«لم يأت النصيب بعد؛ لأنَّني لا أفكر حالياً في الزواج، هل لديك عريس مناسب لي؟ أنتظر زوجك ليتقدَّم لزواجي!»، هذه عيِّنة من عبارات تمثل نماذج من الإجابات التي تتهرَّب منها الفتيات من نيران السؤال الذي يطرح دائماً: «لماذا لم تتزوجي حتى الآن؟».. هذا السؤال الذي يثير الكثير من النفور لدى العازبات، وكذلك الأرامل والمطلقات، على حدّ سواء.
في التحقيق الآتي نطلع على مواقف الفتيات وردود أفعالهن تجاه ذلك.
تستهل إيمان مصطفى برناوي، (عاطلة ـ 28 عاماً) بقولها: «إنَّه بالفعل سؤال محرج، وهو أسوأ سؤال يمرّ عليَّ، لكن يبقى النصيب والقضاء والقدر فوق كل إرادة، ومهما تضايقت الفتاة من هذا الموضوع، لا بد أن تعلم أنَّه أمر المؤمن؛ لا يأتي إلا بخير، فقد يكون صرْف الله عنها ما كان أعظم بسبب تلك الزيجة التي كانت بانتظارها، وربما يكون «كل تأخيرة فيها خيرة».
من ناحية أخرى، قالت إيمان الصالح (29 عاماً ـ مذيعة): «هذا من أسوأ الأسئلة بالإجماع، أتوقعه من الفتيات، وحتى المتزوجات أو المطلقات؛ لأنَّه يدخل في خصوصيات المرأة، وللأسف يجعل الفتاة في حرج وضيق، لكن تعجبني من ترد بذكاء وسرعة بديهة، وتضع حداً لهذا النوع من الحِشريَّة والتدخل فيما لا يعنيهنَّ».
الرد بوعي
وتؤيد وفاء أبوهادي (إعلاميَّة وكاتبة ـ 26 عاماً) ما قالته إيمان بقولها: «قد يزعج هذا السؤال كثيراً من الفتيات؛ ربما لأنَّه يلامس فيهنَّ مشاعر أنهنَّ لسن محل رغبة من قبل الشباب للاقتران بهنَّ، بل وقد يتطور الحال إلى ما هو أسوأ؛ عندما ترى الفتاة أنَّ من تصغرها سناً قد سبقتها للزواج، ناهيك عن نظرة المجتمع التي تلازمها، لكن ربما أنَّ هذه فئة محدَّدة، فهناك من لديها الثقة في نفسها وتوقن أنَّه نصيب من الله، وتستطيع أن ترد وبكل ثقة (النصيب لم يأت، ولست مستعجلة على الزواج)».
لديّ جواب جاهز!
أما الآنسة راضية أحمد الهوساوي (23 عاماً ـ علاقات عامة) فتقول: «على الرغم من أنَّ جواب السؤال واضح؛ بأنَّ نصيب الفتاة لم يأت بعد، أو ليست لديها رغبة الآن، فلا يزال هذا السؤال يسبب فضولاً شديداً عند بعض النساء، وبالنسبة لي هذا السؤال لا يستفزني أبداً، ولا يسبب لديَّ أي حرج، وأرد على السؤال دائماً بجملة واحدة: «لم أفكر في هذا الموضوع حتى الآن، لا أزال أريد أن أعيش حياتي، كما أريد أن أحقق كل أحلامي، لا أريد من يقيدني».
فضول استفزازي
من وجهة نظر أخرى مغايرة، ترى الآنسة منار منشي (اختصاصية تغذية وصحافية ـ 24 عاماً) أنَّ جوابها عن هذا السؤال حين يطرح، يكون غالباً بطريقة غير مباشرة، وتجيب بلطف: (لم يأتِ صاحب النصيب بعد)، متعمدة إخفاء استفزازها وعدم تقبلها لهذا التدخل في حياتها الخاصة. وتضيف: وإن كانت السائلة فضوليَّة وأنا على علم بأنَّها تعاني من مشاكل زوجيَّة، أو تشتكي من كثرة المسؤوليات، أجيبها مازحة بأنَّ: «الراحة والدلال في بيت والدي، خيرٌ لي من وجع الرأس في بيت زوجي»؛ لأذكرها بأنَّ في حياتها ما هو أجدر بأن تنشغل به عما لا يعنيها»، لاسيما أنَّ ما يزعجني في هذا السؤال التدخل غير المرحب به في شأني، الذي لا يخص أحداً سواي. وتضيف أنَّ كل من يتدخل في هذا الأمر الخاص هو شخص فضولي من الدرجة الأولى، وغير لبق، ولا يراعي مشاعر الآخرين، فهناك الكثير من الفتيات ممن يردن الزواج فعلاً، ولم يتزوجن لأسباب خارجة عن إرادتهنَّ، وهذا ما يجعل سؤالاً كهذا بمثابة الملح على الجرح لدى البعض».
