منذ الأزل وحتى اليوم، تلعب المنسوجاتُ والأزياءُ دوراً كبيراً في التعبير عن الهويَّة، بل إنَّها أحد الأطر المهمَّة التي تُحدِّد الانتماء إلى أرضٍ، أو مجموعةٍ ما.
الأزياءُ، في وصفٍ دقيقٍ، لغةٌ بصريةٌ، وهي حصريةٌ في البشر، إذ تتخاطبُ من خلالها الشعوب لإبراز ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها، وفي هذا الجانب يُعدُّ التوثيقُ حجرَ أساسٍ في صناعتها، ومرجعاً للباحثين والمصمِّمين المهتمين بتطويرها.
في عدد نوفمبر، نفتح ملفاً مهماً، يمكنُ وصفه أيضاً بالعاطفي بالنسبة إلى الكثيرين لارتباطه بالتراث والجذور، وهو تاريخُ الأزياء السعودية، فعبر شراكةٍ مثمرةٍ، أنشأتها "سيدتي" مع دارة الملك عبدالعزيز، تمَّ أخيراً تدشين كتاب "الأزياء التقليدية السعودية المنطقة الوسطى" للأستاذة الدكتورة ليلى البسَّام.
يُمثِّل الكتابُ، الذي أسهم في توثيقه المصوِّر والمنتج السعودي عبدالله المشرف، مرجعاً ثميناً، إذ يرصدُ في ثناياه تفاصيل الأقمشة، والزخارف، والغرز اليدوية التقليدية، ويتناولُ العلاقةَ بين الملابس التراثية في المنطقة الوسطى، والفنون الإسلامية، والمحيط الجغرافي، والبيئة الاجتماعية، والتغيُّرات الاقتصادية.
وما جعل حفل التدشين مميَّزاً وفريداً، أننا تشرَّفنا بتنظيمه تحت رعايةٍ كريمةٍ من حرم سمو ولي العهد السعودي صاحبة السمو الملكي الأمير سارة بنت مشهور بن عبدالعزيز آل سعود في قصر المربع المهيب بالرياض. أمسيةٌ تراثيةٌ استثنائيةٌ، قدَّمت برنامجها الزميلة الإعلامية وئام الدخيل في حضور صاحبات السمو والسعادة، وسيدات المجتمع، والرائدات في مجالاتٍ مختلفةٍ، ومصمِّمات الأزياء الشابَّات.
إنَّ هذه الشراكة مع دارة الملك عبدالعزيز، تعكس بحقٍّ رؤية "سيدتي" بتعزيز ثقافة تاريخ الأزياء في المملكة العربية السعودية، وتوثيق إرث الأجداد العريق، الذي ما زال أثرهُ الواضحُ مستمراً إلى اليوم، خاصةً مع النهضة غير المسبوقة التي تشهدها صناعة الأزياء في البلاد بجهودٍ كبيرةٍ، تقودها هيئة الأزياء التابعة لوزارة الثقافة، وأثمرت أخيراً عن إطلاقٍ تاريخي لأول "أسبوع أزياءٍ" في الرياض. حدثٌ ضخمٌ، سيجعل من العاصمة السعودية إحدى عواصم الموضة في العالم قريباً.
وفي السياق ذاته، أجرينا لقاءً مع عرين حسن، مصمِّمةُ نسيجٍ فلسطينيةٌ، يبرز من بين أعمالها" فستان القدس الحضري" الذي شاركت به في عديدٍ من المعارض العربية والدولية. حدَّثتنا الفنانة الشابَّة عن وشاحها الفلسطيني المطرَّز الذي لا يفارقها أبداً، كما كشفت أسرارَ خيوطه التي تروي قصة وطنها.
وامتداداً لأهمية التوثيق، تجدون حواراً مع الكويتي شملان البحر، مؤسِّس منصة "نوستالجيا"، الذي أخذ على عاتقه مهمة توثيق حقبٍ موسيقيةٍ ثريةٍ في العالم العربي بأسلوبٍ إبداعي، يجمع بين أنغام الوتر، والرسم الجرافيكي.
وحسبما بيَّن لنا، فإن شغفه بالموسيقى ترسَّخ حينما كان طفلاً صغيراً، يرافقُ والده في السيارة، ويستمعُ عبر "أشرطة الكاسيت" إلى عمالقة الفن.