فيما أشار بعض النقاد إلى محاولة بعض المسلسلات المصرية تحسين صورة ضباط ورجال الأمن المصري من خلال إظهارهم بصورة نقية ومثالية، بصورة الأبطال الشجعان الذين يجازفون بحياتهم من أجل استتاب الأمن والإستقرار والعدالة، إلا إن كثيرين لم يلتفتوا إلى أعمال أخرى أظهرت الشرطي على النقيض تماماً من هذه الصورة، وكانت شبه واقعية، فحادثة تعذيب الناشط البريء خالد سعيد الذي توفي في مركز أمني قبل ثورة 25 يناير في مصر، ظهرت مشهد درامي مطابق للحادث تماما بمشهد تعذيب الضابط لحبيشة (محمد رمضان) بوسائل عدة لإجباره على الإعتراف بجريمة لم يرتكبها، وكاد أن يموت بين يديه لولا مجيء ضابط آخرشريف وأنقذه في آخر لحظة، ليقدم هذا المشهد نموذجين واقعيين نقيضين لرجال الأمن العام، موجودين في كافة دول العالم.
السلطة لها الكلمة الأولى على رجال الشرطة في "ابن الحلال"
البداية مع مسلسل "ابن الحلال" حيث تبدأ الأحداث بحبيشة الشاب الفقير الصعيدي الذي تورطه الظروف بجريمة قتل لا يد له فيها لمجرد أن شهامته قادته إلى تلبية صوت استغاثة، حين قام نايل إبن مسؤول حكومي كبير بقتل صديقته بهستيريا عدة طعنات، وحين رأته صديقتها طعنها وفر هاربا، فأنقذها حبيشة من الموت لكنه اتهم بجريمة قتل صديقتها يسر، وبأوامر عليا من سعد مدير مكتب المسؤول الحكومي الكبير يعذب أحد الضباط حبيشة بوحشية، ويعلقه بأنبوبة غاز قد تنفجر لإجباره على الإعتراف، ويتواطأ رئيسه معه أيضا، وحين يتدخل ضابط شريف عن طريق الصحفية لإطلاق سراحه، يتم بعد يوم واحد إلقاء القبض عليه مرة ثانية وإكراهه على الإعتراف، وهنا يبرز هذا العمل أن للسلطة والواسطة لا العدالة والقانون الكلمة الأولى أحياناً.
والرشوة هنا ليست المال بل رضاء المسؤول الذي بيده ترقية هذا الضابط أو إقالته أو نقله إلى منطقة نائية والقضاء على مستقبله المهني.
وزير الداخلية يستغل منصبه في "صاحب السعادة"
رغم أن الجمهور في الحلقات الأولى ظن أن وزير الداخلية الصارم المنضبط خالد زكي منح صورة ملائكية مبالغ بها لوزراء الداخلية، عندما عاقب زوجته اللواء مديرة مصلحة الجوازات (نهال عنبر) لخطأ بسيط ارتكبته بإصدارها جواز سفر لطفل كان نتيجته خطف والده له وسفره به للخارج بعيداً عن والدته وطليقته الإعلامية الشهيرة (لقاء سويدان) التي فضحت هذا الخطأ علنا في برنامجها فاضطر إلى تبييض صفحته أمام الرأي العام، وبتركه إبنه الضابط يخدم كالضباط العاديين في مناطق ريفية دون أن يعلم رؤسائه إنه إبنه ، وهذا سلوك خاص من إبنه لا سلوك تم بتوجيهاته هو، إلا أنه في الحلقة الـ22 تنازل عن مبادئه الحديدية، واستغل نفوذه في الداخلية فأرسل ضابط ورجال أمن يفتشون مكتب المأذون الذي سيعقد قران إبنه سيف على بوسي إبنة بهجت بيك (عادل إمام) رغما عنه بهدف منعه من الذهاب لفيللا بهجت وعقد القران، ويحرك مجلس إدارة البنك ضد بهجت ليطالبوا فجأة بدينه عليه، ويحجز على فيللته، ويطرد بهجت وأبنائه من بيتهم، ويلغى عقد القران والزفاف كما أراد الوزير الذي استغل منصبه العام في أمور شخصية.
