يُعَد رامبرانت فان راين، أحد أكثر الفنانين إثارة للاهتمام على مَر العصور، تُعرف لوحاته الدرامية المليئة بالتناقضات الجامحة ما بين الضوء والظل، والتي جعلته سيد الضوء والظلال بلا منازع في جميع العصور، فقط ملك حرفية صنع الضوء المبهر من شدة عتمة الظلام، وهي تقنية تُعرف باسم chiaroscuro لاتزال مدهشة حتى الآن كما كانت في القرن السابع عشر.
كان رامبرانت رساماً غزير الإنتاج، امتدت أعماله عبْر مجموعة متنوّعة من الموضوعات؛ فقد رسم لوحات وصوراً تاريخية، ولوحات ذات موضوعات أسطورية ودينية، ومناظر طبيعية وطبيعة صامتة. كانت لوحاته، وخاصة في فترته الأخيرة، متقدمة على عصرها. وقد أنتج أكثر من 300 لوحة، وثلاثمئة نقش، وألفي رسم، بالإضافة إلى العديد من المطبوعات والنقوش. تقع فترة عمله ضمن ما يسمى بالعصر الذهبي الهولندي، وهي فترة ازدهار المجتمع الهولندي وثقافته في القرن السابع عشر؛ نتيجة للتنمية الاقتصادية غير المسبوقة للبلاد. وقد أصبح رامبرانت بذلك الوقت مطلوباً ومشهوراً؛ ليُعَد أعظم رسام هولندي. ولايزال نموذجاً رائعاً للفن الحديث الناشئ في القرن التاسع عشر. بالسياق التالي «سيدتي» تحدثك (من موقع thecollector.com) عن أفضل 6 لوحات شهيرة لرامبرانت فان راين.
دورية الليل متحف أمستردام
اللوحة من القياس الضخم (3.63 × 4.37 أمتار)، وتصور فرقة مرحة من الفرسان من ميليشيا الحرس المدني في أمستردام في عام 1642، يستعدون لبدء جولاتهم في المدينة، على النقيض من المعايير الراسخة لتصوير المجموعات العسكرية، والتي كانت تميل إلى الصلابة والرسوخ والقسوة والتأكيد على مكانة الرتب العسكرية وحزمها. رسم رامبرانت مشهداً يفيض بالأجواء الشخصية والديناميكية؛ حتى أن دورية الليل تبدو كما لو كانت تقفز من قماشها الضخم، وقد تعرضت اللوحة للتخريب عدة مرات على مَر السنين، مع قطع بالسكين وهجوم بحمضٍ ترك ندوباً على التحفة الفنية، إلا أنه ولحسن الحظ، تم ترميم دورية الليل بأمانة لتصل لحالة ممتازة.
درس التشريح للدكتور نيكولاس تولب متحف ريجكس
كُلف رامبرانت برسم هذه اللوحة بالعام 1632، عندما كان يبلغ من العمر 25 عاماً فقط. هذه الصورة الجماعية توضح أحدث ما توصل إليه علم الطب في القرن السابع عشر. تصور اللوحة مجموعة من الجراحين المتدربين، والذين يتشاركون بوضوح نفس التشريح لذات الجثمان، وتبدو اللوحة وهم ينحنون حول بقايا رمادية لجثة متوفاة حديثاً، (ويُقال إن الميت الذي يتم تشريحه أُعدم لأن لحيته ليست مدببة بما فيه الكفاية)، وقد صور رامبرانت مشهداً ديناميكياً لجراحين متدربين يقفون في وضعية ثابتة، ويبدو أن كل جراح متدرب يظهر في المشهد منخرط بدرجات متفاوتة في الانبهار الغريب بما يحدث على لوح التشريح أمامه.
قد ترغبين في التعرُّف إلى: سر العبقري دافنشي الذي صار لُغـزاً بعد 5 قرون
صورة ذاتية بدائرتين متحف ريجكس
في القرن السابع عشر، قبل ظهور تقنية تبادُل الوجوه بالذكاء الاصطناعي بعصرنا الحالي، أتقن رامبرانت فن رسم البورتريه الذاتي من خلال لوحته الشهيرة "بورتريه ذاتي بدائرتين". ففي العالم القديم حيث كانت الصور الذاتية وسيلة للتعبير عن الذات والتأمل، تبرز صورة رامبرانت الذاتية بدائرتين كبيان فني جريء؛ فالتكوين مع رامبرانت لا يلتقط بثبات لوحة الألوان وفرشاته، لرسم صورة فحسب؛ بل يلتقط جوهر ما يعنيه أن تكون فناناً. فالدائرتان، اللتان غالباً ما يناقشهما عشاق الفن، تضيفان لمسة غامضة للتكوين؛ مما يجعل هذه الصورة الذاتية ليست مجرد لقطة سريعة؛ بل استكشاف عميق للهوية.
