تبذل دولة الإمارات جهوداً متواصلة لصون موروثها الثقافي والتاريخي، باعتباره جزءاً أصيلاً من الهوية الوطنية. ويأتي في قلب هذا الإرث الغني، اللؤلؤ ومهنة الغوص، التي مارسها الأجداد على مدار عقود طويلة؛ حتى باتت جزءاً مهماً من التاريخ الإماراتي؛ كونها شكّلت مصدر الرزق وشريان الحياة الاقتصادي قبل اكتشاف النفط.
لذلك أقامت "جُلف كرافت" فعالية «صياغة الإرث» بميناء راشد في دبي على مدار يومين، للاحتفاء بالتراث البحري للدولة، وعلاقة الإمارات الراسخة بالبحر لمناسبة اليوم الوطني الإماراتي 53. «سيدتي» حضرت هذا الحفل، وغطت فعالياته التراثية.
إعداد: لينا الحوراني
عبير الشعالي: إماراتنا بخير
كان المكان الذي أرست عليه اليخوت رفاهيتها في ميناء راشد، يحكي عن تلك الروح الريادية الممتدة، منذ الغوص؛ بحثاً عن اللؤلؤ وصناعة السفن الخشبية، إلى أحدث الابتكارات في صناعة اليخوت. سيدة الأعمال عبير الشعالي، نائب المدير الإداري لشركة "جُلف كرافت"، قالت لـ«سيدتي»: "نحتفل اليوم بالحاضر الذي يربطنا بالماضي والمستقبل، في مناسبة غالية على قلوبنا وهي عيد الاتحاد، الذي لم نتوانَ فيه عن التعلُّق بالبحر، ذلك الطفل العابث الذي يركض في كلّ مكان، والذي رغم عبثه يعطينا زخماً من الإلهام، في لحظات هدوئه يعلّمنا الصبر والحكمة، وفي لحظات ثورانه يعلمنا كيف ندافع عن وجودنا بقوة وفخر. لقد تطورت إماراتنا وكبرت عبْر مراحل كان فيها الصيد والغوص والتجارة، ملاذاً ورزقاً وهبه الله للناس؛ فتاريخنا متعلق بالبحر، وهو جزء كبير من إرثنا، وهذا ما غرس فينا امتهان صناعة القوارب، والتي كانت قديماً تُصنع من الخشب، والتي لازلنا نعيش مع قوارب العبرة منها، وهي نوع منها، ينطلق على طول خور دبي، من محطة سوق ديرة القديم، قرب سوق التوابل إلى محطة بر دبي غربي سوق الأقمشة، فيما نرى عبرات تنطلق من محطة السبخة جنوب غربي ساحة بني ياس إلى محطة سوق دبي القديم".
الإمارات الحمد لله بألف خير، وأمورنا طيبة، وثقتنا بقيادتنا لا حدود لها، وكما يقولون في لغة البحار، أنا أؤمن بالكابتن
في عيد الاتحاد الـ53 و40 سنة من تاريخ الشركة، تقول عبير: "الإمارات، الحمد لله، بألف خير، وأمورنا طيبة، وثقتنا بقيادتنا لا حدود لها، وكما يقولون في لغة البحار، أنا أؤمن بالكابتن، والكابتن الحمد لله، يقودنا إلى مستقبل مشرق، اقتصادنا ينمو، وليس عندي خوف على إماراتنا، ربما السوق العالمي يتأرجح، وهذا أمرٌ لا مفرّ منه".
روضة الصايغ: هذا ما ألهمنا إياه الشيخ زايد
عاد بنا الحفل الذي أقامته "جُلف كرافت" لصناعة اليخوت، إلى اليوم الأخير من موسم الغوص الكبير؛ حيث تُسمع طلقات مدفع على الشاطئ لاتخاذ الاستعدادات اللازمة لاستقبال البحارة؛ احتفالاً بعودتهم الوشيكة، فتُزيّن المنازل بأعلام من القماش تسمى «البيارق» أو «البنديرة»، وتُحضّر الأكلات المميزة. تقول روضة الصايغ، المخرجة الإماراتية للحفل: "لا ينسى أهل الإمارات، اليوم الأول من رحلة الغوص، وهو حفل وداع لطواقم الغوص والبحارة وأعضاء فرق الدعم، يطلق عليه حفل الهيرات «مغاصات اللؤلؤ»، والذي يقام على الشاطئ؛ إذ تغادر الطواقم وتصحبهم عائلاتهم والأهالي لتوديعهم، ويعلن «السردال»- القبطان- رسمياً خلال الحفل، بدء موسم الغوص، كل ذلك كان يتم على متن الشلندي، والغليون، واللنج، والجالبوت، وغيرها من أسماء السفن التي كانت تُصنع يدوياً، والتي عند وصولها من صيد اللؤلؤ إلى الشاطئ، تُستقبل طواقم الغوص والبحارة وغيرهم بأهازيج الترحيب، ثم يقوم البحارة بالجواب بإلقائهم أهازيجهم الخاصة، وكان يصل عدد طاقم العمل على السفينة، حسب حجمها، إلى 30 شخصاً".
