الشوق شعور إنساني عجيب يحمل كثيراً من المعاني والمشاعر المتناقضة الحلوة والمرّة ما بين الشغف والفقد والحنين ويعكس بحث الإنسان الدؤوب حول السعادة المفقودة ونضاله الدائم لرغبات غير قابلة للتحقيق، وقد عبر الشعراء، بطول الزمان وعرضه، خاصة العرب منهم، عن شوقهم واشتياقهم ووجدهم إما للمحبوب أو لأمر مفقود أو أمل مسلوب أو حلم لم يتحقق وأمنية لم توفق، مستخدمين سحر اللغة ومطوعين قوة بيانها وروعة صياغاتها مستظهرين ذكريات الماضي، وتأملات الحاضر غير الكامل، وتخيلات وخيالات المستقبل المثالي، لتبدو أشواق الحياة الغنية بكل معاني الحياة وتجلياتها. بالسياق التالي "سيدتي" جمعت لك أجمل ما نظمه الشعراء من أبيات وقصائد عن هذا الشعور المدهش..الشوق!
-
يقول المتنبي شاعر العرب المجيد الملقب بـ"نادرة زمانه، وأعجوبة عصره وأوانه" متذكراً شوقه لمحبوبته:
منَ الشوقِ والوجدِ المُبَرِّحِ أنَّني
يُمَثَّلُ لي من بعدِ لُقياكَ لُقياكا
سأسلوا لَذيذَ العيشِ بعدك دائماً
وأنسى حياةَ النفسِ من قبلِ أنساكا
أُغالِبُ فيكَ الشّوْقَ وَالشوْقُ أغلَبُ
وَأعجبُ من ذا الهجرِ وَالوَصْلُ أعجبُ
أمَا تَغْلَطُ الأيّامُ فيّ بأنْ أرَى
بَغيضاً تُنَائي أوْ حَبيباً تُقَرّبُ
-
يقول جرير(جرير بن عطية الكلبي اليربوعي التميمي) أغزل الشعراء شعراً في الشوق:
بانَ الخَليطُ وَلَو طُوِّعتُ ما بانا
وَقَطَّعوا مِن حِبالِ الوَصلِ أَقرانا
حَيِّ المَنازِلَ إِذ لا نَبتَغي بَدَلاً بِالدارِ
داراً وَلا الجيرانِ جيرانا
قَد كُنتُ في أَثَرِ الأَظعانِ ذا طَرَبٍ مُرَوَّعاً
مِن حِذارِ البَينِ مِحزانا
يا رَبُّ مُكتَإِبٍ لَو قَد نُعيتُ لَهُ
باكٍ وَآخَرَ مَسرورٍ بِمَنعانا
-
ومن أجمل ما قال قيس بن الملوح "مجنون ليلى" عن الشوق والحنين
أَجِدَّكِ يا حَماماتٍ بِطَوقٍ
فَقَد هَيَّجتِ مَشغوفاً حَزينا
أَغَرَّكِ يا حَماماتٍ بِطَوقٍ
بِأَنّي لا أَنامُ وَتَهجَعينا
وَأَنّي قَد بَراني الحُبُّ حَتّى
ضَنِنتُ وَما أَراكِ تَغَيَّرينا
أَرادَ اللَهُ مَحلَكِ في السُلامى
إِلى مَن بِالحَنينِ تَشَوَّقينا
وَلَستِ وَإِن حَنَنتِ أَشَدَّ وَجداً
وَلَكِنّي أُسِرُّ وَتُعلِنينا
-
ومن أروع ما قال الفرزدق، (الذي قيل عنه: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، ولولا شعره لذهب نصف أخبار الناس) عن الشوق والحنين:
أَهاجَ لَكَ الشَوقَ القَديمَ خَيالُهُ
مَنازِلُ بَينَ المُنتَضى وَمُنيمِ
وَقَد حالَ دوني السِجنُ حَتّى
نَسيتُها وَأَذهَلَني عَن ذِكرِ كُلِّ حَميمِ
عَلى أَنَّني مِن ذِكرِها كُلَّ لَيلَةٍ
كَذي حُمَةٍ يَعتادُ داءَ سَليمِ
إِذا قيلَ قَد ذَلَّت لَهُ عَن حَياتِهِ
تُراجِعُ مِنهُ خابِلاتِ شَكيمِ
يمكنك كذلك متابعة أجمل أبيات شعر غزلية رومانسية قصيرة
-
ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي في شوقه لمصر بلده الحبيب وهو بعيد عنها:
اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي
اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي
وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ
صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ
عَصَفَت كَالصِبا اللَعوبِ
وَمَرَّت سِنَةً حُلوَةً وَلَذَّةُ خَلسِ
وَسَلا مِصرَ هَل سَلا القَلبُ عَنها
أَو أَسا جُرحَهُ الزَمانَ المُؤَسّي
-
ويقول "شاعر المرأة" نزار قباني في شوقه للمحبوبة بقصيدة "الشوق معصية"
اتذكري الأمس إني عشتُ أخفيه
إن يَغفر القلبَ.. جرحي من يداويه.
قلبي وعيناكِ والأيام بينهما
دربٌ طويلٌ تعبنا من مآسيه
إن يخفقِ القلب كيف العمر نرجعه
كل الذي مات فينا.. كيف نحييه
الشوق درب طويل عشت أسلكه
ثم انتهى الدرب وارتاحت أغانيه
جئنا إلى الدرب والأفراح تحملنا
واليوم عدنا بنهر الدمع نرثيه
مازلتُ أعرف أن الشوق معصيتي
والعشق والله ذنب لستُ أخفيه
-
ويقول محمود البارودي الملقب بـ"رب السيف والقلم" في الشوق وقسوة الحنين والوجد وكيف يؤثران على الشخص فلا يستطيع أن يخفيهما:
أَبَى الشَّوْقُ إِلَّا أَنْ يَحِنَّ ضَمِيرُ
وَكُلُّ مَشُوقٍ بِالْحَنِينِ جَدِيرُ
وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرءُ كِتْمَانَ لَوْعَةٍ
يَنِمُّ عَلَيْهَا مَدْمَعٌ وَزَفِيرُ
خَضَعْتُ لأَحْكَامِ الْهَوَى
وَلَطَالَمَا أَبَيْتُ فَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيَّ أَمِيرُ
أَفُلُّ شَبَاةَ اللَّيْثِ وَهْوَ مُنَاجِزٌ
وَأَرْهَبُ لَحْظَ الرِّئْمِ وَهْوَ غَريرُ
وإذا كان هذا قبساً من أجمل ما قيل عن الشوق بالشعر العربي فهذه أجمل الأبيات الشعرية التي كتبت في الحب