تامر حسني "متسلّق" ناجح!



"اللي جاي أحلى" هو عنوان ألبوم جديد لتامر حسني، وهو مرحلة جديدة يمرّر أهدافه من خلالها، على الأقل، من الناحية الفنية. شريطه الأخير الذي يضمّ مجموعة من الأغاني ينافس بها نجوم مصر، وعلى رأسهم عمرو دياب، وغيره من زملاء المهنة المخضرمين، إلى جانب الشباب "الجدد"، مثل: محمد حمّاقي وحسام حبيب وتامر عاشور وفريق واما وآخرين، وهم أقرب للون الغربي من حيث الشكل والمضمون.
من الواضح أن حسني استعان بكلّ التقنيين المتوفّرين في مصر ليخرج "مفرنجاً" - كما رغب دائماً - وبدا ذلك جلياً في المرحلة الأخيرة لنتاجه، حيث بذل جهداً واضحاً في تجديد "اللوك" والموسيقى التي حدّثها بإدخال الكهرباء إليها بشكل موسّع... لعلّه استغلّ غياب مايكل جاكسون ليحلّ محلّه "بسرقته" بعض أفكار الراحل، خصوصاً في توظيف المسرح لخدمة النجم الذي يعمل على إبراز صورته. ويمضي بمحاولته لتصوير نفسه على أنه نجم الشباب باستخدام اكسسوارات كالسلاسل حول عنقه وقصة الشعر "المارينز" والألبسة السوداء والبيضاء وقبعات مختلفة الأحجام. في الأغنية التي حملت اسم الألبوم "اللي جاي أحلى" نوع من الإبهام الكلامي، إلا أنّ الموسيقى الإلكترونية تظهر بعد مقطع قصير من الموسيقى الإيحائية لماضً افتراضي على طريقة (هاري بوتر) ليخرج الإيقاع الكهربائي الراقص بانتظار الكلام المرافق، وإذ به يأخذ شكل الخطاب "السنة دي عدت علينا صعبة أوي/ بس المهم بقينا لبعض/ولسه لجاي أحلى"... وعلى هذا المنوال، لتأخذ الأغنية في ما بعد شكلاً عاطفياً على نسق "وياك قلبي راح ونسيت جراح/ ومن عمري وانت بعيد/عمرك حبيبي سمعت في مرة/ عن ليل ما طلعش بعده نهار". خلطة أهدافها متعدّدة وعلى المستمع أن يحدّد اتجاهه طالما ارتضى أن يستمع لتامر حسني.
"أكلّمها" أغنية تستخدم الإيقاع الشرقي المنتشر في الأغاني المصرية على طريقة حميد الشاعري، وهو الإيقاع المقسوم السريع الذي يدفع للراقص والتمايل أحياناً، إلا أنّ اللحن الفعلي لا يملك أية صفة فنية، فهو مجرد قصة "مراهقة" يرويها حسني بصوته على طريقته ونصها يثبت ذلك:

اكلّمها ما بتردش عشان أقلق
وبعد شويه أكلّمها وأنا مبرق
وناوي أديها كم كلمه يدايقوها
ترد علي قال نايمه دي قال نايمه وبتفوق
الم واهدى نبضاتي اللي بتخبط
واقول بيني وبين نفسي بتستعبط .....
لطالما حمل تامر حسني لقب "مطرب الجيل" و"مطرب القرن" و"مطرب مصر الأول" وإلخ... فلنقارن هذه الأغنية بواحدة من أغاني عبد الحليم التي روت قصة عاطفية مفادها أنّ صديقين وقعا بحب فتاة واحدة. وكانت "معاناة" العندليب في معرفة من أحبّت، كما جاء في قصيدة "فاتت جنبنا" للشاعر حسين السيد وألحان عبد الوهاب وتقول: "مرة تانية برضو صدفة/ كنت أنا وهو في طريقنا/ شفنا خطوة حلوة حلوة جايا وظل ثالث بيسابقنا/ التفت لقيتها هي/ حاجة مش معقولة هي".

من الظلم المقارنة. فالزمان مختلف والظروف المحيطة مختلفة أيضاً إلا أنه لا بدّ لهذا الجيل الذي نصّب تامر نفسه عليه مطرباً وممثلاً وأشياء أخرى أن يبحث عن شاعر. وفي مصر الولاّدة، التي لا زالت تبهر العالم العربي بفنونها عبر التاريخ، لا بدّ من وجود من يكتب جملة عربية، أو حتى باللهجة المصرية المحبّبة التي أتحفتنا بإبداع القصائد من أحمد رامي مروراً بنهر الشعراء إلى هشام الجخ الذي كتب "مزق دفاترك القديمة كلها/ وأكتب لمصر اليوم شعرا مثلها"...

