تباينت ردود أفعال شريحة كبيرة من الموظفين والموظفات في المجتمع السعودي، حول ما أدرجته الهيئة السعودية لمكافحة الفساد «نزاهة» ضمن قائمة الفساد الإداري للموظفين، ومنها الانشغال في الاطلاع على مواقع الإنترنت، أو مطالعة الصحف، أو الحديث مع الزملاء في المكتب، أو إجراء المكالمات الهاتفية.
يأتي ذلك في الوقت الذي تحول فيه الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في كثير من بيئات العمل إلى ضرورة ترويجية، ووسيلة لأداء الأعمال، ونقل الأوامر والتعاميم. «سيدتي» التقت موظفين ومسؤولين؛ لمواجهة تطبيق هذه البنود على الموظف، والذي أثار جدلاً واسعاً في الشارع السعودي من خلال التفاصيل الآتية.
في هذا الصدد يقول عبد الله الحصان، مدير العلاقات العامة في الجمعية السعودية للزراعة العضوية: «الواقع يشير إلى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي تزيد من ثقافة الموظف إن أحسن استخدامها، شريطة ألا يؤثر هذا على الإنتاج بشكل عام؛ إذ يسّرت وأسهمت تلك المواقع في سرعة نشر المعلومة، وبالتالي فهي تسهم بشكل رئيس في تطوير ونقل صورة أي منشأة للمتلقي، ومن واقع تجربتنا فقد حاولنا استغلالها، ولكننا لا نزال في البدايات، ونتوقع أن يتطور نشاطنا في إبراز أعمالنا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مستقبلاً».
جروبات العمل
وأشارت فايزة أبا الخيل، سيدة الأعمال، ومديرة مركز الوليد لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى أنها تكاد تدير معظم أعمالها واتصالاتها مع موظفاتها بواسطة الواتس آب، خصوصاً عندما تكون في مهمة عمل خارج المركز، وترى أنّ ذلك من وسائل التواصل الناجحة، التي توفر الكثير من الوقت والمال، ليس هذا فحسب بل إنها استغلت هذا البرنامج لعمل أكثر من مجموعة، فمنها ما هو خاص بالموظفات، ومنها ما تم تخصيصه لأولياء أمور الطلاب، وآخر للأمهات يتم من خلاله التواصل مع الخبيرات والخبراء بالمركز، والإجابة عن أسئلة واستفسارات أولياء الأمور وتبادل الخبرات والمعلومات، واطلاعهم على القرارات الجديدة المتعلقة بوزارة الشؤون الاجتماعية.
بيئة العمل
أما المذيعة في القناة الثقافية، فدوى الطيار، فترى أنّ إنجاز الموظف مرتبط ببيئة العمل، وبعلاقة المدراء مع الموظفين، والتي يجب أن تكون قائمة على الثقة المتبادلة، وعلى العمل بروح الفريق؛ فبعض المدراء يتسمون بالأنانية والسلبية واستنزاف طاقة الموظفين؛ لخدمة مصالحهم الشخصية، وبقائهم لأطول فترة على كرسي الإدارة، مع نسب نجاح الموظفين لأنفسهم، وهم لا يبالون في ذلك من استخدام كل وسائل الإحباط، وتكسير المجاديف؛ وهنا تظهر أهمية حصول هؤلاء المدراء على دورات تثقيفية في التخطيط والإدارة، ولا يتم تعيينهم إلا بمواصفات معينة، على أن يتم تقييمهم على أدائهم سنوياً، مع تحديد فترة بقاء المدير في منصبه لأربع سنوات فقط، وليس لعشرات السنين فهذا سيثبت فعلياً أنّ الكرسي دوار.
وتشير الطيار، إلى أنها ترفض وبشكل قاطع، وباستثناء الحالات الطارئة، الرد على المكالمات خارج أوقات العمل، أو أن يتم تكليفها بشكل مفاجئ؛ لأنها تعتبر ذلك تعدياً على حقوقها وحقوق أسرتها.
ممنوع
في حين لا تفضل حنان الدهام، مصممة أزياء، وعضو مجلس إدارة جمعية المتقاعدين السعوديين، فكرة السماح لموظفاتها بالتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أوقات العمل؛ لما في ذلك من تبديد لوقت العمل وتشتيت للانتباه، وعدم أداء المهام المطلوبة بذات الكفاءة والسرعة.
بينما ترى الفنانة شيرين باوزير، ضرورة التزام الموظف بعمله، وعدم القيام بتبديد ساعات الدوام في التراسل عبر وسائل الاتصال المختلفة، إلا أن يكون ذلك في حالة الضرورة القصوى؛ حتى لا يفقده ذلك التركيز وبالتالي التأثير على الإنتاجية، وفي المقابل فمن حق الموظف الملتزم بأداء عمله على الوجه الأكمل، خلال أوقات العمل الرسمية، التمتع بالراحة وبحياته الخاصة، وعدم انتشاله منها باسم العمل.
العمل أمانة
فيما أشارت هويدا التوم، مدربة مهارات ودورات، إلى أنّ طبيعة العمل هي التي تفرض أحياناً السماح للموظف باستخدام تقنيات التواصل الاجتماعي، أو فرض منع ذلك، فالأعمال التي تتطلب تقديم الخدمات للعملاء ومواجهة الجمهور، يفترض ألا ينشغل فيها الموظف عن أداء واجبه بالرد على رسائل الواتس أب والتعليق، دون مبالاة للطوابير الطويلة التي قد تقف متذمرة في انتظاره.
