انتقلت ظاهرتا التحرُّش والابتزاز من الإطار الفردي إلى شكل جديد ومغاير، وتغيَّر وجه أبطاله ممن كانوا يتوارون -خجلاً- إلى وجوه أخرى تتبجح بجريمتها الكريهة، وعلى الرغم من الحزام الرقابي المفروض على سائقي حافلات بتوصيل الطالبات الجامعيات، إلا أنَّ شكاوى بالجملة تؤكد تعرض هؤلاء لأنواع غريبة من التحرش والابتزاز من قِبل السائقين الوافدين، ممن يتجاوزون البحث عن الرزق للقيام بدور العاشق «فلانتينو»؛ مستغلين خوف الطالبات وخجلهن من إبلاغ أولياء الأمور، أو التقدم إلى «الهيئة» بشكوى مكتوبة.
«سيدتي» تفتح الملف المسكوت عنه، وتلتقي عدداً من الطالبات وأولياء الأمور، وتقف على حيل سائقي الحافلات.
من المرايا
منى خالد بكليَّة إدارة الأعمال بجامعة الملك عبدالعزيز، قالت بأنَّ وسيلة التنقل الجامعية الوحيدة هي الحافلات غير التابعة للجامعة؛ مما يجعلنا نضطر إلى تحمل مضايقات الوافدين، وعدم احترامهم لخصوصية الطالبات، وعلى سبيل المثال، بعض الحافلات لا تضع ستاراً بين السائق وبين الطالبات، وطيلة الطريق وهو يجول بعينيه في المرايا؛ مما يضعنا في حرج وعدم راحة، وقالت: إن نسبة كبيرة من العمالة الأجنبية غير متخصصة في النقل، لكنها تستقطبنا بالأسعار المقدمة من قبلهم، والتي تعد رخيصة، وكذلك توزيع إعلانات في أروقة الجامعة وعليها أرقام تواصلهم.
سيارات خاصة
الطالبة شيماء أحمد، قالت إنَّ هناك سيارات خاصة أيضاً تنقل الطالبات داخل الجامعة وخارجها، وهي مظللة بالكامل، ويقودها سائقون من شتى الجنسيات العربية وغيرها، وهم يستغلون فتيات بنشر أرقامهم على الطالبات كوسيلة للإيقاع بهن؛ مما يفتح باباً على الفتيات بالخروج معهم وتعرضهن إلى التحرش والابتزاز والاختلاء بهنَّ، وشاركتها الطالبة أريج الجهني، بفرع حي السلامة؛ قائلة إنها تتعرض لكثير من المضايقات من السائقين بمكالمات على هاتفها الخاص في منتصف الليل، بحجة سؤالها عن الدوام غداً، ومن بعد إرسال رسائل عبر تطبيق الـ«واتس» وصور غير لائقة، ومحاولته استقطابي بتقديم خدماته لتوصيلي مشاوير خاصة في وقت الدوام الرسمي وبشكل سري وبسعر قليل، وأضافت: يجب على الجهات المختصة معاقبتهم؛ لأننا في حال الشكوى لا نعلم سوى رقم جواله فقط، ولا توجد بيننا عقود.
أولياء الأمور
عبدالرحمن القحطاني، ولي أمر طالبة، قال: نحن لا نرضى أبداً بما يحصل في الفترة الأخيرة من قضايا تحرش وابتزاز يقوم بها بعض السائقين لبناتنا؛ مطالباً بأن تكون هناك عقوبات صارمة ونظام واضح حتى يرتدع كل من يحاول أن يقوم بعمل غير أخلاقي، وأيضاً أحمل أولياء الأمور مسؤولية كبرى، لماذا يسجلون بناتهم في حافلات وسيارات غير نظامية، تقودها «عمالة وافدة»، لا نعلم عنها أي معلومة.
النقل الحكومي
فهد المرعشي، ولي أمر طالبة، قال: إن عدم توفير وسائل نقل حكومية تنقل الطالبات إلى منازلهنَّ وراء الأزمة؛ بل أراها السبب الرئيسي وراء هذه الإشكالية المعقدة، وقال جعفر خالد، أحد السائقين إنَّ هناك من لا يخاف ولا يصون الأمانة، وتأتي مثل هذه التجاوزات من قِبل بعض السائقين غير النظاميين، وقال نورالدين عارف، سائق حافلة، إنه يجب أن تكون هنالك عقوبات صارمة لكل من يتجاوز؛ حتى يكون عبرة لمن يفكر في أن يرتكب مثل هذه الأفعال.
سائق يساوم طالبة جامعية للقاء في مكان خاص
إحدى الطالبات في المرحلة الجامعية «ن. م»، تروي قصتها مع أحد السائقين في الفصل الماضي؛ قائلة: منزلنا يقع على حدود منطقة جدة، وكان يأتيني السائق -من جنسية عربية– صباحاً، وفي انتهاء الدوام الجامعي يعود بي إلى المنزل، وفي منتصف الفصل الدراسي أصبح يتحدث إليّ كثيراً من باب الفكاهة، ويشغل الموسيقى لكي يجذبني إلى الحديث إليه، ومن ثم أبدى إعجابه صراحة بي، وأصبح لا يتقاضى أجرة التوصيل، ويقول: أنا لا أحتاجها الآن، دعيها معك، وكنت أنا أحفظها في بيتي، وعند طلبه لها أقدمها له، وأصبح يعرض علي أن أنسحب من الجامعة والخروج إلى أحد الكافيهات بجدة، لكنني رفضت في المرة الأولى بسبب الخوف، لكنه أصبح يلح علي وقال لي: إنه مكان عام وأمام الجميع، ووافقت وأخذني إلى «الكافيه» وبدأ يمسك بيدي ورفضت هذا التصرف وطلبت منه أن يعود بي إلى الجامعة فوراً، ولكنه رفض ذلك، وعند صعودي إلى الحافلة أصبح يلمس جسمي وأنا أصيح بأعلى صوتي، وأراد أن يذهب بي إلى مكان بعيد، ولكن القدرة الإلهية أنقذتني من ذلك السائق؛ بسبب تعطل محرك السيارة بوسط الطريق ونزولي إلى الشارع، وأخذت سيارة أجرة وعدت إلى الجامعة.
نتعامل مع هذه القضايا بشفافية
المتحدث الرسمي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الدكتور تركي الشليل، قال بأن لدى الهيئة شكاوى وقضايا عديدة حول الابتزاز والتحرش من قبل بعض سائقي الحافلات لنقل الطالبات، ونحن نتعامل معها -حسب الأنظمة والقوانين- بكل شفافية وخصوصية تامة؛ حفاظًا على الفتاة، وأكمل أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لديها الإمكانات والأساليب لمعالجة مثل هذه القضايا، وأنا أطلب من الطالبات عند تعرضهنَّ إلى أي إساءة أخلاقية من قبل أيٍّ كان، يجب أن يتواصلن معنا.
لجنة لضبط المركبات المخالفة
العقيد زيد الحمزي، الناطق الرسمي بإدارة مرور جدة، قال: إن نقل الطالبات عبر وسائل النقل المختلفة من حافلات أو مركبات صغيرة بشكل غير نظامي وتصاريح من وزارة النقل، يعتبر مخالفة صريحة لأنظمة المرور، ويعاقب عليها النظام بالحجز لمدة 15 يوماً وغرامة مالية 300 ريال، وفي حال تكرار ذلك، تضاعف الغرامة ومدة الحجز، وأكد الحمزي، أنَّ هناك لجنة مشكلة من قبل إدارة المرور وفرع وزارة النقل لضبط مثل هذه المركبات المخالفة.