من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يتم تغيير الأعراف والعادات والتقاليد، التي عاش عليها أجدادنا وآباؤنا، وحفرت داخل كل بيت، وتحكمنا منذ مئات الأعوام، فالعرف يتساوى مع قوة القانون، وهناك العديد من الملفات الشائكة والقضايا الحساسة، منها موضوع «العصمة بيد الزوجة»، فعندما تشترط المرأة قبل عقد نكاحها أن تكون العصمة بيدها، وتملك هي وحدها زمام الأمور وقرار الطلاق أو الاستمرار، ماذا يقال عنها؟ وما هو شعور زوجها نحو ذلك؟ وما هي ردة فعل المجتمع؟ وما رأي القانون؟ وهل المرأة التي تطلب أن تكون العصمة بيدها مريضة نفسية؟ كل ذلك وأكثر يجيب عنه أفراد المجتمع والمختصون في هذه السطور.
قال المهندس الصناعي، فارس الدعجاني «25 عاماً»: «لن أوافق إطلاقاً، ومهما كانت الظروف، على أن تشترط زوجتي أن تكون العصمة بيدها، وذلك لعدة أسباب، من أهمها: أن الله سبحانه وتعالى فرق بين الرجل والمرأة من حيث القوامة، وجعلها من حق الرجل، كما أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وصف النساء بناقصات العقل والدين، وهذا لا يعيبهن بل يزيدهن فخراً كونهن أكثر عاطفة، ويحكمن على الأمور بمنظور مختلف عن منظور الرجل، الذي يحكم عقله أكثر، وأخيراً أنا لا أقبل أن أكون تابعاً، أو مجرد زوج على ورق، ولا أملك قراراتي، على الرغم من امتلاكي القوامة».
• لا أملك الجرأة
وقالت لنا المحاسبة، إيثار أحمد «20 عاماً»: «لا أجرؤ على اشتراط هذا الشرط على زوجي المستقبلي، ولا أحترم المرأة التي تطلب هذا الطلب، مهما كانت مبرراتها وظروفها، وعلى الرغم من أنني اعتدت احترام وجهات النظر المختلفة، إلا أنني أنظر إلى هذه القضية من منظور أحادي، وهو رفض بات أن تكون العصمة بيد الزوجة».
• شرط مرفوض
ورفض مهندس الكهرباء، خالد مكي «27 عاماً» هذا الأمر قائلاً: «إذا طلبت زوجتي قبل زواجنا هذا الشرط ولو على سبيل المزاح، فستنتهي علاقتنا للأبد، حتى وإن كانت هي كل حياتي، فلن أضع كرامتي أبداً تحت رحمة أي امرأة، وكما خلقت سأكون حتى أموت، ففي الشرع والعرف ولدى الناس كافة، إلا الشواذ، تكون العصمة بيد الرجل، ولا أحتاج لشرح الأسباب؛ لأنها معلومة لدى الجميع، ولن أقبل بأن أتزوج من امرأة تجردني من قوامتي بسبب عقدها النفسية أو لأي سبب آخر».
• لا أستطيع ولكن
أما معلمة الحاسب الآلي، أمل الخليلي «24 عاماً» فقالت: « لكل شخص ظروفه، ولا أستطيع الحكم على حياة الآخرين، ولا أنبذ امرأة طلبت أن تكون العصمة بيدها، فقد تكون تزوجت أكثر من زيجة وفشلت، وانتهى أمرها بالطلاق فطلبت ذلك للاستقرار والله أعلم، أو قد تكون الزوجة على علم بأن زوجها سريع الغضب، وقد يطلقها أثناء غضبه؛ وللاحتفاظ به طلبت العصمة، فلكل حالة ظروفها الخاصة، ولا نستطيع أن نحكم على غيرنا من وراء البرواز».
