الفنانة التشكيلية ناتالي بنّوت: وراء كل لوحة من لوحاتي قصة أغنية

الفنانة التشكيلية نتالي بنوت
الفنانة التشكيلية نتالي بنوت

الفنُّ التشكيلي مع فنِّ الموسيقى، يؤثِّران سوياً في إحساسِ الرسَّام، فيبدعُ لوحاته باستخدامِ النغماتِ، والإيقاعِ، والألوانِ، والخطوط لإظهارِ عواطفه الإنسانيَّة. حول هذا الموضوع، تشيرُ الفنَّانة التشكيليَّة ناتالي بنُّوت في حوارها مع «سيدتي» إلى أنها لا ترسمُ دون الاستماعِ إلى موسيقى طربيَّةٍ، لا سيما أغنياتُ أم كلثوم، فهي تنقلها إلى عالمٍ آخر مع ريشتها.

بيئة فنية مميّزة

الفنانة التشكيلية نتاي بنوت مع إحدى لوحاتها


بدأت ناتالي بنُّوت الرسمَ في الصغر، وتدريجياً عملت على تطويرِ أدواتها، ودرست المجالَ خارجَ وطنها لبنان، في دولِ الخليج وأوروبا مثل السويد. وقد أسهم في ذلك نشأتُها في بيئةٍ فنيَّةٍ مميَّزةٍ، حيث كان والدها نحَّاتاً، وموسيقياً وكان منزلها مسرحاً للطربِ الأصيل، لذا حملت معها حبَّ الفنَّين، وأنتجت لوحاتٍ عدة، عبَّرت من خلالها عن حالتها ومزاجها باستخدامِ ريشتها.
تقولُ ناتالي: «تتمتَّع الموسيقى بالقدرةِ على التأثير في العواطفِ، والمزاجِ، والذاكرةِ والانتباه، وتشيرُ الأدلَّةُ إلى أن المتعةَ في الاستجابةِ للموسيقى الحزينة، أو الحنونة، ترتبط بمجموعةٍ من العواملِ مثل الحنينِ، أو حالةِ النوستالجيا، لذا أستمعُ وأنا أرسمُ إلى هذا النوعِ من الموسيقى، فهي تُشكِّل بالنسبةِ لي حافزاً قوياً للذكرياتِ خاصَّةً إذا كانت مرتبطةً بلحظاتٍ مهمَّةٍ وجميلةٍ في حياتنا، كما أنها تساعدُ في رفعِ مزاجي. الموسيقى تولِّدُ في داخلي مشاعرَ جيَّاشةً لاختبارِ جانبٍ عميقٍ من النفس العاطفيَّة».
وتضيفُ: «فنَّا الموسيقى والرسمِ فيهما ثراءُ الجمال، وبهجةُ الروح، فالعلاقةُ بينهما تُنتِجُ مشاعرَ وأحاسيسَ، يترجمها الرسَّامُ من خلال ريشته. أنا أعبِّر عن كلماتِ الأغنيةِ بريشتي، وبالألوانِ والخطوط، وأذكرُ اللوحةَ الأولى التي رسمتها، إذ كنت أستمعُ خلالها إلى أغنيةٍ تحكي عن العيون، فرسمتُ لوحةً معبِّرةً عنها. لا أرسمُ من دون الاستماع لموسيقى على صوتٍ مرتفعٍ، ولا أخفي سراً إذا قلتُ: إنني أميلُ إلى الموسيقى الحزينة، لأنها تجعلني أفكِّر، أشعر، وأعبِّر عما في داخلي من خلال لوحاتي. هي التي تحرِّك أحاسيسي حتى أبتكرَ الفكرة، وأنتج عملاً ليس موجوداً لدى أي فنَّانٍ آخر».
وحول الفنِّ الذي تعتمده، تقول ناتالي: «الفنُّ الذي أرسمه، هو الفنُّ التجريدي التعبيري، واللوحاتُ التي أرسمها واضحةُ الشرحِ والتفسير، لكنَّها تحتوي في الوقت نفسه على مغزى معيَّنٍ، يجب على المشاهد اكتشافه».

من المفيد التعرّف الى انطلاق فعاليات الدورة الـ 19 من مهرجان الشارقة للشعر النبطي.

 

كل لوحة لها قصة أغنية

من لوحات الفنانة التشكيلية


وتكشفُ الرسَّامة عن العلاقةِ بين الموسيقى والرسمِ في التعبيرِ عن المشاعر بالقول: «عندما أكونُ حزينةً، أستطيع التعبيرَ عن نفسي، لكنني لا أعرف ما العلاقةُ التي تربطُ الحزنَ بالرسمِ بوجودِ الموسيقى بالطبع. ما أعلمه أن الموسيقى، هي الطريقةُ الوحيدةُ التي تجعلني أعبِّر عمَّا يجولُ في داخلي، وأفجِّر غضبي، أو حزني، لأن ريشتي تصرخُ على اللوحات».
وتستطردُ متحدِّثةً عن تأثير الأغنياتِ في فنَّها: «كان عندي معرضٌ بعنوان عيون الروح، واشتمل على لوحاتٍ عدة عن العيون لإعطاءِ صورةٍ حضاريَّةٍ عن الفنِّ، وآخرُ بعنوان شبابيك، وقد استوحيتُ التسميتَين من أغنيتَين حزينتَين، استمعتُ إليهما. هنا أشيرُ إلى أنني أختارُ اسمَ المعرض بعد أن أستمعَ إلى أغنيةٍ معيَّنةٍ، وتؤثِّرَ بي كثيراً. وراءَ كلِّ لوحةٍ من لوحاتي قصَّةُ أغنيةٍ من الطربِ الأصيل الذي يستهويني بدرجةٍ كبيرةٍ، لكنْ هذا لا يعني أنني لا أستمعُ إلى أنواعٍ أخرى من الموسيقى. أنا أفعلُ ذلك، لكنْ تبقى الموسيقى الطربيَّة القديمة المفضَّلة لدي، لأنها تلامسُ مشاعري، وتجعلني أعبِّر عن نفسي بشكلٍ صادقٍ ومباشرٍ، لا سيما إذا كانت هذه الموسيقى تتعلَّقُ بقصصِ الحبِّ والعشق. أحياناً أسعى من خلال الرسمِ إلى الدمجِ بين حضاراتٍ عدة، بأسلوبٍ مودرن حديثٍ، يلقى الإعجابَ، ويلفتُ الأنظار. كذلك أعتمدُ الألوانَ الزاهية التي تبعثُ الأملَ والتفاؤلَ في النفس».

