على الرغم من أن السينما مازالت المرآة العاكسة للواقع الذي نعيشه، لكونها على تماس مباشر بالتفاصيل اليومية التي يعرفها العالم، لكنها وبنظر الكثيرين ظلت تتناول قضايا الرجال أكثر من هموم المرأة على مدى طويل، ولعل أكثر الصور التي تعكس ذلك كانت في السينما العربية والخليجية، ولكن مع دخول المرأة عالم السينما وريادة السينما المؤنثة، تغير الحال من خلال طرح قصص وقضايا نسوية عامة، ولا يمكن نسيان التجارب الشبابية، فقد ظهر جلياً اهتمام العديد من المخرجين والكتاب في المهرجانات بأفلام تناولت المرأة في السينما وقضاياها، والجهود التي بذلت لتغيير الواقع، واستبدال الظروف السلبية بظروف إيجابية تدفع النساء إلى المزيد من النجاح في تقديم قضاياهن وهمومهن بمنظور مغاير تميز فنياً بطرح لافت وعرض راقٍ يليق بالسينما المؤنثة، فتم تقديم أعمال تحدثت عن الصراع الداخلي وواقعية الصورة الممزوجة باحتجاج وتحديات لتمنحها قصة حياة جديدة أقرب إلى تمتعها بحرية حقيقية.
عند تسليط الضوء على عالم النساء في داخل المجتمعات، وتفريق بين ما هو خطأ وصواب، واقعاً وليس خيالاً فقط، نجد أن المرأة تمكنت من تحقيق أهدافها عن طريق الإخراج والكتابة والتمثيل والإنتاج، مثلها مثل الرجل كشريكة عمل وليست منافسة، مع مراعاة أننا مجتمع عربي شرقي له عادات وتقاليد، بعيداً عن الجرأة والصورة الذهنية السلبية التي تروّج إلى أن المرأة أصبحت أكثر تحرراً وهي صورة خاطئة عن فئة قليلة لا تمثل إلا نفسها.
ومع الأخذ بعين الاعتبار الفروقات بين مجتمع وآخر، إلا أن نوعية الأفلام التي نجدها حالياً، لم تعد تدور فقط حول الأم الطيبة، أو الزوجة الخاضعة، أو الحبيبة الخجولة، بل ظهر نوع آخر من نساء السينما أكثر إصراراً ونجاحاً وفخراً بأنفسهن، خاصة عند مناقشة قضايا مجتمعية، حيث أسهمن بقوة بتغيير في القوانين تغييراً حقيقياً، من خلال تقديم أفلام بطلتها امرأة قوية تدافع عن حقها في المساواة، وترفع من شأن المرأة وتطالب بأحقيتها في العمل القيادي. في الوقت نفسه ظهرت أفلام رديئة تسيء إليها وتنتقص من كيانها وأهميتها في الحياة، تلك التي اقتصرت على إبراز جسد المرأة المثير في أدوار الإغراء، خاصة خلال فترة أفلام المقاولات، وهي كثيرة بالمقارنة مع أفلام جيدة تحافظ على الصورة الإيجابية، ولا يمكن أن نتجاهل ما يعرف بـ «أفلام العشوائيات» بكل ما تحمله نساؤها ذوات النفوس المشوّهة جراء الفقر والاحتياج ما يدفعهن لتقديم التنازلات.
لا شك أن عمل المرأة في السينما شيء غير مرحّب به من قبل الأسرة والمجتمع في بعض المجتمعات، حيث لا يتقبل البعض التحاق المرأة بالعمل الفني باعتباره عملاً جريئاً لا يتناسب مع العادات والتقاليد أو التعاليم الدينية والتيارات الفكرية المتشددة. ولكن الموهوبات والراغبات في إثراء الحراك الفني يقمن بنوع من التحدي لإثبات ذواتهن في مجتمع رافض، وفي ظل نظرة ذكورية تحاول سلبهن هذا الحق.
تعددت الرؤى واختلفت الآراء حول مفهوم «سينما المرأة»، وهل هي تلك الأفلام التي تتناول مشكلات المرأة والقضايا الاجتماعية التي تؤرق حياتها؟، أم هي تلك السينما التي تصنعها النساء لتقديم وجهات نظرهن في قضايا العالم ومشكلات المرأة المتعددة والمتنوعة طبقاً للمنطقة الجغرافية التي يعشن فيها؟. هذان التعريفان يثيران تساؤلاً جديداً: فإذا كان هناك ما يسمى بـ «سينما المرأة» فلماذا لا تكون هناك «سينما الرجل»؟، ولو حدث ذلك – افتراضاً - فسوف يصبح محظوراً على المخرج الرجل مناقشة مشكلات المرأة، أو أن ينسب إليها أدواراً شيطانية مسيئة!