• رفض المجتمع
تحدثت معنا الأخصائية الاجتماعية بمستشفى قوى الأمن، نجوى فرج، حيث قالت: «المجتمع ينظر إلى المرأة التي تطلب أن تكون العصمة بيدها نظرة اشمئزاز، وإن كان هذا الطلب موجوداً ولكن بشكل محدود جداً، ويرفض المجتمع المرأة التي تتشبه بالرجال، ومن كثرة مطالبتها بالمساواة نسيت أنوثتها، وعاشت دور الرجل بأنها الآمر الناهي، وأنها من ستحكم زوجها، وبطلبها للعصمة سيكون زوجها خاتماً في إصبعها، ولا أرى أن من الذكاء أن تطلب المرأة هذا الطلب، معتقدة أن زوجها بذلك لن يهينها، أو سيكون مجبراً على معاملتها بالمعروف، فالزوج سيتعامل بلا مبالاة، وعندها ستشعر المرأة بأنها لا شيء، وأنها لم تصل إلى الأنثى الكاملة، ولم تكن الرجل الكامل، كما أنها لن تضمن ولاء زوجها لوجود العصمة بيدها، إذ سيظل يفعل ما يريد وقتما يريد، فليس هناك ما يجبر الرجل على البقاء، وإذا أراد الرحيل فسيرحل ولن تربطه عصمة المرأة، أو كثرة الأطفال، أو غيرها من الأمور، والذي يربط الرجل ببيته المعاملة الطيبة، والعشرة الحسنة والوجه البشوش».
• اثنان لا تملكهما المرأة
كما تحدث معنا المستشار القانوني، بدر الدبيان حول هذه القضية قائلاً: «لا يوجد في القانون ما ينص على أحقية الزوجة بالعصمة، ولن يرضخ القانون لمثل هذه الطلبات، فهو منفذ لشرع الله ومطبق له على الأرض، وعلى كافة الخلق بالمساواة، والمرأة لا يحق لها اثنان في نظر القانون، وهما: العصمة والولاية إلا إذا طلقها الرجل وهو مدمن، فتكون الولاية للأم على أطفالها في حالة بقائه حياً، أما القانون فلا ينظر للمرأة التي تكون العصمة بيدها بأنها سوية، وذلك لأن الله حفظ لها حقوقها بالطلاق أو الخلع».
• ظروف قاسية
فسر لنا أخصائي الطب النفسي، الدكتور عبد الرحمن الدخيل هذا الأمر بقوله: «المرأة التي تطلب وتشترط أن تكون العصمة بيدها ليس شرطاً أن تكون غير سوية، فقد تكون تعرضت إلى ضغوطات وحوادث حية من حولها، وعايشت تجارب المحيطين الفاشلة، وحصدت النتائج القاسية لزيجات من حولها، فتم تخزين وترسيخ ذلك في ذاكرتها، وكبرت معها المشاهد القاسية، وأرادت أن تهرب من فشل زواجها وعدم استقراره، وأن تحفظ زوجها من خلال قدرتها على تطليق نفسها من زوجها، وقد تكون عاشت حياة غير مستقرة بعد طلاق والدها ووالدتها، أو تعرضت لمضايقات من زوج أمها، أو لمست جرح أختها التي طلقها زوجها وهرب بأبنائه، فهناك مواقف عديدة ومشاكل كثيرة قد تؤثر على نفسية الفتاة، وهنا تقسم الفتيات إلى قسمين، وهما: عازفات عن الزواج، أو طالبات بأن يحكمن ويطلقن أزواجهن وقتما يردن، ذلك باشتراط أن تكون العصمة بأيديهن قبل الزواج».
• لا يجوز اشتراطها
الدكتورة منى الراجح، حاصلة على درجة الدكتوراه في الفقه بجامعة الإمام ،كلية الشريعة، قالت حول الموضوع: «الاشتراط قبل عقد النكاح لا يجوز بما يفضي بمقتضيات عقد النكاح، فللمرأة الحق أن تشترط قبل عقد نكاحها كأن تكمل تعليمها أولا تسافر خارج بلدها أو تخرج للعمل، ولكن اشتراطها أن تكون العصمة بيدها فلا يجوز؛ لأنها تفضي بأحد شروط الزواج، وهو شرط القوامة الذي ذكره الله جل وعلا حين قال في محكم كتابه: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ» وللرجل الحق في عقد النكاح أو إحلاله، إلا إذا فوض زوجته في تطليق نفسها ووكلها بذلك، كأن يقول لها: «أمرك بيدك» أو «وكلتك الأمر في تطليق نفسك» أو «فوضتك لتطليق نفسك»، وقد اختلفت المذاهب في هذا الشأن، فبعضها أجاز ذلك وفقاً لما حدث مع زوجات الرسول عندما خيرهن بالبقاء معه وهو قليل المال، أو أن يسرحن أنفسهن، أما قبل عقد النكاح عند جمهور الفقهاء فلا يجوز للمرأة أن تشترط على زوجها ذلك.