في حين ترى الكاتبة سحر زين، أنّ استخدام الموظف لوسائل الاتصال يعد سلاحاً ذا حدين، فمنهم من يستخدمها بطريقة خاطئة، ومنهم من يستخدمها باعتدال بحيث لا تضر بالعمل، ومن هنا يمكن للشركات أن تحدد الدقائق التي يقضيها الموظف في مثل هذه المواقع.
انتهاك حقوق
واعتبرت الناشطة الحقوقية الدكتورة سهيلة زين العابدين، أنّ تكليف الموظف خارج أوقات العمل الرسمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعد مخالفة لقانون العمل، وانتهاكًا لخصوصية الموظف، وأنّ هذه الوسائل بحد ذاتها يمكنها أن تكون وسيلة للتجسس وتسرب معلومات العمل.
معتوق الشريف، عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في منطقة مكة المكرمة، يرى أنّ برامج التواصل الاجتماعي هي من أهم وسائل التكنولوجيا الحديثة، التي فرضت نفسها على المجتمعات الإنسانية، وباتت تلك البرامج حقاً من حقوق الإنسان، وهناك الكثير من القرارات والتوصيات التي ألزمت الدول باستخدام وسائل التكنولوجيا والتقنية، وبات من الملاحظ أنّ هذه البرامج أصبحت وسيلة لتواصل المرؤوسين مع رؤسائهم، ونقل الأوامر والتعميمات، وتكاليف العمل الرسمية.
ويستدرك: «لكن لازالت البنية التحتية، والعقليات القديمة، والنظرة السلبية للتنمية، تقف حجر عثرة أمام كثير من المشاريع، أضف إلى ذلك الافتقار إلى إطار قانوني، وتنظيم لتلك الوسائط بشكل إيجابي، دون التركيز فقط على جانب السلبيات والعقوبات، ومن هذا المنطلق فنحن بحاجة إلى تكثيف التوعية والجرأة في طرح المبادرات، وإطار نظامي لحماية هؤلاء المبادرين».
ضوابط ومعايير
يقول الإعلامي والمستشار التقني أحمد بايوني: «بالنظر إلى مفهوم «استخدام الشبكات الاجتماعية في العمل» يظهر للبعض جانب سلبي من التقصير الوظيفي، وتبديد أوقات العمل دون فائدة، أما البعض الآخر فيرى أنها وسائل وقنوات اتصال جديدة، تفتح آفاقاً جديدة لتطوير الأعمال، لكن ما يحكم كل هذا هو طبيعة العمل والفكر الإداري، فطبيعة وبيئة العمل هي المعيار الذي تحدد من خلاله جهة العمل إن كانت ستسمح لموظفيها باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي في أوقات عملهم، أم اعتبارها وسيلة ترفيه لتبديد وقت العمل.
لكن هذا لا ينفي أنّ لشبكات التواصل الاجتماعي بعداً وجانباً إيجابياً وفعالاً في إنجاز الأعمال وتطويرها، فهي تعد استثماراً ناجحاً لبيئات العمل الحديثة، بل إنها قد خلقت الآلاف من الفرص الوظيفية للشباب».
أنواع الفساد الإداري
أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» قائمة بأنواع الفساد الإداري للعاملين في الجهات الحكومية، متوعدة بتنفيذ العقوبات ضد كل من يثبت تورطه في أي منها، وأنها سترصد تلك التجاوزات عبر جولاتها على كافة القطاعات الحكومية.
وأدرجت «نزاهة» في القائمة من لا يلتزم بمواعيد العمل، ومن لا يقوم بعمله على أكمل وجه، ويقوم بتضييع وقت العمل في الاطلاع على مواقع الإنترنت، أو مطالعة الصحف وغيرها، أو إجراء المكالمات الهاتفية الخاصة، مهمشاً أعماله المكتبية الرسمية الهامة ومتكاسلاً عن عمله، بالإضافة إلى من يخل بنظام أوقات العمل، وتضييعها في «الثرثرة» بين الموظفين أثناء العمل، واستخدام سيارات العمل لقضاء الحوائج الشخصية، وتأثيث المكاتب الفاخرة، وإقامة الحفلات الدعائية، ونشر التهاني والتعازي؛ لتلميع المسؤولين عبر وسائل الإعلام، واستخدام آلات التصوير وتحصيل الأموال من ورائها، واستعمال الأقلام الخاصة بالعمل، وأتاحت الهيئة للموظفين التبليغ عن زملائهم ممن لا يلتزمون بوقت العمل ومواعيد الدوام، بتهمة الفساد الإداري، حيث لم يعد مفهومه مقتصراً على الاختلاسات المالية، أو قضايا التزوير والرشوة، بل طال من ينشغل بمطالعة الصحف، أو الحديث مع الزملاء في المكتب، أو المكالمات الهاتفية، ومن يرفض العمل الذي أسند إليه، أو قام بتأديته على غير أكمل وجه، أو إفشاء أسرار العمل.