الكويت، دانة الخليج، ومدينة التاريخ والفن والثقافة، حيث مراكبُ الصيدِ، وأهازيجُ البحرِ التي تصدح بها حناجرُ شجيةٌ على أنغام الطبيعةِ، وهدير الأمواجِ، أهازيجُ أسهمت في تشكيل ثقافةٍ موسيقيةٍ ثريةٍ ومتشعِّبةٍ، كانت بادرةً لظهور عمالقة الفن الخليجي. هذا الفن الأصيل ألهم كثيراً من المبدعين، منهم رائد الأعمال الكويتي شملان البحر، الذي أبدع في تحويل أغنيات الماضي الجميل إلى صورةٍ بصريةٍ، بما يُعرف بـ «النوستالجيا Nostalgia»، وتمكَّن من إعادة المتلقي العربي إلى ذكريات، تمتدُّ نحو 100 عامٍ.
حوار | عتاب نور Etab Nour
إخراج إبداعي وتنسيق مظهر |جمانة صوفي Joumana Soufi
تصوير | عادل جاويد Adel Javed
بداية رحلة الإلهام
شكَّلت أزمة كورونا، وما شهدته من حظر تجوُّلٍ لشملان البحر، المتخصِّص في قطاعَي التسويق والعلاقات العامة والشركات غير الربحية، فرصةً لاقتحام مجالٍ إبداعي جديدٍ، هو «النوستالجيا» Nostalgia، أو ما يُعرف بالحنين إلى الماضي واستعادة الذكريات.
واعتمد شملان في تجربته الثرية على خياله، وما ترسَّخ في ذاكرته من أغنياتٍ لعمالقة الفن الخليجي والعربي، مثل فريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ، وسيد درويش، وعبد الكريم عبدالقادر، وطلال مداح، فلطالما ارتبط بفنهم، وتربَّى على أصواتهم الجميلة منذ طفولته الأولى، إذ كان يستمع إليهم عبر «شرائط الكاسيت»، خاصةً حينما كان يرافق والده في السيارة.
أرشيف النوستالجيا
شملان البحر
ويبدع رائد الأعمال في مشروعه مقاطعَ فيديو لأغنياتٍ خالدةٍ، يبدأها غالباً بالتخيُّل، ثم وضع صورةٍ ذهنيةٍ للعمل، لتأتي بعدها الخطوة الثانية بإجراء دراسةٍ تاريخيةٍ لشخصية الفنان، وزمن الأغنية من حيث الأماكن، والأزياء، والمكياج، أما في مرحلة تطبيق الفكرة، فيجمع ما بين كل تلك المفردات في توليفةٍ، لتصبح اللبِنة الأولى لعمل المقطع، وبمجرد اكتماله، ينشره على صفحةٍ خاصةٍ في منصة «إنستغرام»، أطلق عليها اسم «مملكة الحنين»، وتحوَّلت مع مرور الوقت إلى أرشيفٍ فني، يحتضن إيقاعاتٍ موسيقية، وأغنياتٍ من الطرب الأصيل، حظيت بكثيرٍ من التفاعل والأصداء، ونالت نصيبها من الشهرة والإعجاب، لا سيما الأغنيات الخاصة بالفنان الكبير عبدالكريم عبدالقادر، وطلال مداح، وعلَّل شملان السر وراء ذلك بسهولة عملية التخيُّل لأغنياتهما.
نقترح عليك قراءة فضائيات «الزمن الجميل».. «نوستالجيا» للماضي أم هروب من الواقع؟ | مجلة سيدتي (sayidaty.net)
الحياة الاجتماعية في الكويت
في حديثه لنا، أكَّد شملان، أن الحياة الاجتماعية في الكويت قد تكون أهم ما يميِّزها، لذا فإن «أفضل شيءٍ يمكن فعله عند زيارة البلاد، هو التعرُّف إلى تلك الحياة الاجتماعية». ورأى أن «الكويت تتميَّز بالإبداع، فهي بوتقةٌ، تجتمع فيها ثقافاتٌ مختلفةٌ، لا سيما أن المجتمع الكويتي مجتمعٌ مهاجرٌ، وقد أدَّى ذلك إلى تمازج الحضارات، وحدوث خلطٍ بين الفن العدني والكويتي والهندي في البلاد، نتج عنه فنٌّ عدني كويتي مستقلٌّ بذاته»، وقال: «كان من ثمار حركة النهضة الثقافية في الكويت دعمُ وتشجيعُ الفنون، والمسرح، والموسيقى، والرياضة، فتأسَّست عديدٌ من النوادي والجمعيات الثقافية لهذا الغرض». مضيفاً: «تتمتَّع بلادنا بعديدٍ من المقومات والعوامل البارزة التي أسهمت في تشكيل وصناعة اقتصادٍ مهمٍّ ومؤثرٍ وجاذبٍ، إقليمياً وعالمياً».
