لجأت سعوديات لـ«سيدتي»؛ لتخليصهن من ابتزاز مسؤول بمكتب سفريات في الدمّام (شرقي السعودية)، حيث استغل منصبه بطرح وظائف وهمية لاستدراجهن وابتزازهن مادياً وجنسياً، لتبادر «سيدتي» بتوكيل محامٍ لمتابعة القضية. فكيف رجعت إليهن حقوقهن؟ ولماذا رفضت المبتزات تدخل الهيئة؟ وما موقف المبتز؟ هذا ما تتابعونه في التحقيق الآتي.
تعود التفاصيل كما تحكيها السعودية، أم غلا، مع المسؤول المبتز، الذي وصفته بـ«الوحش»، حيثُ استغل منصبه لابتزاز السعوديات، قائلة: بدأت قصتي مع هذا الوحش عندما طلب مني أهلي أن أحجز لهم للسفر خارج السعودية (تركيا تحديداً) معي، وسبق وأن حجزت مع زوجي قبلهم، وكانت أسعار التذاكر مرتفعة جداً. فتذكرت أن إحدى صديقاتي كانت أرسلت في وقت سابق عروضاً بـ«الواتس آب» بأسعار مخفضة لتذاكر الطيران، فلم أتردد بالتواصل معها، فطلبت مني، وللأسف، التواصل مع المسؤول في أحد مكاتب السفريات بالشرقية -تحتفظ سيدتي باسمه- وفعلاً تواصلت معه، وبالغ بالترحيب، ثم طلب مني صور الجوازات؛ بزعم رغبته في معرفة الأعمار، وعاود الاتصال أيضاً؛ للتأكد من الأسماء. كان يعيد ويزيد، ويطلب مني معرفة اسمي، ويحاول الاستظراف، ويسأل إن كنت متزوجة ومنذ متى؟ وهل تحبين زوجك؟ وبسرعة البرق أعطاني سعراً للتذاكر، وكان خيالياً جداً، وعرض كذلك عليّ أن يعمل لي الفيزا وبخصم خيالي. بعدها توالت الاتصالات والإلحاح والأسئلة الفضولية.
رفضت استقباله
وقالت أم غلا: في اليوم التالي اتصل بي في الصباح، واعتقدت أن التذاكر جاهزة، لكنه أبدى إعجابه بأسلوبي. قاطعته وسألته عن التذاكر، فرد بأنها جاهزة، وأنه يريد أن ندفع له قيمتها، وكانت المفاجأة أنه طلب مني أن يأتي لمنزلي لتسليمها، وأن أجهز له الفطور، فرفضت استقباله واعتذرت منه، وأخبرته أن المبلغ سيصله إلى المكتب، وليس بالضرورة أن يأتي للمنزل، وأقفلت الهاتف بوجهه؛ كي لا يعاود الاتصال؟ ثم كلمت أختي ووالدتي لتدفعا له المبلغ وننتهي منه.
مضيفة: وبالرغم من إغلاقي الهاتف في وجهه، إلا أنه استمر في ملاحقتي كالمجنون، وكذلك في إرسال نكت وصور على هاتفي النقال.
تابعي مداخلة هاتفية لأم الغلا ضمن فقرة خاصة عن تفاصيل القضية في برنامج "سيدتي" على روتانا خليجية
وقالت أم غلا: تلك التصرفات أحرجتني مع أهلي وزوجي، حيثُ لا يوجد لدي رد عن تأخر استلامهم للجوازات والتذاكر، وعندما أسأله يتهرب، مع لوم وعتاب زوجي الذي أكد لي أن التذاكر تستخرج في دقيقتين، ومستحيل أن تأخذ كل هذا الوقت، فشعرت بمسؤولية ما فعلته، وصرت أزعجه بالاتصالات والإلحاح عليه بالرسائل، إلا أنه قذر في تعامله، فقد كان يرد عليّ بقصائد أو أشعار جنسية، وعندما أوقفته عند حده صارحني بأنه يريد أن يمارس معي الحرام، وحاول الضغط عليّ بابتزازي بالجوازات والتذاكر.
وفجأة يكلمني ويقول لي إنه عند الصراف: «كم أودع لك 2000 أم 3000 ريال»، وفي مرة من المرات قال لي إنه في السوق وسيشتري لي جوالاً، وكلها من أكاذيبه.
