تدهور الأخلاق في مجتمعاتنا لم يعد بحاجة إلى الكثير من العناء لإثباته، فما بين ما يُرى ويُسمع ويُشاهد هناك العديد من الأحداث اليومية التي يتضمن محتواها عدداً من السلبيات الأخلاقية كحوادث التحرش والرشوة والنفاق والكذب والسرقة والإدمان، كذلك أصبحنا نرى الشباب يتلفظون بأبشع السباب في المدارس والطرقات العامة وداخل المنازل.
عند التأمل في الواقع الحالي نجد حزن العديد من أولياء الأمور من الآباء والأمهات على ما يشاهدوه من انهيار أخلاقي ينتاب منظومة القيم الاجتماعية والمعايير الأخلاقية ويقود المجتمع نحو التدهور، فقد أصبحوا يتمنون عودة "زمن الطيبين" زمن الأجداد المليء بالقيم الأخلاقية الجميلة، ذلك الزمن الذي كان يؤكد قيم التماسك والتعاون والتضامن والمحبة والتسامح والأمانة والالتزام والأدب، حيث كان احترام الفرد لأخيه يعتمد على القيم الجوهرية والركيزة الأساسية في بناء المجتمع والمحرك الفعال في تقدمه ورقيه، على عكس ما نجده من ضياع وغياب للأخلاق التي تعتبر مؤشراً يؤكد انهيار الأخلاق والقيم في مجتمعاتنا.
"سيِّدتي" التقت الأستاذة نسرين عبدالقادر حسين الرديني، مديرة إدارة النشاط النسائي في جمعية "واعي" بالرياض، ومستشارة اجتماعيه في الإدارة والقيادة، للحديث عن سبب تدهور الأخلاق وكيفية استعادتها، حيث بدأت الحديث عن عوامل التدهور الأخلاقي
وقالت : أرى أن المجتمعات الإسلامية تعاني من أزمة أخلاقية بشكل عام، وهذا يعني نقصاً حاداً في القيم والممارسات الأخلاقية الجيدة التي دعا إليها الإسلام، خاصة أن ديننا دين الأخلاق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ".
ومن أهم العوامل التي أدت إلى التدهور الأخلاقي:
1. ضعف التدين في نفوس المسلمين والتصور الخاطئ لشرائع الإسلام وأحكامه وروحه.
2. غياب القدوة الصالحة في الكثير من المجالات.
3. طغيان الجانب المادي والاهتمامات الدنيوية في العلاقات والأعمال لتكون المعاملات بناء على المصالح المتبادلة الدنيوية أو حتى المصالح الفردية دون التبادل النفعي، وهذا من أسوأ الصور التي نرى فيها من يسيء للإنسانية أو للبيئة ذاهباً وراء مصلحته الشخصية.
4. قلة البرامج التوعوية والأنشطة التي تُعنى بالجانب الأخلاقي، وقلة التربية الخلقية في مناهج التعليم على كافة المستويات.
5. ازدواجية المعايير القيّمة في المجتمع الواحد، فما كنا نعرفه بأنه حرام أصبح البعض ينادي به، ويقدمه على أنه من صور التقدم والحضارة حتى أصبح المجتمع في حيرة أخلاقية لا يميز بين الصواب والخطأ، إضافة إلى أن الجهل بالدين وأخلاقياته وحضارته وعدم سن أنظمة تحافظ على المبادئ والقيم الأخلاقية العامة وعدم إيقاع العقوبات المناسبة على مرتكبي الجرائم الأخلاقية المتجددة يعزز التدهور الأخلاقي .
• وتؤكد: انتشرت مظاهر الفوضى الأخلاقية بصورة واضحة فالفوضى الأخلاقية للأسف كثيرة ومتنوعة في كل المجالات، فقد نجدها في محيط الأسرة حيث العقوق وعدم احترام الكبير أو الإشفاق على الصغير، ونجدها في محيط المجتمع من شرب الخمر والإدمان والمغازلة والسرعة والتعامل السيئ مع الممتلكات العامة، كذلك نجدها في السياحة والنزهة من سوء ترك الأماكن وتدهورها، كما نجدها داخل محيط ومجتمع المدرسة من سوء احترام المعلم وعدم تقدير جهوده والتنمر بين الطالبات والطلاب والتنابز بالألقاب، وفي العمل أيضاً نجد غياب الأخلاق في المعاملات والتهاون في حقوق المراجعين، فالمظاهر يصعب حصرها، ولكن غيض من فيض للتذكير والتنبه من مخاطر بعض السلوكيات التي نحسبها بسيطة لا تؤثر وهي تنخر في مجتمعاتنا.
• وعن كيفية إمكانية استعادة الأخلاق من وجهة نظرها تؤكد: المخرَج موضَّح في كتاب الله تعالى وفي سُنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يتلخص في ثلاثة نصوص عبارة عن آيتين وحديث، فقد قال الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ "سورة الرعد:11.
وتفسير الآية يقول: إنْ غيَّروا أنفسهم نحو الخير غيَّر الله حالهم نحو الخير، وإن غيَّروا أنفسهم نحو الشر غيَّر الله حالهم نحو الشر، وما أصابنا وأصاب العالم من خير فمن الله، وما أصابنا من سوء فبما كسبت أيدي الناس، وبسبب بعدهم عن تعاليم خالقهم ورازقهم سبحانه وتعالى الذي يريد لهم الخير، وهم يريدون لأنفسهم الشر، وأفضل الكلام قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: " تركتُ فيكم ما إنْ تمسَّكتم به، لن تضلُّوا: كتابَ الله، وسُنَّة نبيِّكم".
ومن هنا يجب على الأسرة العودة للترابط والتربية الجادة حتى تحصن الجيل من كل ما يحدق به من المخاطر وعلى رأسها الإعلام المسيء، ويجب على أولياء الأمور أيضاً إقامة علاقة صداقة حقيقية مع الأبناء مبنية على الثقة والاحترام المتبادلين ليستطيعوا الدخول إلى عالم أبنائهم ويقوموه.
تابعوا ملفاً موسعاً حول موضوع تمزيق الكتب المدرسية في عدد "سيدتي" المقبل.