هي صرخة تردَّدت على لسان العديد من الفتيات، فعلى اختلاف حالاتهنَّ الاجتماعية وطبقاتهنَّ الاقتصاديَّة، ومستويات الوعي الفكري لديهنَّ؛ إلا أنهنَّ اتفقن على عدم الرغبة بالزواج والعزوف عنه، وقد اقتنعت بعض النساء بالمثل الفنلندي القائل «الزواج حقل أشواك»، واتخذنه شعاراً يعشن به ما تبقى من آجالهنَّ. فما أسبابهنَّ، وما المواقف التي دفعتهنَّ لاتخاذ هذا القرار الصارم؟
«سيدتي» حاورت مجموعة من النساء، واطلعت على آرائهن، فكان التحقيق الآتي.
زواج بلا توثيق!
بداية ترى وردة البكري (33 عاماً)، محرِّرة صحافيَّة، أنَّ السبب الرئيس لرفض الفتيات وعزوفهنَّ عن الزواج هو ترسب عقد في مخيلة الفتاة، ظهرت نتيجة أب أو أخ متسلط، وكثيراً ما يكون نتيجة أب عنيف سيئ الخلق مع الأم؛ فتتكون وتتراكم لديها صورة سلبيَّة عن الذكور عامةً، وفي حال المطلقات أرى كثيراً منهنَّ أصبحن يحبذن زواج المسيار خوفاً من طليقها، أو خوفاً على أولادها من أبيهم، في حال أراد الانتقام أو أخذهم قسراً منها، وقد يتم الزواج من دون توثيق رسمي في أوقات كثيرة.
خوف وعزوف
وترى عبير الشريف، رئيسة لجنة الفعاليات بجدَّة، أنَّ إحدى أعز قريباتها، التي تحتل مكانة عميقة في نفسها، عازفة عن الزواج بشكل مخيف، والسبب مشاكل الوالدين؛ ما أثّر في رأيها سلباً، وترك لديها انطباع الخوف من المستقبل، فتفرغت للدِّراسة، ولديها مشاريع مستقبليَّة، تدل على نضجها وذكائها الحاد، وتضيف: سبب آخر أراه متفشياً، هو أنَّ بعض الفتيات يفكرن في الرفاهيَّة أكثر من تكوين عائلة، وللأسف ما زالت حتى اليوم بعض الفتيات ترى في عريسها رجلاً يحقق لها كل أحلامها، أو «السوبر مان» بمعنى أصح.
ظلم الآباء وتعسف الأنظمة
وتذكر نوال الفليت (36 عاماً)، مشرفة تربويَّة، بعض الدروس التي علقت بذاكرتها من تجربتها، التي عانت منها لثلاثة عشر عاماً؛ حتى استطاعت الانفصال والطلاق، فقالت: أولاً وقبل كل شيء كون الأنظمة في غالبيَّة الدول لا تُنصف المرأة، إضافة إلى ظلم بعض الآباء في اختيار الذكور غير الأكفاء لبناتهم، الذين لا يستطيعون إعالة أسرة، وهم بدورهم عالة على أهاليهم. كل ذلك يحدث رغم التطور الهائل الذي وصلنا إليه.
لا أمان مع الرجل
بينما تعتقد الدكتورة منى الكابلي، طبيبة عامة، أنَّ السبب الرئيس في عزوف المطلقات، وعدم رغبة بعض الأرامل، هو عدم وجود الأمان مع الرجل؛ إذ يستطيع أي رجل أن يتزوج على زوجته، ويهمل حقوقها أو يطلقها من دون سبب يُذكر، أضف إلى ذلك عدم وجود القوانين، التي تحفظ حقوق الزوجة؛ وإن وجدت فهي لا تطبّق فعلياً.
للنساء متطلبات موحدة وللرجال متطلبات متزايدة
ولوديعة محمد (38 عاماً)، موظفة في القطاع الخاص، رأي مخالف؛ إذ تقول: الرغبة موجودة في كلا الجنسين، لكن للنساء متطلبات موحدة تقريباً، وإن بالغ بعضهنَّ فيها، لكن أغلب رجال اليوم يُحمّلون النساء ما لا يطقن، إضافة إلى أن العُزّاب يعيشون حريَّة أجمل من المتزوجين، خاصة النساء؛ إذ تستطيع المرأة الاستقلال بمالها من دون تسلط ذكوري، وهذا أهم سبب يجعلنا، نحن فتيات اليوم، نؤجل التفكير في الزواج لحين تحقيق ما نريد.
الخوف من الانتقام
وتقول ابتسام البهلولي (35عاماً)، ربة منزل: «إنَّ المرأة المطلقة تعزف عن الزواج ثانية؛ خوفاً من تهديد زوجها لها، فبعض الأزواج لديهم عقدة الانتقام، ولا يدركون معنى الطلاق بإحسان، ففي تجربتي الشخصيَّة، وعندما بدأ طليقي يهدِّدني بانتزاع أبنائي من حضانتي، تنازلت عن حضانتهم؛ حتى أعيش بسلام بعيداً عنه، وبعد مرور سنوات، تزوجت ممن وافقني فكرياً وأخلاقياً، وتزوج طليقي مرَّة أخرى، ومع ذلك لم أسلم من تهديداته التي ما زالت تلاحقني بلا سبب.