وتابعت قائلة: مع التأخير جاءت والدتي وضغطت عليّ وطلبت مني جوازها، واتهمتني بأني أخدعها، فرافقتها لمكتب السفريات لتتحقق بنفسها، لكن مكتب المسؤول كان في الدور الثاني، ووالدتي لا تستطيع ركوب الدرج، وتخاف من المصعد الكهربائي، فصعدت له بمفردي، وقال لي عندما رآني إن تذاكرنا جاهزة، واقترب مني فهربت، ولحقني على الدرج، إلا أنه لم يتمكن مني؛ كوني هربت خشية من الفضائح.
مضيفة: فلم أجد بداً من أن أخبر زوجي لمساعدتي، وذهبنا سوياً للمكتب، ليتفاجأ بحضوري مع زوجي، فسلمنا الجوازات والتذاكر؛ مبرراً تأخره بانشغاله في إجراء مقابلات التوظيف، وعرض علينا توظيفي «كمديرة»، وطلب صوراً شمسية لي، ومرت شهور، ولم يوظفني.
فكلمت صديقتي التي جعلتني أتواصل معه، وكانت هي الأخرى وقعت في شباكه، وكانت تبكي بشدة؛ تريد استرجاع أموالها، فاقترحت عليها التواصل مع «سيدتي»؛ فلربما تتمكن من إيصال صوتنا، وتنقل معاناتنا مع التأكيد على الخصوصية، فوافقت صديقتي، وبالفعل تواصلت مع «سيدتي» وأرسلت لها الأدلة والوثائق التي تدينه، حتى فاجأتنا «سيدتي» باسترجاع حقوقنا ولله الحمد، وأتقدم لكم بالشكر الجزيل، وبشكر المحامي حمود الخالدي، سائلة المولى أن يجعله في ميزان حسناتكم.
نصّاب ومخادع
أما الضحية «هـ-ع» فقصتها لا تختلف كثيراً عن أم غلا؛ الأحداث والتفاصيل نفسها، حيثُ أبدت أسفها قائلة: الحاجة للوظيفة جعلتني أتهور بالعمل مع شخص نصّاب ومخادع، للأسف أخذ مني مبالغ مادية من أجل التذاكر، ويتهرب بأكاذيب مختلفة، مرة والدته مريضة، أو ابنته تحتاج إلى عملية، أو عندهم عزاء، وينقطع ثم يرجع لمحادثتي ويقول لي: أين أنت؟ عندي التذاكر سآتي لتسليمها لك لانشغالي بأمور أخرى، ولن تجدوني بعدها، ويأتي إلينا في بندة للتسوق، ومرة أخرى في مول تجاري ولا يسلمنا شيئاً، وزوجي يغضب، ويقول لي مستنكراً: هذا الرجل أينما نذهب وراءنا...
وتابعت: ثم يرسل لي وبكل وقاحة رسالة على جوالي: «أهم شيء... رأيت حبيبتي»، ولم نتسلم منه تذاكرنا وجوازاتنا.
أما الضحية «و-م» فهي أم لثلاثة أولاد وابنتين، وتعمل إدارية في مكتب إدارة التربية والتعليم بالشرقية، فتوضح: الحاجة والديون دفعتني للعمل مندوبة تسويق بمكتب سفريات، عملت عنده في تسويق التذاكر، وأخذ مني قرابة 7000 ريال (سبعة آلاف ريال)، ووعدني أن يرجعها 10000 ريال (عشرة آلاف) مع الأرباح الصافية، إلا أنه تهرب مني بعد ذلك بأشهر عدة، وعندما كنت أطالبه بالمال يدعي بأنه قريب من منزلي، وسوف يأتي ليعطيني إياها، ويكذب عليّ ولا يأتي، كما أصبح لا يرد على مكالماتي.
وأضافت: وكلمني في أحد الأيام وأخبرني بأن وظيفتي جاهزة، وطلب مني صوراً شخصية وأرسلتها له، وأخبرني بأنه بعد رمضان سيعتمد توظيفي رسمياً.
لكنه رجع بعد مدة وطلب مني صوراً شخصية أخرى، وعندما قلت له: والصور التي أرسلتها لك، قال لي: لم أجدها، أرسلي صورة واحدة على الأقل على وجه السرعة؛ حتى يجهزوا لك بطاقة حتى لا تتأخري باستلام الوظيفة، وبالرغم من كوني متأكدة من وجودها، أرسلت له صورة أخرى من خلال الهاتف، ثم قال لي: ليست واضحة، وأرسلت للمرة الثالثة، ثم توقفت؛ أحسست وكأنه يسخر مني، وما أثار حفيظتي أنه بعد تلك الحركة قال لي: بالمكتب شخص محترم جداً، جاءته امرأة تطلب منه تذاكر، وفجأة قامت هذه المرأة ترسل له صورها، لا أعلم هل تحبه أم لا؟ فقلب الموضوع عليّ لاستدراجي.
