الطعام وسيلة التواصل للمهاجرين العرب في ألمانيا

7 صور

هل يمكن أن يكون الطعام وسيلة للاندماج بين الشعوب المختلفة ثقافياً، هل يمكن أن يجمع بين أناس لا يجمعهم شيء سوى المكان، هل يمكن لسيدة محجبة أن تتقاسم المأكل والمشرب بكل فرح مع أخرى لا مكان للتدين في حياتها؟

لقد أثبتت التجربة أهمية أن يتناول المهاجرون والمواطنون الأصليون الطعام سوية، ولقد تنبه المسؤولون عن الاندماج والهجرة إلى أهمية الطعام والأكل المشترك بين الطرفين، العربي والأجنبي، في تقوية أواصر المحبة والتفاهم، وبالرغم من اختلاف المطبخين، العربي والغربي اختلافاً كبيراً، فقد حققت خطوة الولائم المشتركة نجاحاً كبيراً. وفي هذا الصدد تقول مسؤولة مبنى المهاجرين في سالفيلد في ألمانيا: «اليوم نأكل سوية، ما كان هذا ليكون قبل عشر سنوات، الأكل جمعنا، قربنا، جعلنا نعرف بعضنا بشكل أفضل».

ألمان يطلبون طبخاً عربياً
كلما التقت امرأة عربية متزوجة من رجل ألماني بسيدات عربيات، يكون السؤال الأول الذي يطرح عليها، ماذا تطبخين له؟ وهنا تضحك سحر، لبنانية، وتقول: «ماذا أطبخ، ليش!! في أطيب من الأكل اللبناني، تبولة وكبة، وحمص». تعلق أخرى: «اعتقدت في بداية زواجي أن الأمر سيكون صعباً، فأنا لا أجيد الطبخ الألماني، ولم أتعلم إلا طبخ بلادنا، ففكرت أن هذا الفارق سيسبب خلافاً كبيراً بيننا، ولكن اتضح العكس، فبمرور الوقت، أصبح زوجي يطلب الفلافل، والحمص بلحمة، والفطائر، ولم يعد يتناول من الأكل الألماني شيئاً، حتى إذا قررنا الخروج إلى المطعم، فهو يبحث عن المطعم العربي». تضيف أخرى: «زوجي يقول لي إن أمه لم تستخدم في كل حياتها من البهارات سوى الملح والفلفل، فأصيب بالذهول لكثرة ما لدينا من أنواع مختلفة من البهارات.. وهذا حقيقة تعود إلى أن ألمانيا وشمال أوربا على العموم، قد كانت منذ القدم بعيدة عن طريق التوابل، الذي كان يصل الهند ببلاد العرب، فكثرت بهارات الأكل العربي، وكذلك ما يميز مطبخنا العربي، هو حضور الخضراوات واليخنات بقوة، واعتمادنا في كثير من الأحيان على الطبخ بالزيت، وهو الأمر غير المعروف هنا».

مطبخ مغربي
ربة منزل أخرى تقول: «لقد حاولت كثيراً نقل المطبخ المغربي إلى منزلي هنا، ولكن زوجي لم يرغبه كثيراً، يوما الأحد والسبت عليه أن يطبخ اللحمة الشرائح مع الكلوزا، وهي عبارة عن كريات من البطاطا، تحضر بطريقة خاصة، فلا يستطيع الاستغناء عنها، وخلال الأسبوع يأكل في العمل أيضاً من الأكل الألماني، الذي لم أحبه أبداً رغم وجودي هنا عشر سنوات».
أما «لانا» فتقول: «التنوع واجب، وهو جزء من الحرية، فأنا لا أفرض مطبخنا على المنزل، تعلمت كيف أحضر جميع الوصفات الألمانية، وأطبخ دوماً أكلاً ألمانياً». تضيف مهاجرة أخرى: «الطبخ الفلسطيني يعني لي البلد، أنا لا أستطيع أن أنفصل عن أكلنا: المقلوبة، المسخن، المنسف، فجميعها أكلات ارتبطت بالطفولة وبالذاكرة، وقد علمتها لبناتي هنا، فالأكل جزء من الموروث».

