الوَطَن، هو تِلك المِسَاحَة الجُغرَافيّة مِن الأَرض؛ التي أصبَح بَينك وبَينها رَوابِطُ مُشتركةٌ، تُغذّي شعُورك كُلَّما شَعرتَ باليَأس، وتُشبِعك حِين تَحسُّ بالجُوع، وتَأنَس بِهَا حِين تُداهمكَ الغُرْبَة، مِن هُنَا قَالوا: إنَّ أقسَى أنوَاع الغُرْبَة؛ حِين يَشعر الإنسَانُ بأنَّه غَريبٌ في وَطنه..!
أمَّا الوَطنيَّة، فهي مَفهومٌ، يَستهدفُ السّلوك والتَّطبيق، لَا النَّظريَّة والتَّصفيق. الوَطنيَّة شعُورٌ خَفي، يَنعكس عَلى سلُوكك، لذَلك مَن يَسرق، أو يَرمي النِّفَايَات في شَوارعِ الوَطن، ومَن يُقصِّر في عَمله، ومَن يَتأخّر في دَوامه، كُلّ مَن يَفعل هَذه الأفعَال يُعدُّ مَخرومَ الوَطنيَّة، غَير كَامل الدَّسم فِيها، لأنَّه خَان حَبيبه، وهو الوَطن، فالوَطن حَبيبٌ، ومِن هُنَا جَاءت الأُغنية الشَّهيرة: "وَطني الحَبيب وهَل أُحب سوَاه"..!
إنَّ الوَطن ملكٌ للجَميع، ولَا أَحَد يُزايد بِهِ عَلَى الآخَر، ولَا يَجب أن يُزايَد بِه أَحَدٌ عَلى غَيره، فالنَّاس مُتسَاويةٌ في الوَطنيَّة؛ مَا لَم يَثبت عَكس ذَلك، ويُفترض ألَّا يَعبث أَحَدٌ بهَذا المَفهوم، ولَا أنْ يَستغلَّه بَعضهم ضِد آخَرين، كتُهمةِ التَّخوين، أو ضَعف الوَطنيَّة حتَّى لَا يَفلت مِن يَدنا هَذا السِّلاح، ويُصبح الكُلُّ ضِد الكُلِّ..!
إنَّني أُردِّد دَائماً مَع الأَديب الكَبير، أو "الدَّكَاترة" زكي مبارك حِين قَال: "لَا أُحب أنْ يَسبقني أَحَدٌ في حُب الوَطن". مِن هُنَا دَعونا نَتسَابق في حُب الوَطَن، لَكن مَا لَا يعجبني في "الدَّكاترة" زكي مبارك عِبَارته الشَّهيرة حِين قَال: "لَا أَحَد يُحب وَطنه كَما أُحبّه أنَا"..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أنْ نُذكِّر بأنَّ بَوابات حُبّ الوَطن مَفتوحةٌ للجَميع، فليَتسَابق إليهَا الدَّاخِلُون، ولنَبتعد عَن تُهمة التَّخوين، فالأَصل في المُوَاطن البرَاءة وحُسن المُوَاطَنَة، وحُبّ الوَطَن، مَا لَم يَثبت عَكس ذَلك، مِن خِلال الخيَانة الوَطنيَّة التي يُدينها القَانُون، ويُجرّمها الشَّرع..!!!