(دعها تمر) مقولة اعتادها رجال الأمن في اليمن للسيارة التي يوجد فيها امرأة أو تقودها امرأة؛ بسبب ثقافة (العيب) التي تحكم الخناق على رجال الأمن، وتجعلهم لا يعترضون السيارات التي على متنها نساء؛ بحكم عادات وتقاليد المجتمع، ومن سيقدم على ذلك الفعل سيجني على نفسه العار، ولن يفلت من العقاب؛ لأن التعرض لها خط أحمر. هذا الاحترام الذي تحظى به المرأة اليمنية عادة حسنة، لكنها قد تكون أحياناً سيئة، خاصة أن هناك من يستغل تلك القيمة الاجتماعية النبيلة؛ لتحقيق مآرب غير شرعية عن طريق المرأة.
جرت العادة ألا تقوم الشرطة بتفتيش النساء في النقط الأمنية، أو توقيف السيارات التي بداخلها امرأة أو أكثر، حتى لو كانت تلك السيارة تحمل مخدرات أو أي مقتنيات ممنوعة أو مشبوهة. إذ لا مجال للمجازفة بالحديث عن أي تجاوز أو خرق لتلك القيمة أو ذاك المبدأ، غير أنه بالإمكان الحد من استغلاله في سلوكيات وممارسات تضر بالمجتمع، وبالمقابل تسيء إلى المرأة ومكانتها.
يقول محمد الصوفي، مساعد إحدى النقاط بأمانة العاصمة: «لا نقوم بتوقيف السيارة التي على متنها امرأة أو مجموعة من النساء، وهذا في الواقع يأتي من منطلق عادات وتقاليد المجتمع، التي أعطت المرأة مكانة واحتراماً كبيراً، يجبرنا على عدم تفتيش تلك السيارة، حتى وإن كنا نشك في أمرها ونكتفي بفحصها من الخارج، وهذا بالطبع ليس كافياً؛ لأنها قد تكون محملة بأسلحة وممنوعات، لكن عادات وتقاليد المجتمع تضعنا في محك صعب».
عقاب غير مبرر
في نقطة أمنية أخرى، يقول الجندي صدام محمود: «لا يمكننا القيام بتفتيش أي سيارة فيها عوائل، علاوة على أنّ حالات حدثت في إحداها أن أفراداً من زملائنا اشتبهوا بسيارة تقل عوائل، ولاحظوا وجود سلاح فيها، وحين حاولوا تفتيشها جاءتهم توجيهات بالسّماح لها بالعبور، وكان جزاؤهم الحبس».
في نقطة شارع تعز، بالعاصمة صنعاء، يقف ضابط المرور محمد سعيد لأداء واجبه، في تفتيش السيارات الداخلة إلى المدينة، ويتساهل كثيراً مع سيارات الأجرة، ويشدد رقابته على السيارات الفارهة، لكنه لا يستطيع أن يقوم بتفتيش تلك السيارات التي على متنها امرأة، حتى وإن كان صاحب تلك السيارات لا يمتلك رخصة السيارة، أو قد تكون ليست ملكه، ويقول: «صحيح أن احترام المرأة أمر مفروغ منه، خاصة عندما تكون على متن تلك السيارة امرأة، لكن ذلك الاحترام الذي يجبر رجل المرور والأمن على عدم تفتيش السيارة التي تقل على متنها نساء، قد يتسبب بجريمة إنسانية لا تحمد عقباها».
الشرطة النسائية ضرورة
رجال أمن ونساء يرون أن الشرطة النسائية، التي ظهرت في السنوات الأخيرة في الكثير من المرافق الحكومية لتفتيش النساء، أصبحت من الضرورة أن توجد في النقاط الأمنية.
الضابط الأمني محمد الخطاب يؤكد ضرورة وجود الشرطة النسائية في النقاط الأمنية؛ لتوفر علينا مسألة التقيد بعادات وتقاليد المجتمع، وتقطع الطريق أمام من تسوّل له نفسه العبث بالبلاد والقيام بعمليات إرهابية وتخريبية، أو تمرير ممنوعات وأسلحة وغيرها، ويستخدمون المرأة غطاء لأفعالهم القذرة.
سائقو الأجرة
سيارات الأجرة هي الأخرى لا تتعرض للتفتيش مادامت تقل نساء، وكثير من السائقين يبدون ارتياحهم لهذا الأمر، حيث يستطيعون العبور ونقل زبائنهم من دون توقف أو تأخير، ولا يعنيهم ما الذي ينقله هؤلاء الركاب على سياراتهم.
يحيى الريمي، سائق سيارة أجرة، يذكر أنه في أحد الأيام كان في طريقه لإيصال مجموعة من النساء، ولم تكن بحوزته أوراق ثبوت ملكية سيارته، لكنه نجا من أيدي رجال المرور؛ لوجود تلك النساء على متن السيارة.
أسامة الوشلي، صاحب سيارة أجرة، يرفض أن تفتش سيارته عندما يكون على متنها نساء، ويقول إن السيارات لا تفتش في النقاط الأمنية تفتيشاً دقيقاً، سواء كان على متنها نساء أو لا، والمفترض أن تخضع جميع السيارات للتفتيش، وأن تكون هناك شرطة نسائية للقيام بتفتيش النساء من دون استثناء للشخصيات المرموقة وأصحاب الوجهات.
تهرب
عبدالملك محمد، يمتلك سيارة خاصة به، لكنه منذ أن اشترى سيارته لم يقم بتغيير أوراق ملكيتها، فيضطر في بعض المرات إلى اصطحاب زوجته؛ لكي تنقذه من رجال المرور الذين سيتهافتون عليه، ولن يتركوه يمرّ دون أن يدفع مبلغاً من المال، أو يتم احتجاز سيارته.
وهذه قصة حقيقية ترويها إحدى السيدات، التي تؤكد أنه تم استغلالها من قبل زوجها وأقاربها وهي حامل؛ لتمرير سيارة تمت سرقتها، تقول أم محمد: «كنت يومها حاملاً في الشهر الثامن، عندما طلب مني زوجي مرافقته وصديقه إلى منطقة غير المنطقة التي نسكن بها؛ لكي يهربوا سيارة كانوا قد قاموا بسرقتها، وطلبوا مني أن أتماثل بالتعب كلما اقتربنا من النقاط الأمنية، وعندما كان يسمع رجال الأمن صراخي يفسحون الطريق أمامنا بالعبور، وهكذا حتى وصلنا إلى المنطقة التي أخفوا فيها السيارة هناك، وعدنا بعد أيام ولكن بسيارة أخرى، ولم ينتبه رجال الأمن لنا، بل إنهم لم يتذكرونا!».
توافق
الإعلامية وداد البدوي هي الأخرى تقف ضد هذه الثقافة؛ لأنها ترى أنه إذا كان من العيب أن تفتش السيارة التي على متنها نساء، فالمفترض على الدولة أن تستحدث مراكز لشرطة النسائية لتقوم بواجبها، وبذلك نضمن ألا تستخدم المرأة غطاء لتمرير ما يريده العملاء، والذين باعوا أنفسهم للشيطان.
محمد عبد المجيد وإبراهيم عبدالله اتقفا على أن هذه الثقافة قد تكون مستحسنة في حالات معينة؛ كإسعاف مريض وهو في حالة حرجة، هنا يكون وجود المرأة ضرورياً؛ لأنها ستسهل مهمة العبور والوصول إلى المستشفى في وقت قصير، لكن هذه الثقافة قد تأتي بثمار سيئة وعواقب وخيمة؛ عندما يستغلها من ماتت ضمائرهم في الاتجار بالممنوعات.