خشية من الفضائح
حول سؤال لـ«سيدتي» طرحته على المبتزات: لماذا لم تلجأن للهيئة للحصول على حقوقكن مع وجود ما يثبت دعواكن؟ أجابت أم غلا: خشينا من الفضائح، والتشهير وأساليبه الملتوية، كما أنه مسؤول، ولديه معارف في الهيئة، فتوجهنا لـ«سيدتي» لطلب الاستشارة؛ لما عُرف عنها من دور ريادي في خدمة المجتمع.
ثم صمتت وبكت قائلة: ولم نتوقع أن نتخلص من الوحش البشري الذي ابتزنا في أموالنا وأعراضنا، ونتمنى أن يسلط الإعلام الضوء على قضايا الابتزاز.
المبتز لم ينكر
من جانبه، أوضح المستشار القانوني حمود الخالدي، المحامي الذي أوكلت له «سيدتي» مهمة الدفاع عن السيدات، أوضح أنه بناء على طلب المبتزات بعدم اللجوء للجهات الأمنية، حاولنا معالجة القضية بموضوعية وحكمة؛ كونه رب أسرة، حيثُ منحناه فرصة لمراجعة نفسية. ولم يتمكن من الإنكار، خاصة مع وجود ما يثبت تورطه بالابتزاز لدى المبتزات، ولله الحمد أرجع مبلغاً قدره عشرة آلاف إلى إحدى المتضررات، وأرجع الحق لأصحابه، وأعتقد بأنه تلقى درساً رادعاً، سيبعده عن هذا الطريق إن شاء الله.
وأبان المحامي حمود الخالدي أن الابتزاز سلاح ضغط يمارسه المبتز على الضحية، مستخدماً أسلوب التشهير بها على أوسع نطاق، أو إبلاغ ذوي المرأة؛ حتى يجعلها تقع تحت وطأة ضغوط المبتز، ليجبرها على مجاراته وتحقيق رغباته الجسدية أو المادية.
وأضاف: لا شك أن هناك عدداً لا يستهان به من قضايا الابتزاز في السعودية لا تكون المرأة طرفاً فيها، فقد يحصل المبتز على صور خاصة للمرأة من دون علمها، فتكون أداة لابتزازها من خلال نشرها على مواقع التواصل، لذلك فإن الابتزاز إذا خلا من حالة الجرائم المعلوماتية، فإن القاضي ينظر إليه حسب وقائع وظروف القضية، حيثُ إنه قد يحكم فيه بالسجن والجلد على المبتز. أما إذا دخلت جريمة الابتزاز كنوع من الجريمة المعلوماتية عن طريق الحاسب الآلي أو عن طريق الهاتف، فإنه يطبق عليه نص نظام العقوبة من خلال نظام الجرائم المعلوماتية، مع التنبيه هنا إلى ضرورة التروي والهدوء في التعاطي مع قضايا الابتزاز، خصوصاً حينما تتعلق بالفتاة، التي هي الطرف الأضعف غالباً.
مكافحة الابتزاز
من جانبه كشف الناطق الرسمي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالشرقية، دبيخي بن سلمان الدبيخي، أنه سيبدأ عمل وحدة لمكافحة جرائم الابتزاز «على مدار الساعة، وطيلة أيام الأسبوع عبر الهاتف (0114908666) عشرة خطوط»، مؤكداً أن الوحدة حريصة على السرية التامة لكل قضية ترد إليها.
وقال الدبيخي في تصريح لـ«سيدتي»: إن الإحصاءات الحديثة عن عدد حالات الابتزاز عام 1435هـ تؤكد ازديادها خلال السنوات الثماني الماضية، بما يقارب الضعف، هذا إذا ما وضع في الحسبان أن بعض القضايا لا يتم التبليغ عنها بدافع الخوف والرهبة ممن تعرض لهذه الجريمة.
وحذر الدبيخي الفتيات والشبان من الابتزاز، باعتباره من الآثار السيئة للعلاقات المحرمة التي تجرفهم إلى ما لا يحمد عقباه.
يشار إلى أن رئيس الهيئة، الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، توعد مؤخراً بنشر صور المبتزين؛ مطالباً بأن ينزل العقاب الشديد بهؤلاء المجرمين.
وقال: «من أنذر فقد أعذر»، أحذر جميع منْ في نفسه مرض بأنه سيجد اسمه، إذا وقع في هذه الجريمة، في جميع وسائل الإعلام بالمملكة.