الشرطي جبان ومتهور في "دهشة"
وأبرز المسلسل الصعيدي"دهشة" صورتين مختلفتين للضابط والشرطي في الريف ، فالضابط الوحيد رغم عدم وجود رجال أمن كثر معه سوى شرطي وحيد من أهل دهشة: زعبر (علاء عوض) الجبان الخائف طوال الوقت، لا يخاف سطوة ونفوذ الباسل بتشجيع من والده، ويقتحم منزل الباسل (يحيى الفخراني) بحثاً عن السلاح، ولا ييأس رغم الإهانة التي تلقاها منه بنزعه سلاحه منه وثيابه عنه، فيعاود الكرة ثانية ويحاول وضع يده على السلاح وأخذه من العمدة الطامع عامر (ياسر جلال) الذي يقتله برصاصة غادرة بعد أن يفر الشرطي الجبان زعبر من المكان لخوفه من أن يقتل هو أيضاً، ويجعله الخوف وهو رجل أمن، يتستر على المجرم ولا يفضح أمره أو يقبض عليه، فيخون شرف واجبه لحماية نفسه وأسرته.
وهذا السلوك المتهور لا الشجاع غير منطقي، كيف يتوجه ضابط واحد في عملية مصادرة كمية سلاح هائلة يعرف إنها بيد العمدة ورجاله؟ فيه استخفاف واضح من المؤلف، فمن غير المنطقي تعيين ضابط على رجل أمن واحد في منطقة صعيدية فيها مناطق ثأر بالسلاح، وكان من المفترض الإلتفات إلى هذه النقطة جيداً،فكل الأعمال الصعيدية والريفية كان المركز الأمني في المنطقة زاخر بضابط ومجموعة وفيرة من رجال الأمن،فأبرزت نموذج الضابط المتهور،ونموذج الشرطي الجبان الساكت عن الحق في عمل واحد.
ضابط ينتزع إعتراف المتهم بالرصاص في "عد تنازلي"
ولكن النموذج السلبي الأقوى دراميا لضابط الشرطة جاء في مسلسل "عد تنازلي" عبر ضابط الشرطة حمزة (طارق لطفي) الذي يتسبب باندفاعه الخاطىء في تنفيذ ما يراه من وجهة نظره صائبا في تحول سليم (عمرو يوسف) إلى الإرهاب، بعد مقتل نجله الوحيد، ويظن أن الشرطة قتلته بالخطأ، واتجه إلى التعامل مع جماعة إرهابية يستغل فيها موهبته كمهندس في صناعة قنبلة لها بهدف تفجير موقع حساس بالدولة.
ويظهر الضابط جانبا سلبيا آخر عندما يستجوب إرهابيا ليعرف مخططات جماعته الإجرامية فينتزع إعترافاته بإطلاق الرصاص على فخذه بدلا من الضرب أو التعذيب البدني، وهذا بالطبع غير قانوني وغير جائز .
كما يحاول الضابط ذاته إستغلال خوف سليم على والده المريض بابتزازه عبر إجباره على تسليم نفسه حتى يسمح له برؤية والده المحتضر قبل وفاته، وهذه وسيلة غير شريفة نادرا ما يتم استخدامها في الواقع.
رئيس حرس الخديوي اسماعيل قاتل خفي في "سرايا عابدين"
وحتى المسلسلات التاريخية لا تخلو من النماذج السلبية أيضاً فرئيس الحرس الملكي عليوة (مجدي بدر) المفترض به حراسة الخديوي اسماعيل وزوجاته وجواريه وأهل عابدين جميعاً ، فإنه يظهر كقاتل مرتزق يقتل ويدبر مؤمرات لمن يدفع أكثر، وولاؤه الأول لمصلحته الشخصية ولجيبه لا للخديوي اسماعيل الذي رفعه من سفرجي بسيط وخادم إلى رئيس حرسه الخاص في القصر حيث ينفذ أوامر الملكة خوشيار (يسرا) ويقتل زوج نازلي هانم (كارمن لبس) مقابل مكافأة مالية كبيرة، وغير المنطقي مسامحة الخديوي له على هذه الخيانة الكبيرة ،اذ أبقاه في منصبه، وصدق وعده له بإنه لن ينفذ أوامر أحد غيره في القصر، فيتآمر ثانية في الحلقتين الـ22 و23 مع الملكة خوشيار على خطف شمس قادين (غادة عادل) عبر إرسال استدعاء مزيف لها للإختلاء بالخديوي اسماعيل بنية خطفها وإرسالها إلى اسطنبول كهدية ملكية من الخديوي للسلطان عبد العزيز في الاستانة، وهذا أول نموذج سلبي يظهر في عمل تاريخي لرئيس حرس حاكم، والواقع غير ذلك حيث يختار رئيس الحرس بدقة بالغة،ويمر باختبارات عديدة،ويظل رئيس الحرس الأكثر إخلاصا للحاكم للنهاية في العصور القديمة والحالية حتى لو انقلب الجميع عليه.