نمط العصر
ويرى الشاعر منصور سندي أنَّ الأمر سيَّان بين الفتيات والشباب، ويعتقد أنَّ السبب الأبرز لتفشي عدم الرغبة في الزواج هو طبيعة الحياة العصريَّة، وتوسع مدارك الثقافة، التي يطلع عليها كل من الشاب والفتاة؛ ما أوجد لهم طرقاً أخرى في التفكير، وفي النظر إلى الحياة، وفي تعامل كل طرف مع الآخر، ويختلف معه أحمد الشهري، عميد سابق؛ إذ يعتقد بأنَّ السبب الأبرز يكمن في التقاليد، التي لا تتيح الحريَّة للفتاة أو للشاب في اختيار الطرف الآخر بعناية، فيفضلون البقاء من دون زواج؛ فضلاً عن المخاطرة والدخول في تجربة قد تكون نتائجها تدميريَّة على الشخص.
بألف ليلة وليلة
ويعتقد الدكتور محمد الهويدي أنَّ اللوم الأكبر يقع على الرجل، وقال: «الزواج حاجة ملحة للطرفين، وللعوامل الاقتصاديَّة دورٌ كبير في قدرة المرء على الزواج، وكذلك الانفتاح الذي أدى إلى ردود فعل سلبيَّة، فكل زوج يريد هيفاء وهبي، وكل زوجة ترى براد بيت، ومعرفة المرأة بحقوقها جعلها تصطدم مع استحواذ الرجل ورفضها لسلطته المطلقة، خصوصاً إذا كانت مبنية على ترسبات جاهليَّة لا تمت للدين أو الوقت المعاصر بصلة، وللمرأة احتياجات، لا يستطيع الرجل العربي المعاصر أن يقدمها لها، فهو طمَّاع ومهووس بقصص ألف ليلة وليلة والجواري، وهذا ما يجعله يبحث عن متع رخيصة، وبالتالي هدم الحياة الزوجيَّة.
الرأي النفسي
يُخبرنا المستشار النفسي والسلوكي، الدكتور ماجد قنش، أنَّ ظاهرة عزوف الفتيات وعدم رغبتهنَّ بالزواج ترجع إلى أسباب مختلفة ومتشعبة، لخصها كالتالي:
1- عدم استقرار أسرهنّ،َ وهي ترى ما يدور في البيت.
2- سوء تعامل والدهنَّ مع والدتهنَّ.
3- ظنهنَّ المسبق أنَّ بعض الشباب لا يتحملون المسؤوليَّة.
4- ما يسمعن من بعض صديقاتهنَّ المتزوجات من جفاء حاصل، ويوجد للأسف في أغلب الزيجات، ووجود بعض المطلقات في العائلة اللاتي يروين تجاربهنَّ الفاشلة.
5- أغلب الفتيات يبحثن عن الحريَّة في الدخول والانصراف من المنزل، وهناك من الفتيات من يرين أنَّ الزواج قيد، وقد يكون تفوق الفتاة سبباً؛ فتفضل التفرغ للدراسة ثم الوظيفة، وترى أنَّ الزوج يعيقها عن أهدافها، وقد تحصل الفتاة على درجة علميَّة ومهنيَّة معيَّنة، فلا تجد من يستحقها أو من يرضي غرورها.
6- بعض الفتيات لا يردن، والأخريات لا يرين في أنفسهنَّ القدرة على تحمل مسؤوليَّة الزوج والأولاد، وقد يكون السبب معيشة الرفاهيَّة والترف في بيت أهلها، ما يمنعها من المغامرة بتحمل المسؤوليَّة وخوفها من فقد تلك المعيشة.
7- نشوء بعض الفتيات في مجتمع ذكوري، فلا تتعلم ولا تدرك واجبات الزواج.
8- قد توجد لدى الفتاة أمراض وعيوب نفسيَّة لا تعلم عنها، إضافة إلى انعدام الثقة في الشكل أو في القدرات أو في الجنس الآخر، والخوف من الخيانة بعض الأحيان.
9- تقليد الغرب في مسألة أنَّ المرأة أصبحت قادرة على العيش من دون الرجل، والاكتفاء بالعلاقات العابرة، كما أنَّ الإعلام وضع مواصفات خياليَّة لفارس الأحلام وصدقته بعض الفتيات.
استطلاع
«سيدتي» استطلعت رأي (82) شخصاً من مختلف شرائح المجتمع، رصدت من خلاله ردود أفعالهم تجاه النسبة المتوقعة للفتيات العازفات عن الزواج في المملكة العربيَّة السعوديَّة، وكانت النتائج كالتالي:
21 منهم ذكر أنَّ الفتيات العازفات عن الزواج بلغت نسبتهنَّ 20%، و16 فرداً توقعوا نسبة أقل لا تتخطى 10%، وذكر 13 شخصاً أنَّ نسبتهنَّ 40% تقريباً، ويرى 9 منهم أنَّ نصف فتيات اليوم لا يرغبن بالزواج؛ بينما 9 آخرون يرون أنهنَّ قد تجاوزن النصف لأسباب عديدة، وقد تبلغ النسبة 70%، و7 أفراد صوتوا بـ30%، واختار أربعة أفراد نسبة 60% وثلاثة أفراد نسبة 80%، وأخيراً صوّت أحدهم بأنَّ الغالبية الساحقة من فتيات العصر يمتنعن عن الزواج ونسبتهنَّ 90%.