الألمان والطبخ العربي
يتحدث الألمان عن الفلافل، وكأنها الهوية التي لا خلاف عليها للأكل العربي، وآخرون يتحدثون عن الكسكس، وكثيرون مَنْ جرَّبوا الهريسة، وقلة ممن جرَّبوا الأكل العربي لا يعرفون البقلاوة. أما الفطاير فعشق من نوع آخر؛ لأنها من أكثر الأكلات التي تناسب نمط السرعة التي يعيشونها، وهي تناسب أن تؤكل في المكتب كالبيتزا. وعلى هذا تعلق «كوني»، وهي تعمل في أحد البنوك قائلة: «المطعم العربي القريب من هنا جعل حياتي أيسر، أمرُّ صباحاً أطلب فطائر بالجبنة والسبانخ، أتناولها في المكتب، وهي لذيذة، شهية وعملية».
وقد رصدت إحدى المحطات ظاهرة اصطفاف الموظفين الألمان في طابور طويل، وهم في انتظار سندويتش الشاورما ظهراً. تعلق إحدى المصطفات بالقول «إنها لذيذة، مغذية ورخيصة، ويمكن تناولها على عجل».
وتأخذ سندويتش الشاورما رواجاً كبيراً في ألمانيا، ويعود الفضل في هذا إلى المهاجرين الأتراك الأوائل، الذين قدموا إلى ألمانيا، وعملوا على فتح محلات للشاورما تحديداً، حتى ارتبط هذا الطعم بهم تحديداً.

فطائر سورية
وعلى نحو مشابه، يعمل السوريون على نشر الفطائر، صاحب أحد المحلات في ينا، وهو سوري الأصل، يقول إن مطعمه لا يخلو من الزبائن، وخاصة الشباب منهم، فالمسنون ليسوا رواداً له؛ لأنهم لا يرغبون في التغيير، أما الشباب فهم راغبون دوماً بالانفتاح على ثقافة الآخر، والتي لا شك أن الطعام جزء منها، لذا فالطلاب الجامعيون يجربون الأكل الصيني، والعربي، والهندي، بعكس المسنين.


الشباب العربي والمطبخ الألماني
الشباب العربي ليس مقبلاً على الطعام الألماني بنفس الطريقة، ويعتبر الكثير أن تناول الطعام الألماني فقط هو من باب التجريب، وليس للتناول بشكل دائم، حيث تقول إسراء، وهي طالبة عراقية في جامعة لايبزيغ، «جربت الطعام الألماني في أحد مطاعم البطاطا، حيث تقدم جميع أصناف البطاطا، وجربت الشوربات والخبز، لا شك أن الألمان يتفوقون علينا في صناعته وبكثرة أصنافه، ولكن الأمور الأخرى فالأفضلية بقيت لدي للأكل العربي». بينما يرى آخرون أن اعتماد الأجانب بشكل عام على لحم الخنزير في مطبخهم يجعل الكثير من العرب لا يقربونه، وبالتالي يبتعدون عن جميع الأنواع الأخرى.
وفي هذا يقول البروفسور بشار صوامعة: «إن لحم الخنزير ليس مشرعاً، ولكن ليست هنا المشكلة فقط، ولكن أيضاً فهو لحم غير صحي؛ لناحية أنه يحتوي على أعلى نسبة دهون بين جميع الحيوانات، كما أن جلده لا يمكن فصله عن لحمه، فيمتزج الجلد باللحم، ومنه يصنع المرتديلا الخاصة، التي يأكلها أغلب الألمان، ويضيف «إن أفضلية مطبخنا العربي تتجلى في تجنب لحم الخنزير أولاً، وثانياً في كثرة البقول التي نتناولها، والتي لا يوجد لها مكان في المطبخ الغربي، ولكن الخلل يكمن لدينا في عدم ممارستنا للرياضة، الأمر الذي يفعله الألمان بانتظام».