الحب هو الحقيقة الأبدية في تاريخ البشرية جمعاء باختلاف الأزمان والأماكن. وكثير من الفلاسفة والعلماء والأدباء والشعراء والمفكرين باختلاف مشاربهم وأهوائهم حاولوا تعريفه باعتباره عاطفة إنسـانية تجمع القلوب وتهفو لها النفوس ويتحرك لها الوجدان، لتظل هذه العاطفة المدهشة منهل المتعة الحقيقية وموطئ السعادة الأبدية التي يصبو إليها الجميع، وفق هذا السياق يحتفل العالم اليوم بـ يوم الحب، والذي يوافق 14 فبراير، حيث يسعى كل حبيب للتعبير لشريك حياته عن أهمية وجوده بجانبه ومقدار حبه له بمختلف الطرق.
العرب سعوا لسبر أغوار هذا الشعور المذهل
العرب مثلهم كباقي البشر سعوا لسبر أغوار هذا الشعور المذهل والتعرف إلى ماهيته وما يكتنفه من المشاعر والعواطف، ومن ثمّ فقد حظي في تراثنا العربي بالنصيب الأوفر من التناول الإبداعي، حيث نجد التراث العربي زاخراً بالعديد من قصص الحب والعشق والهيام التي خلّدت أسمى المشاعر الإنسانية، في الشعر والأدب والقصص والحكايات وفي مختلف أنواع الفنون والتي حكت قصص أبطالها، منهم من كان نصيبه النهاية السعيدة ومنهم من مات محطم الفؤاد.
بالسياق التالي "سيدتي" تشاركك الاحتفال بيوم الحب وتقدم لك 5 من قصص الحب من أنماط الحب في التراث العربي بمناسبة هذا اليوم.
للحب قصص وحكايات في تراثنا العربي
وأبرز هذه القصص أو ثنائيات الحب في التراث العربي كان أبطالها في الغالب شعراء ومنها :
قصة حب عنترة وعبلة
وهي من القصص الشهيرة وبطلها عنترة بن شداد من قبيلة بني عبس الشاعر المعروف والفارس الشهير الذي تحولت حياته إلى "سيرة" شعبية ولا تزال حية، وجزء من هذه الحياة كان بسبب قصة حبه لعبلة ابنة عمه مالك، وقد ورد أن مالك عندما أراد أن يعجز عنترة عن الزواج بـعبلة، طلب منه أن يكون مهرها 100 ناقة، من النوق العصافير، التى يملكها الملك الشهير النعمان بن المنذر، وقد خاض عنترة المصاعب من أجل ذلك، وقع فى الأسر وحارب العرب والفرس، وقد ذكر عنترة عبلة في أشعاره كثيراً، ومعلقته الشهيرة، كقوله:
"يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي"
ومن قصائد عنترة بن شداد لعبلة
يا عَبلَ إِنَّ هَواكِ قَد جازَ المَدى .. يا عَبلَ إِنَّ هَواكِ قَد جازَ المَدى
وَأَنا المُعَنّى فيكِ مِن دونِ الوَرى.. يا عَبلَ حُبُّكِ في عِظامي مَع دَمي
لَمّا جَرَت روحي بِجِسمي قَد جَرى..وَلَقَد عَلِقتُ بِذَيلِ مَن فَخَرَت بِهِ
عَبسٌ وَسَيفُ أَبيهِ أَفنى حِميَرا.. يا شَأسُ جِرني مِن غَرامٍ قاتِلٍ
قيس بن الملوح وليلى
ومن قصص الحب كذلك، قصة قيس بن الملوح الذي عشق ابنة عمه ليلى بنت مهدي بن ربيعة بن عامر المقبة بـ "ليلى العامرية" وعاشا في البادية بنجد في العصر الأموي، حيث يبدأ الحب في المرابع، وكانت لهما طفولة مشتركة وقد أحبها في سن صغيرة، ولما كبرت حجبت عنه لكنه ظل على حبها وعندما شاعت القصة بين الناس غضب والدها وقام بتزويجها من آخر. فعلت الصدمة فعلها بقيس الذي هام في الوديان ويبكي ويكلم نفسه حتى لقب بـ"مجنون ليلى" لعشقه الشديد لابنة عمه، فبدأت القصة الملهمة التي دخلت التاريخ، قصة مجنون ليلى التي فيها حب غير عادي، فالرجل فعل فيه الهيام الكثير، فقد أصبح يطارد الجبال والوهاد ويمزق الثياب ويستوحش من الناس ويكلم نفسه.