الإعلام الفاسد
الناشطة الاجتماعيَّة عبير جمعة تقول: «التأخير أو عدم الزواج قد يكوّن مفاهيم خاطئة؛ سعياً وراء الأمل المنشود وفارس الأحلام، وكل ذلك خيال قلّ أن يتحقق في الواقع، فكم من فتاة ندمت أشد الندم على فوات شبابها، وأحياناً لارتباطهنَّ بعلاقات لرغبتهنَّ في الحريَّة وعدم الالتزام بالمسؤوليَّة، أو غير ذلك من القناعات الفكريَّة التي لا تسوغ شرعاً، ولا يجوز الاعتماد عليها»، وتستكمل حديثها بقولها: «من أعظم العوامل التي تعيق الزواج وتؤخره هو الإعلام الفاسد المتأثر بنظريات الغرب ومبادئه، الذي يبث لأبناء المسلمين أنماطاً اجتماعيَّة بعيدة عن روح الإسلام وآدابه، ما يجعل البنات أو الشباب يتروون جداً في قرار الزواج المبكر؛ بحجة الاستمتاع بالحياة، فعامل الوظيفة جعل كل فتاة تستغني عن الرجل هذا من جهة، ومن جهة أخرى النظرة التشاؤميَّة تجاه تجارب الآخرين، والخوف من الخوض في تجربة الزواج، فلم تعد البنت تنزعج من هذا السؤال لوجود مبررات».
«حِشرية» مؤذية!
في هذا السياق تؤكد د. سحر رجب، مستشارة نفسيَّة وأسريَّة ومدربة ومستشارة دوليَّة معتمدة لإزالة المشاعر السلبيَّة، أن أسئلة مثل: «لماذا لم تتزوجي بعد؟! لماذا لم تنجحي هذا العام؟! لماذا لم تنجبي؟ ما المانع؟» هي أسئلة كثيرة تدور في أذهان البشر من منطلق «الحِشرية» التي لا فائدة منها سوى كسر النفوس وأذيتها، وهي أسئلة لا جواب لها؛ لأنَّها بيد الله، وكل شيء خلقه الله بقدر.. هل يستطيع أي منا الزواج من دون أن يضع الله ذاك القدر المكتوب لنا في طريقنا؟ لا يتوقف الزواج عند الفتاة وحدها، بل حتى الشاب مكتمل الرجولة والعنفوان، مكتمل المهر والتجهيزات لا يمكنه أن يحرك ساكناً من دون إرادة مولانا سبحانه وتعالى. فقط ما علينا إلا الدعاء والصبر لكل ما يكتبه الله لنا، فهو خير وبركة ورضا. والرضا والسعادة وعدم التدخل في أمور الغير، لا نجدها عند كثير من البشر، فهل تَرضَى هذه الأسئلة ومثيلاتها، ممن فقدتها في حياتك، من الغير؟ أكيد لا.
وتستكمل: «لأنَّ ذلك تعتبره أمراً شخصياً لا دخل لأحد به. من هنا يتوجب علينا احترام الخصوصيات، حتى لو كانوا ممن تحت ولايتنا. قدّروا ظروف المجتمع، لا تخدشوا أسرارهم، لا تتعدوا حدودكم معهم أو مع غيرهم، من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه، هل تريد أن يصل بك الأمر إلى هذا الحد؟ أكيد كلنا نقول لا.. والحمد لله والشكر له أنَّ مقاليد الحكم بيده؛ حتى لا نصاب بخيبة الأمل؛ لأنَّ نظرة البشر ليست كنظرة مالك الملك».