الفن التشكيلي يمثل الحقائق

الفن التشكيلي
                                             فنَّ الرسمِ التشكيلي يعتمدُ على تمثيلِ جميع الحقائقِ الموجودةِ

وتطرَّقت ناتالي إلى دورِ هذا الفنِّ مبينةً أن «فنَّ الرسمِ التشكيلي، يعتمدُ على تمثيلِ جميع الحقائقِ الموجودةِ في الواقع عن طريق رسمِ الأشكال البشريَّة، كما يقومُ بتوضيحِ المفاهيمِ والأفكار التي يعتنقها بعضهم، وفي الثقافاتِ العالميَّة. ولا يختلفُ هذا النوعُ من الفنون عن التيارِ الموجودِ في الحركة التعبيريَّة بالفن، إذ يعدُّ وسيلةً للتعبيرِ عن الأفكارِ والمشاعر، لذا يُطلَقُ عليه اسمُ الفنِّ البصري، ومن مميِّزاته الغموضُ، والاكتشاف، لأنه وسيلةٌ، يمكن من خلالها اكتشافُ أمورٍ، لم نكن نراها من قبل، وطريقةٌ للتعبيرِ عن الذاتِ والمشاعر، وأسلوبٌ لتجسيدِ الطبيعة بناءً على ما يراه الإنسان».
وفيما يخصُّ تأثيرَ الموسيقى الحزينة، تقولُ: «قد يظنُّ بعضهم أن الموسيقى الحزينة تجعلُ الحزنَ أشدَّ وطأةً، لكنْ الحالُ ليست هكذا دائماً. على الرغمِ من أن الفكرةَ شائعةٌ إلا أنها تعدُّ طريقةً للتعبيرِ عن الحزن والتخلُّص منه. هذا هو السببُ الذي يجذبنا للموسيقى الحزينة عندما ننغمسُ في حالاتِ الكآبةِ والحزن ونحن نرسم. هذا، وقد أظهرت دراساتٌ، أجريت على مدى العقدَين الماضيين، أن الدماغَ، والموسيقى لديهما اتِّصالٌ قوي بطريقةٍ فطريَّةٍ، إذ إن الموسيقى لا تعزِّز فقط المشاعرَ الإيجابيَّة، أو تنفِّسُ عن المشاعرِ السلبيَّة، بل وتساعدنا أيضاً في تحليلِ مشاعرنا وإدراكها، بالتالي التعاملُ معها بما يلائمُ الحالةَ والموقف».
وتختمُ ناتالي حديثها بالتأكيدِ على قوَّة العلاقةِ بين الفنَّين قائلةً: «لا يمكن إطلاقاً الفصلُ بين الموسيقى والرسم، فهما فنٌّ واحدٌ، يساعدُ في شفاءِ الروحِ والجسد معاً، ابتداءً من الإيقاعاتِ، والنغماتِ الحيويَّة التي تملأ الأجواء خلال الرسم، ووصولاً إلى الألحانِ الهادئةِ التي تعزِّز تركيزي أثناء لحظاتِ التفكير. للموسيقى تأثيرٌ لا يمكن إنكاره في مشاعرنا ورفاهيَّتنا. لقد تحدَّثتُ من قبل عن قوَّة الموسيقى في الرسم، وكيف يتمُّ استخدامها في كلِّ مكانٍ لردِّ فعلٍ عاطفي معيَّنٍ نظيرَ تأثيرها العلاجي، وقوَّتها في توحيدِ المجتمعات. الرسمُ والموسيقى يتجاوزان الحدودَ اللغويَّة والثقافيَّة، ويتحدَّثان إلى الروحِ مباشرةً، ولهذه اللغةِ العالميَّة القدرةُ على إظهارِ المشاعر، وإحياءِ الذكريات، وحتى التأثيرِ في السلوك. النغماتُ تعالج عقلَ الرسَّام الذي يستجيبُ لمكوِّناتٍ موسيقيَّةٍ مختلفةٍ مثل الإيقاعِ، واللحنِ، والتناغمِ، والكلمات. هذه العلاقةُ المتينةُ بين الرسمِ والموسيقى، أو بين الألحانِ والعقل البشري، هي التي تُشكِّل مزاجنا، وذكرياتنا، وإحساسنا العامَّ بالذات».

الرسمُ والموسيقى يتجاوزان الحدودَ اللغويَّة والثقافيَّة


ينصح بمتابعة معرض القاهرة الدولي للكتاب.. الملحقية الثقافية بمصر تشارك في جناح السعودية.