وقد أنشد قيس العديد من القصائد في عشق محبوبته:
من هذه القصائد ما أنشده عندما صفعه والده بعد أن تعلق بأستار الكعبة ويقول فيها:
ذكرتك والحجيج له ضجيج .. بمكة والقلوب لها وجيب
فقلت ونحن في بلد حرام.. به لله أُخُلصت القلوب
أتوب إليك يا رحمن مما..عملت فقد تظاهرت الذنوب
وأما من هوى ليلى وتركي.. زيارتها فإني لا أتوب
وكيف وعندها قلبي رهين..أتوب إليك منها وأنيب
وعاد للبرية لا يأكل إلا العشب وينام مع الظباء، إلى أن ألفته الوحوش وصارت لا تنفر منه كما يرد في القصة "الأسطورة" وقد بلغ حدود الشام، وكان يعرف علته برغم
"جنونه" فقد رد على أحد سائليه بقوله:
كان القلب ليلة قيل يُغدى.. بليلى العامرية أو يراحُ
قطاة عزها شرك فباتت..تجاذبه وقد علِق الجناح
وقد خطّ قبل موته بيتين من الشعر تركهما وراءه، وهما:
تَوَسَّدَ أحجارَ المهامِهِ والقفرِ.. وماتَ جريح القلبِ مندملَ الصدرِ
فياليت هذا الحِبَّ يعشقُ مرةً.. فيعلمَ ما يلقى المُحِبُّ من الهجرِ
ويمكنك متابعة الرابط التالي للتعرف إلى: من يوم الحب إلى محكمة العشاق وتصالح المحبين
جميل بثينة
حدثت قصة جميل بثينة في العصرالأموي، وقد أحب بثينة وكلاهما من بني عذرة مع اختلاف الفرع، وقد تقابلا في مرابع الإبل في مشادة بينهما بسبب الهجن في البداية انتهت إلى إعجاب ثم هيام، ولم ينل وطره من بثينة، إذ مانعه أهلها وقومها رفضوا طلبه للزواج بها وسارعوا إلى تزويجها بآخر، لم تهدأ المشاعر واستمرت اللقاءات السرية حتى نوى أهلها قتله، فضاق الحال بجميل فسافر إلى اليمن لأخواله، ثم عاد إلى مرابع الأهل في وادي القرى لاحقاً من دون أن ينسى هواه، فوجد أن بثينة قد غادرت مع أهلها إلى الشام، فقرر أن يهاجر إلى مصر وظل هناك إلى أن مات يتذكر حبه القديم.
ومن القصائد التي أنشدها بحب بثينة:
وما ذكرتك النفس يا بثينة مرة .. من الدهر إلا كادت النفس تتلف
وإلا علتني عبرة واستكانة.. وفاض لها جار من الدمع يذرف
تعلقتها والنفس مني صحيحة.. فما زال ينمى حب جمل وتضعف
إلى اليوم حتى سلّ جسمي وشفني.. وأنكرت من نفسي الذي كانت أعرف
وقيل إن بثينة عرفت بالخبر ففجعت وأنشدت شعراً في رثاء الحبيب المكلوم، وفي نهاية الأمر فإن القصة أخذت طابعاً أسطورياً وجمالياً أكثر من عمقها الحقيقي، مثلها مثل كل قصص الحب عند العرب.
ويمكنك كذلك الاطلاع على: أفضل 10 كلمات رومانسية ليوم الحب
قيس بن ذريح ولبنى
من القصص الشهيرة حكاية قيس آخر، هو قيس بن ذريح الذي عشق لبنى في زمن معاوية، ويلقب بمجنون لبنى، و قيس كان ابن أحد أثرياء البادية وحين التقى صدفة بلبنى هام بها حباً و تزوجا، لكن لبنى كانت عاقراً فأصر أهله أن يتزوج بأخرى أو يطلقها، ولكنه عاند وحاول الصمود، ولكنه في نهاية المطاف قام بتطليقها، فرحلت إلى أهلها في مكة، و تختلف النهاية، فمنهم من يقول بأنهما لم يلتقيا مجدداً بعد أن تزوج كل واحد منهما، ومنهم من يقول بأن زوج لبنى الجديد طلقها فعادت إلى قيس.
قصيدة "وَيَقُرُّ عَيني وَهيَ نازِحَةٌ"
وَيَقُرُّ عَيني وَهيَ نازِحَةٌ
مالا يَقُرُّ بِعَينِ ذي الحِلمِ
أَنّي أَرى وَأَظُنُّها سَتَرى
وَضَحَ النَهارِ وَعالِيَ النَجمِ
قصيدة "بَكَيتُ نَعَم بَكَيتُ وَكُلُّ إِلفٍ"
بَكَيتُ نَعَم بَكَيتُ وَكُلُّ إِلفٍ..إِذا بانَت قَرينَتُهُ بَكاها
وَما فارَقتُ لُبنى عَن تَقالٍ..وَلَكِن شِقوَةٌ بَلَغَت مَداها
قد ترغبين في التعرف إلى: لماذا نقع في الحب من أول نظرة؟
ابن رهيمة وزينب
عرف ابن رهيمة بأنه من شعراء الغزل العفيف وإن لم ينل الاهتمام الكافي به في التراث الأدبي، وقد كانت محبوبته زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن، وبعد أن شاع أمر عشقه فقد استعداه هشام بن عبد الملك، فأمر بضربه 500 سوط وأن يباح دمه إن عاد لذكرها، فهرب وظل ينظم القصائد في هواها.
ومن القصائد التي نظمها بعد هروبه:
إن كنت أطردتني ظالماً لقد كشف الله ما أرهبُ
ولو نلت مني ما تشتهي لقلّ إذا رضيت زينبُ
وما شئت فاصنعه بي بعد ذا فحبي لزينب لا يذهبُ
ويرجح أنه لم يطرق قلبه الهوى إلا في سن كبيرة لما أورده شعراً:
أقْصدت زينبُ قلبي بعدما ذهب الباطل عني والغزل
وعلا المفرق شيبٌ شاملٌ واضحٌ في الرأسِ مني واشتعل
وقد عرف في شعره بالوضوح والصراحة، كقوله:
إنما زينب همي بأبي تلك وأمي
بأبي زينب لا أكني ولكني أسمي
بأبي زينب مِن قاضِ قضى عمداً بظلمي
بأبي من ليس لي في قلبه قيراط رحمِ
اللافت بهذه القصة الرومانسية الحزينة في مأساة ابن رهمية أن قصته كانت من طرف واحد، ما زاده ألماً وجعله يعيش وحشته كما في قوله:
أقْصدت زينبُ قلبي وسَبَت عقلي ولُبي
تركتني مستهاماً أستغيُث الله ربي
ولها عندى ذنوبٌ في تنائيها وقربي!!
ونحو المزيد من ذات السياق يمكنك متابعة الرابط: قصص حب حقيقية خلدها التاريخ
