كانت يوم الخميس محاكمة امرأة فرنسيّة من أصل عربي اسمها زكيّة مدكور؛ بسبب تعنيفها وضربها وتعذيبها لعشيقها «مكسيم» الذي عاش معها في شقّتها الصغيرة بباريس طيلة 15 شهراً، وعاشرته معاشرة الأزواج، وبدأ مسلسل التعنيف له –وفق شهادته- بعد شهرين من العيش معها بإمساكه من قميصه وصفعه، ثم تمادت زكيّة بعد ذلك في إذلاله وضربه بعصا المكنسة وحرقه بمكواة ساخنة ودسّ الملح في عينيه وركله ووضع سكّين فوق رقبته لترويعه، ووصل الأمر إلى حد إحداث كسر بأنفه، وقد دخل المستشفى مرتين، وقد أكّد الطبيب الشرعي في شهادته المكتوبة للمحكمة بأنّه فحص «مكسيم»، ووجده في حالة حرجة، وعلى وجهه وجسمه آثار عنف وتعذيب على أذنيه وفمه، وأنّ بعض أسنانه مكسّرة وكذلك أرنبة أنفه.
والغريب أنّ مكسيم قال بأنه كان فاقد الإرادة أمامها لا يردّ الفعل، وأنّه أحس كأنّ هناك مغناطيسا يشدّه إليها ويمنعه من الدفاع عن نفسه، رغم أنّه رجل قويّ البنية طوله متر و80 ووزنه 90 كلغ، ثمّ إنّه لم يفرّ بجلده ويهجر هذه المرأة، بل كان دون وعي منه كالمكبّل وهي لم ترحمه، بل واصلت إذلاله وتعنيفه وأهانته بشتى الطرق؛ كإجباره على النوم على الأرض والقيام بشؤون المنزل، حتّى إنّه فقد عمله حسب شهادته التي أدلى بها إلى هيئة المحكمة المتكوّنة من ثلاث نساء.
وقد أصدر مكسيم كتاباً عنوانه: «رفيقتي: جلادتي» روى فيه قصّته كاملة وهو ما أكسبه شهرة واسعة.
قضية رأي عام
وقد أثارت هذه القضية اهتمام الرأي العام في فرنسا، ذلك أنّه نادراً ما يتقدّم رجل بشكوى للقضاء بسبب تعنيف زوجته له، خشية نظرة النّاس والمجتمع له، ولكن مكسيم، وهو رجل في السّابعة والثلاثين من العمر، كسّر هذه القاعدة، وتقدّم بقضيّة إلى العدالة، معلنا أن المرأة التي أحبّها وعاش معها تحت سقف واحد عاملته طيلة 15 شهراً بقسوة شديدة وأذاقته العذاب ألواناً، مؤكداً أنّه أراد بهذه الشكوى الكشف عن مسألة مسكوت عنها وهي تعنيف الزوجات لأزواجهنّ، مضيفاً أنه شعر في البدء بالخجل للحديث عمّا تعرض له من تعنيف وضرب وإهانات، ولكنّه قرّر في الأخير أن يشكو أمره إلى القضاء، وقال: «أعلم أنّي لست الوحيد، ولكن أكثر من هم في حالتي من الرّجال الذين يتعرّضون للعنف والضرب من زوجاتهم يلوذون بالصمت خشية سخرية النّاس منهم».
وقد ذكر رئيس جمعيّة فرنسيّة مهتمّة بقضيّة العنف الزوجي أنّ سبعة آلاف و136 رجلاً كانوا عام 2013 ضحيّة عنف أزواجهم، وأن رجلاً يموت كل ثلاثة عشر يوماً بسبب عنف زوجته المسلّط عليه، وأنّ امرأة تموت كلّ ثلاثة أيّام بسبب عنف أزواجهن.
بداية القصّة
تعرّف ماكسيم على زكيّة في موقع للدردشة على الإنترنت، في فترة كان يعاني خلالها من فراغ، إثر هجر خطيبته له، فهو خارج من علاقة عاطفية باءت بالفشل، ويقول إنّ زكيّة آوته في شقتها الصغيرة بباريس وأغوته فعاش معها وابنتيها التوأمين وعمرهما 12 عاماً، وقد لاحظ منذ البداية أنها كانت تعاقر الخمر وتتعاطى المخدّرات، وأصبحت تعامله كعبد لا يخرج إلا بإذنها لشراء بعض الأغراض، ولمّا فكر في الهروب هدّدته وساومته باتهامه بالتحرش جنسيّا ببنتيها.
النجاة
والغريب أنّ حبل النجاة جاءه من شقيق زكية وأمها اللذين أشفقا عليه وتوليا إعلام أهله بحالته فهبوا لنجدته، وقال والده إنه لم يتعرف على ابنه عندما جاءه رفقة رجال الشرطة؛ لتخليصه من الجحيم الذي كان فيه، فقد ظهر عليه الهزال والوهن بعد أن فقد 30 كلغ من وزنه إلى جانب آثار العنف والانكسار الذي كان بادياً عليه، وأضاف قائلاً: «لو تأخرنا أسابيع أخرى لنجدته وتخليصه لوجدناه ميتاً».
المحاكمة
حضرت زكية إلى المحكمة ومنعت المصورين من التقاط صور لها، واعترفت نسبياً بما اقترفته في حق مكسيم، ولكنها كانت أحياناً تراوغ بالقول، رداً على استفسارات هيئة المحكمة قائلة: «لا أتذكّر، ولكن من الممكن أنّ ذلك حصل»، وعللت تصرفاتها بالانهيار العصبي الذي تعاني منه والضغط النفسي أما محاميتها حورية سيعلي فدافعت عنها مستعرضة طفولتها القاسية عندما جاءت مهاجرة مع والديها عام 1972 وعمرها ستة أشهر، وقد وضع والدها حداً لحياته بعد أسبوع واحد من وصوله إلى فرنسا مما أربك الأسرة وأدخلها في دوامة أثرت على نفسية الطفلة، وجعلتها عدائية منذ فترة طفولتها، وعندما بلغت السادسة والعشرين تعرفت على شاب حملت منه وهجرها بعد أن أنجبت منه توأمين.
وفي آخر استجوابها من المحكمة طلبت زكيّة الصفح من مكسيم وأسرته وهي تجهش بالبكاء، متوسلة إلى المحكمة الرأفة بها لحاجة بناتها إلى رعايتها، وقد طالب ممثل النيابة العموميّة بالحكم عليها بخمس سنوات سجناً، وسيتم الإعلان عن الحكم يوم 28 مايو، أيار المقبل.