الصفير

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي
د. سعاد الشامسي

لم يعلم أحدُنا، أن ما عافرَ في أدائه، واندملت الأيدي في تحقيقه، هو ذاكَ الحبلُ المتينُ الملفوفُ بعنايةٍ فائقةٍ حول عنقٍ، بات محلقاً..

ماذا لو عُرِضَت علينا النهاياتُ قبلَ الهم بخطواتٍ معدوداتٍ، صيد ما ظننا متعةَ الحياةِ خلت مما سواه؟!

يَظُنُّ أحدنا أنه لو عُرِضَ عليه المستقبل، لحذر كثيراً مما يُوقعه، ويُهلكه، يهوي به في حطامِ هاويةِ العذاب..

لكنْ! مهلاً؛ أوا تعتقد أن الحياةَ حينها تبيتُ أفضلَ!؟

ماذا لو افترضنا جدلاً بأننا نملكُ ذاك الجهازَ المُنذِرَ من الغيباتِ!

لن تخلو الحياةُ من ترفٍ، أو نعيمٍ، ويبيتُ الواحدُ منَّا غير مكترثٍ لما يصطدمُ بهِ، كأنَّه يعلمُ يقيناً أن الأشياءَ المقلقةَ ستتبخَّر من أمامِ طريقه، في لمحِ البصر!.. هكذا يظنُّ الكثيرُ منَّا ظناً، لكنَّ الظنَّ لا يُغني من الحقِّ شيئاً!..

لأن الإعراضَ حينما يأتي من أواصرنا، والتمييزَ بإرادتنا، يصبحُ سحراً. وأن العقلَ البشري بتوفيقٍ إلهي، ينتشله مما قد يُسبِّب له المتاعب، ويدسُّه فيما يُبدِّلُ عليه طيبَ عيشه، ويزقُّ به في صراعاتٍ لا حصرَ ولا انشمالَ لها..

المتاعبُ، وفي كثيرٍ من الأحيانِ، بل وكلّها، هي رزقٌ ونعيمٌ في حدِّ ذاتها، على خلافِ ظنِّ بعضهم، ولن أزيدَ عن أمثلةٍ كتعطُّلِ سيارتي في ذاك اليومِ. اليوم الذي تأخَّرتُ فيه عن العملِ، لأن المديرَ أرادَ أن يُكدِّرني بعدما أتيته متأخراً، بدقائقَ فقط، عن موعدي الرسمي، تلك الرسميَّةُ التي أخذت مني كثيراً من الوقتِ، وأنا أتهيَّأ لأصبحَ واجهةً مشرِّفةً لشركتي، الشركة التي لا تُعطيني غير ما يكفي لقوتِ يومي، حينها وقعت على مسامعي سيلُ كلماتٍ؛ كشفت عن أمرٍ أدمى قلبي، القلبُ الذي يُعاقبني بتسارعِ نبضاته، وتضاربِ حاجزيه بعدما علم أن الجسرَ الواصلَ بين عملي ومحلِّ سكني قد تهاوى بمَن عليه!..

أزيدك من الشعرِ بيتاً، ألا نرى حيناً أن المصائبَ لا تأتي فرادى؟!.. بل، وتنهالُ كالسيلِ العرم. وأن الفرحَ لا يأتينا إلا منفلتاً!. والضيقُ من العيشِ؛ تصاحبه كثرةُ السقمِ، وعزوةُ الولدِ لا تفتحُ غير أبوابِ الفرقةِ والحسدِ. بل وأن بلاءَ المرءِ لا يتناوبُ إلا عليه..

لكنْ!. حسبُ ابن آدم أن أمره كلّه خيرٌ، حتى لو بدا له خلاف ما هو عليه الآن، فمَن منَّا أشدُّ بلاءً من أيوب؟ ومَن اشتدَّت عليه أحوالُ الدهرِ مثل يوسف؟. وكم كانت اللذاتُ، هي أصلُ الاختبارات، وأن الخيلة، والرياء يُوقعان في الهلاك. ولا ننسى ما آل إليه قارون، ومَن يتخيَّل أن النمرودَ ستوقعُ به واحدةٌ من الذبابِ..

أما زلت تتنظرُ امتلاك ذاك «الجهاز المُنذِر من المصائبِ والعقبات»، وكيف سيتبيَّن له ما فيه شرٌّ وبلاءٌ؟!.

ألم يخرج الفرجُ من رحمِ الضيقِ؟ ولم يُغلَب العسرُ إلا بيسرين؟!. ولا ينعمُ بالراحةِ إلَّا مَن تجرَّع من كؤوسِ الإعياء!.

فلمَ لا تعملُ على الاستماعِ إلى ذاك الصفيرِ في داخلك؟!. وتترك كلَّ شيءٍ في معيَّة الله...