الإمارات صغيرة في العمر، لكنها كبيرة بإنجازاتها، وكبيرة بتطوراتها و"هذا من صنع بلادي"
تابعت المخرجة روضة: "إلهام الحفل، جاء من كلام الشيخ زايد، رحمة الله عليه، في التسعينات زار هذا المقر في ميناء راشد، في أحد اليخوت، صمت لساعة، ثم قال: "هذا من صنع بلادي"، في تلك اللحظة استوعب الحاضرون ذلك الدعم الذي يُمدنا شيوخنا به، وكم هو واجب على الجميع إلهام الأجيال القادمة، وإكمال مسيرة آبائنا الجميلة في البحر وإرثه، نحن اليوم نبذل جهودنا وطاقتنا لصياغة هذا الإرث الجميل، إرث آبائنا وشيوخنا، الإمارات صغيرة في العمر، لكنها كبيرة بإنجازاتها، وكبيرة بتطوراتها، وحدث اليوم أكبر دليل على ذلك، أن يكون عندنا شركة يخوت تحمل شعار: "صنع في الإمارات" نحن أجدادنا كانوا يغوصون لاستخراج اللؤلؤ، واليوم اقتصادنا نهض؛ فاليوم وفي اليوم الوطني الإماراتي الـ53، نحن هنا لنكرّم كلّ مَن خاطروا بحياتهم في البحر".
ألطاف صالح: هدفنا أن نُظهر الترابط الفني
احتضنت الفعالية عرضاً لمجموعة من المنتجات الإماراتية البارزة في عالم الفنون والموضة والمجوهرات والعطور؛ لتؤكد كلّ شركة مشاركة استكمال مسيرة روح الابتكار والحِرفية والإبداع المستمَد من روح الأصالة.
ومن الجهات المشاركة «تشكيل» أستوديو الفن الإماراتي، الذي قدّم تركيبات فنية حصرية وقِطعاً، ولوحات فنية، تستعرض التراث البحري المحلي مع لمسات معاصرة مبتكرة، وقد عرّفتنا ألطاف صالح، من «تشكيل» على أهم المعروضات المشاركة؛ حيث قالت: «هدفنا أن نُظهر الترابط الفني في الإمارات؛ فهناك مجموعة من المعروضات، على سبيل المثال: صور للمصور الإماراتي جاسم العوضي، توضح ميناء راشد وميناء الحمرية خلال فترة الثمانينات، إلى جانب مجموعة من القطع الفنية والتركيبية المستلهَمة من البيئة البحرية، مثل: تصميم لوحدة إنارة مصنوعة من قشور السمك، للمصممة ريما المهيري، وهناك طاولات مصنوعة من الملح البحري، للمصممة هالة العاني، وغيرها الكثير. وما يميز كلّ القطع الموجودة، أنها مصنوعة في الإمارات من مواد خام محلية وبأيدٍ إماراتية أو مقيمين في الإمارات، وكلها ترتبط بالمجال البحري وتراث الإمارات».
عدي الفردان: الإمارات الثالثة عالمياً في سوق الألماس
من المشاركات الملهمة، كانت منتجات عدي الفردان، الذي قدّم أهم أنواع الأحجار الكريمة؛ بدايةً من اللؤلؤ الذي ارتبط بتاريخنا، إلى الزمرد والألماس، وصولاً إلى أحدث أنواع الأحجار الكريمة، وهو البارييفا. وتصاغ بروح إماراتية أصيلة، وكل قطعة تجسّد قصة مختلفة. يقول عدي: "هدفنا ترسيخ القواعد التي بناها آباؤنا ودعمها شيوخنا، وهم أرسَوا لنا القواعد المتينة لننتج قطعاً، نستطيع أن تخرج بها من دبي، والإمارات إلى العالم، تليق باسم الإمارات في عالم المجوهرات؛ فقد أصبح لنا وزن عالمي في عالم المجوهرات والألماس؛ فالإمارات أصبحت الثالثة عالمياً في سوق الألماس، وما علينا نحن جيل الشباب، إلا أن نواكب هذه القوة الاقتصادية، ونطوّر من أنفسنا".
أجمل كلمات تعبّر عن حب الوطن في اليوم الوطني الإماراتي الـ53