطور" حتى يتعايشا مع دورهما كأخوات في الفيلم، لكي يصدقهما الجمهور وبالفعل قضى عبد الله أسبوعاً مع أحمد زكي في منزله وقدما معاً أجمل علاقة أخوة على شاشة السينما. علاقة الأخ الذي يخاف على أخيه أن يصل لنفس المصير الذي وصل إليه فصدقهما الجمهور بشكل كبير.
الفنان أحمد زكي كان يعتبر عبد الله ابنه ويشاء القدر أن يصيبهما المرض في نفس الوقت. ولا أنسى الرسالة التي أرسلها أحمد زكي وهو في المستشفى لعبد الله وكان أيضاً في المستشفى يقول له فيها "لو احتجت أي شيء كلمني يا ابني".
أحمد عبدالله محمود ابننا الأكبر كان يتمنى أن يرى والده نجاحه
ابنكما الأكبر الفنان الشاب أحمد عبد الله محمود هل أحب التمثيل من والده الفنان الراحل ؟
أحمد كان دائم التواجد مع عبد الله في الاستوديوهات في طفولته، وشاهد والده كيف يستعد لأدواره، ويذاكرها ولحظات تعايشه مع كل شخصية يؤديها، فبالتالي أحب التمثيل، واعترف لوالده بهذا الحب عندما أخبره بأنه ينوي أن يدخل معهد التمثيل وأنه يريد أن يكون ممثلاً، ولكن نصحه عبد الله أن يلتحق بكلية عادية يحصل على شهادة ليعمل بها، وأن يجعل التمثيل كهواية لأن الفن ليس له دخل ثابت.
رحل عبد الله وكان أحمد يبلغ من العمر 19 عاماً، وبدأ يمثل وكان يتمنى أن يعمل في حياة والده ليأخذ رأيه في أدواره ورد فعله تجاه أدواره التي يقدمها. أنا سعيدة بنجاح أحمد عبد الله محمود بالرغم من حصر مخرجين له في أداء أدوار الشر إلا أنه استطاع أن يؤدي كل دور مختلفاً عن الآخر. هذا العام قدم أحمد دورين مختلفين في "الكتيبة 101" الشهيد سالم من أهل سينا وقدم أيضا دوراً مختلفاً في مسلسل "رسالة الإمام" مع خالد النبوي ولقى نجاحاً كبيراً.
أما ابني الثاني عمر عبد الله محمود فهو خريج معهد فنون مسرحية قسم نقد ودراما وهو أكثر شبها لعبد الله ويعمل مونتيراً ومخرج إعلانات وأفلام قصيرة.
ماذا تعلما من عبد الله محمود الأب؟
تعلما من والدهما المبادئ، التواضع والإنسانية والكرم والتسامح.
محسن محيي الدين الصديق المخلص
هل صدم عبدالله محمود باعتزال صديق عمره في الفن في التسعينيات محسن محيي الدين؟
لم يصدم لكنه سأل محسن وقتها عن الأسباب فوجد أنها من وجهة نظره ونظر محسن مقنعة.
وهل استمرت علاقتهما بعد اعتزال محسن؟
العلاقة لم تنقطع، علاقة أخوات وأصدقاء منذ الطفولة، دائماً يطمئنان على بعضهما البعض. أتذكر محسن عندما كان يأتي المستشفى أثناء مرض عبد الله يقضي طول اليوم معه. محسن محيي الدين صديق مخلص وما زال يطمئن علينا ويعتبر أحمد ابن أخيه.
الفنان عزت العلايلي كان دائم الزيارة أيضاً لعبد الله محمود في المستشفى؟
لا أنسى إنسانية هذا الفنان العظيم لقد كان دائم الزيارة لعبد الله يقضي معظم اليوم معه يحلق له ذقنه ويغسل له شعره. الفنان الحقيقي تجدينه في حياته إنساناً بمعنى الكلمة.
مسلسل "عصفور النار" كان نقطة تحول في حياة عبدالله الفنية.. هل هذا صحيح؟
أثناء تصوير عبد الله لفيلم "الطوق والأسورة" كان معه في الفيلم الفنانة الكبيرة فردوس عبد الحميد ، وأثناء زيارة المخرج محمد فاضل لها شاهد عبد الله يؤدي بعض مشاهد الفيلم فأعجب به وأسند إليه دور الحسيني في "عصفور النار" وكانت مرحلة انتقال لعبد الله في تجسيد أدوار مختلفة غير الأدوار التي أداها في بداياته في سينما يوسف شاهين، وكان هذا المسلسل في الثمانينيات. كان بالنسبة له أن ينجح ويثبت نفسه أمام العملاق محمود مرسي أكبر نجاح في وقت كان من الصعب على أي ممثل شاب أن يقف أمام هذا العملاق باتزان وثقة في النفس مثلما كان يبدو عبدالله أمامه. وبعد سنوات قدم عبدالله فيلم "طالع النخل" للمخرج محمد فاضل أيضاً وكان عبد الله قد وصل إلى قمة نضجه كممثل.
علاقة عبدالله محمود وعادل إمام
عبد الله محمود قدم مع الفنان عادل إمام أكثر من عمل سينمائي كيف كانت علاقته به ؟
أستاذ عادل يعتبر عبد الله أخاه الأصغر وقد قدما معاً أفلاماً مثل "الحريف، شمس الزناتي، حنفي الأبهة....." وأتذكر سعادة أستاذ عادل بأحمد عبد الله محمود عندما جسد أمامه مشهداً في مسلسل "عوالم خفية".
واجه المرض بكل قوة
كيف واجه عبد الله محمود المرض؟
واجه عبدالله مرض السرطان بكل قوة وإيمان وكان يحمد الله دائماً.
اتجهت إلى الكتابة بعد رحيل عبدالله
بعد رحيل عبدالله هل تفرغت للكتابة؟
الكتابة هي عشقي، كتبت فيلم "آخر ورقة" إخراج محمود سليم وبطولة سوسن بدر وندى بسيوني ودينا المصري.
والآن هناك دراسة أكاديمية لي تحت الطبع وهي استلهام لأسطورة "أوديب" في المسرح العربي دراسة مقارنة بين النص الأصلي والمعالجات العربية له. فقد ساعدني على ذلك أنني قرأت النص الأصلي وأنا في بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية وهذه الدراسة ستكون مفيدة جداً للمتخصصين. أقوم أيضاً بعمل صالون ثقافي في المنزل يوم الخميس من كل أسبوع لجيراني من السيدات الفاضلات. فقد وجدت أن القراءة من الصعب أن تجدي وقتاً لها الآن، لكني أحب القراءة جداً فهي تغسل الروح وتحقق الذات وهي رحلة ينصرف بها القارئ عن العالم وضغوطه. وفي هذا الصالون نتناقش فيما نقرأه ونشجع بعضنا البعض على القراءة ونتفاعل ونتعرف على أنفسنا بشكل أدق إلى جانب أن يغلب على شكل الصالون روح الصالونات التي كانت تقام في عصر الزمن الجميل وما يحويه من رقي وثقافة وعلم.