وعن أهم المعالم والأماكن التاريخية والثقافية التي يرشِّحها لتكون ضمن قائمة الأجمل، اختار شملان صروحاً ثقافيةً ضخمةً، تعكس واقع النهضة الحضارية التي بدأت بالكويت في ستينيات القرن الماضي على يد المؤسِّس الشيخ عبد الله السالم الصباح، منها:
مركز جابر الأحمد الثقافي أو دار الأوبرا
تمَّ افتتاحه عام 2016، وهو واحدٌ من أبرز المعالم الوطنية السياحية والثقافية والفنية الحديثة في الكويت، ويتميَّز بتصميمه العمراني الفريد المستوحى من العمارة الإسلامية، ويضمُّ ثلاثة مسارح، وثلاث قاعاتٍ للحفلات الموسيقية والمؤتمرات والمعارض، إضافةً إلى مركزٍ للوثائق التاريخية، ويسلِّط الضوء على الفنون المسرحية.
مركز عبد الله السالم الثقافي
يقعُ في منطقة السالمية، ويعدُّ من أكبر المشروعات الثقافية في العالم، ويضمُّ ستة متاحف، ومكتبةً، و22 قاعةً للمؤتمرات، ومسرحاً، ومبنى للوثائق.
سوق المباركية
ʼ صفحة «مملكة الحنين» أرشيف فنّي يحتضن إيقاعات موسيقية وأغنيات من الطرب الأصيل، لا سيما الأغنيات الخاصة بالفنانين عبد الكريم عبدالقادر وطلال مداحʻ
لا تكتمل الجولة في أي مدينةٍ دون زيارة أسواقها الشعبية الشهيرة، التي غالباً ما تخطف الأضواء عبر ما تحتويه من مقتنياتٍ تراثيةٍ، تعبِّر عن الهوية الثقافية للبلاد، لذا اصطحبنا شملان في جولةٍ سياحيةٍ لـ «سوق المباركية»، أحد أشهر الأسواق التاريخية في العاصمة الكويت.
شدَّتنا جدرانه ومحلاته التي تحكي عن تاريخ الدولةِ، وتراثهِ العريق الغارق في القِدم، لذا لم نستغرب ونحن نرى أعداداً كبيرةً من الكويتيين والسيَّاح يتجوَّلون في أرجائه، فأصالة هذا المكان كفيلةٌ بجذب الجميع من مختلف المشارِب.ولعل أبرز ما ميَّز هذه الرحلة مشاعرُ الحنين إلى الماضي الجميل التي أحسسنا بها ونحن نتعرَّف على أركان السوق، إذ يعودُ لأكثر من 100 عامٍ، لكننا لاحظنا أنه لا يزال يحتفظُ بسحره وجماله الخاص على الرغم من مرور كل هذا الوقت الطويل، وهو تماماً ما يميِّزه عن بقية الأسواق في الكويت، ويجعله أحد أهم المعالم السياحية التاريخية الأصيلة في البلاد.
قصة المكان
ولهذا السوقِ، الذي يُنسب اسمه إلى حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح، قصةٌ، ما زالت تروى، حيث رغب الشيخ مبارك في تقريب المسافة مع أفراد شعبه، والالتقاء بهم من أجل الاستماع إلى شكاواهم، والفصل في الخصومات، فاختار لنفسه دكاناً في منطقة القبلة، تحوَّل مع مرور الوقت إلى مركزٍ لتجمُّع التجار، وشكَّل نواةً لسوق المباركية التراثي، الذي يقف شامخاً ومنافساً للأسواق العصرية في البلاد.
يمكنك أيضًا متابعة اللقاء على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط رحلة الذكريات مع شملان البحر
تصميم السوق
من المميِّزات التي يتَّصف بها سوق المباركية، واستحقَّ معه هذا الإقبال الكبير والشعبية الجارفة، تصميمهُ العمراني الرائع، وديكوراته التراثية الجميلة المستوحاة من تاريخ الكويت، كما يشتهر بأزقته الكثيرة، ومتاجره التي تتنافس في عرض بضائعها الفريدة والمتنوعة، في مقدمتها متاجر الألبسة التقليدية التي تجذب الزوَّار بتطريزاتٍ، تعكس تاريخ وثقافة المجتمع الكويتي، هذا إلى جانب محلات الإكسسوارات، والسلع التراثية، والتحف، والخزفيات، والتذكارات، وكلها بأسعارٍ مناسبةٍ، كذلك يوجد به ركنٌ لبيع وشراء المصوغات الذهبية والمجوهرات، وآخر لشراء المستلزمات من محلات العطارة والبخور الشهيرة.
المطاعم والمقاهي
ويحتضن السوق قسماً، يجمع سلسلةً من المقاهي الشعبية الشهيرة ذات التصاميم والديكورات التراثية المستوحاة من حضارة وتاريخ الكويت، إلى جانب مطاعم، تقدِّم أشهى المأكولات العربية والمشروبات المختلفة والمميزة، خاصةً المأكولات الشعبية.
ومن عالم الزمن الجميل تابعوا معنا في ذكرى ميلاد الفنانة الكويتية عائشة إبراهيم: تفاصيل أغنيتها المصورة مع العندليب الأسمر