نقابة تجار الأقمشة متحف ريجكس
تُعَد لوحة نقابات تجار الأقمشة لرامبرانت، تصويراً رائعاً لصناعة النسيج التي كانت مزدهرة في أمستردام في القرن السابع عشر. وغالباً ما يشار إلي تجار الأقمشة باسم "مسؤولو أخذ العينات". تصور هذه اللوحة مجموعة من تجار الأقمشة المنخرطين في التقييم الدقيق للمنسوجات.
لا يحتفل التكوين بحِرفية تجار الأقمشة فحسب؛ بل يؤكد أيضاً على الأهمية الاقتصادية لتجارة القماش المزدهرة في زمن رامبرانت؛ حيث ينعكس السياق التاريخي للوحة بوضوح في التفاصيل الدقيقة؛ حيث تم تصوير كل تاجر بتعبير ووضعية مميزة؛ مما يوفّر لمحة عن الأدوار المجتمعية وديناميكيات صناعة النسيج. لا يسلط استخدام رامبرانت للضوء والظل الضوء على القوام الغني للأقمشة فحسب؛ بل يضيف أيضاً عمقاً إلى كلّ شخصية، مع التأكيد على خصائصها الفردية؛ حيث اللعب بالضوء على السلاسل الذهبية، وطيات القماش، ووجوه تجار النسيج، يُبرز تقنية الضوء والظل المميزة لرامبرانت. يعكس الاهتمام بالتفاصيل في تقييم القماش التزام الفنان بالواقعية، وتحويل التفتيش التجاري الروتيني إلى سرد بصري آسر؛ فتصبح نقابة تجار النسيج أكثر من مجرد صورة جماعية؛ فهي بمثابة وثيقة تاريخية، تقدّم صورة سريعة للأفراد الذين لعبوا أدواراً محورية في صناعة النسيج.
ونحو المزيد عن رمبرانت تابعي الرابط التالي في ذكرى ميلاده: ماذا تعرفين عن سيد الضوء "رمبرانت"؟
عودة الابن الضال متحف ريجكس
اللوحة تُعَد استكشافاً عميقاً لديناميكيات الأسرة والعواطف الإنسانية، وتُظهر مرة أخرى قدرة الفنان الاستثنائية على نقل السرد العميق من خلال رسم البورتريه. وقد استلهم رامبرانت نصاً دينياً لرسم اللوحة، ولكنه لم يتوقف عنده؛ ليمتد بفنه إلى ما هو أبعد من النص الديني. فالسياق التاريخي للعصر الذهبي الهولندي، الذي اتسم بالازدهار الاقتصادي، ينعكس في الملابس والأجواء الفخمة. فالابن الضال، بعد أن بدد ثروته، يعود بملابس ممزقة؛ فيشكل تبايناً مؤثراً للطبقة المحيطة به. ويؤكد هذا الاختيار على وعي رامبرانت الشديد بالتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية في عصره. من الناحية الأسلوبية، يستخدم رامبرانت أسلوبه المميز في استخدام الضوء والظل لصنع لعبة قوية من الضوء والظل. ويسلّط الضوء الدرامي الضوء على الجوهر العاطفي للمشهد، مع التأكيد على تعبيرات الشخصيات. وتساهم نظرة الأب الحنونة، وتواضع الابن الضال، والحضور الغامض للابن المطيع بشكل جماعي، في العمق العاطفي للوحة.
ساسكيا في قبعة حمراء متحف ريجكس
تُعَد اللوحة من أعمال رامبرانت التي تقدّم صورة آسرة ذات لمحة ثاقبة تكرّس للحياة الشخصية والفنية للرسام الشهير. وموضوع اللوحة هو ساسكيا فان أولينبرغ، زوجة رامبرانت وملهمته. وبفضل التفاصيل الرائعة واستخدامه المميز للضوء والظل، لا تَعرض اللوحة جمال ساسكيا الجسدي فحسب؛ بل إنها تلتقط أيضاً جوهر علاقتهما نفسها؛ حيث تبرز ساسكيا على خلفية داكنة، ويضيء ملامحها ضوءٌ خافت. ويصبح اختيار القبعة الحمراء نقطة محورية ترمز إلى العاطفة والقوة. ويعكس الاهتمام الدقيق الذي يوليه رامبرانت للتفاصيل، من الدانتيل الرقيق إلى اللمعان في عيني ساسكيا، التزامه بتصوير فردية وشخصية مواضيعه؛ حيث تُعَد ساسكيا، المزينة بملابس أنيقة، رمزاً للبيئة الثقافية النابضة بالحياة في ذلك الوقت.
ونحو المزيد من أعظم الفنانين يمكنكِ متابعة السياق التالي للتعرُّف إلى: أشهر الرسامين في التاريخ