قد يظنّ البعض أن الكلام الفارغ من أي معنى أو غنى أدبي يجعلك قريباً للجمهور. وهذه نظرية أطلقت مجموعة من المتطفّلين على الفن، استغلّوا فرصة انشغال الفكر والشعر والأدب في أماكن أخرى، إلا أن الصحيح لا تحجبه الشمس بل يطلّ من بين الأشواك التي غرستها فضائيات عربية شوّشت عين وعقل المشاهد.
أغنية "اللي عدى عدى" شعار عاطفي قديم مكرّر في الكثير من الأغاني المصرية الجديدة "اللي عدى عدى/ نبتدي من النهار ده". على هذا النسق، وفي غياب الموسيقى الفعلية، والاكتفاء بالإيقاع الغربي والتلاعب بصوت المغني إلكترونياً ليبدو حديثاً وعصرياً.
"دايماً معاك" من فصيلة أغاني منتصف الليل على إذاعات" إف أم "العربية التي تذيع أغاني تشبه الوشوشات برفقة إيقاع هادىء وكلمات عاطفية تفتعل أجواءً رمانسية مفرطة.
"كل يوم أحبه تاني" هذه الأغنية تثبت أن الفنانين متفقون على موضة تتوزّع بين تقليد السائد وتوزيع الإنتاج على كل الأذواق. فهذا اللحن يحمل طابع الفلامنكو مع بعض التدخلات (الحسنوية) التي تحاول إخراج اللحن من إسبانيته وتعريبه، بطريقة ترضي بعض الذين يستهويهم هذا اللون المستورد، برغم توفّره بأصوات أصحابه الغجر الإسبان الأصليين الذين يتقنون فنونهم عن ظهر قلب، ما أوصلهم للعالمية الحقيقية.

"ولا تسوى الدنيا" أغنية رومانسية على إيقاع الفالس يقطعها البيانو بصولو جاز وأوركسترا تبرز الكمنجات لتضخيم المقاطع الموسيقية وجعلها أكثر غنى. ولعلّ هذه الأغنية هي الأفضل بين أغاني الشريط.

يعاني شريط تامر حسني ضعفاً شديداً من ناحية الكلمات التي تصلح لتكون حديث مراهقين على قارعة الطريق يقيّمون تجاربهم العاطفية ويسدون النصح لبعضهم البعض. وكما في أغنية "كمل لوحدك ولا حصدق مهما تعيد وتزيد/ مين اللي يضمنلي اني ما ندمش من تاني كمان/ اللي كان عنده حاجة كان عملها زمان" ...

نكتفي بهذا القدر من تحليل شريط تامر حسني الأخير "اللي جاي أحلى" لاختفاء عنصر أساسي من المنتج ألا وهو الموسيقى بمفهومها الحقيقي دون عمليات التطويع التي يجريها مهندسو الصوت ومنسّقو الأصوات الإلكترونية ليخرجوا بنتيجة بات الكثير من الشباب يعلم أسرارها وحيثياتها. قد تنجح هذه التجربة وقد توزّع العديد من الألبومات وقد تزيد من شهرة تامر "القلق" على نجوميته كونه، وباعتقادي، الأكثر معرفة بما يدور من حوله... إلا أنّه قرّر الذهاب مع "الكذبة" التي أطلقها يوماً وصدّقها بعد أن صدّقها من حوله.



    
الغناء الحر لا يعني النشاز
"هيك منغني" برنامج موسيقي ناجح تقدّمه مايا دياب. هو محاورة غنائية بين ضيوفه من خلال لعبة تحدّ بين فريقين يقدّمان مجموعة من الأغاني المعروفة، وبما أنها معروفة فهذا يعني أنها ناجحة. وكثيرة هي الأحيان التي يتجلّى فيها ضيوف هذا البرنامج من خلال التطريب والتعامل مع الألحان شرقية تحتمل المبادرة والتجوّل في أجواء المقامات الشرقية، وخصوصاً القديم منها نسبياً لأهميتها وقوة ألحانها التي وضعها كبار الملحنين.
عادةً ما يمتّعنا هذا البرنامج ويفاجئنا بأصوات وقدرات لابأس بها، إلا أنّ لكل قاعدة شواذاً، تبيّن ذلك بوضوح في الحلقة التي استضافت سارة الهاني والمطرب آدم. وكما هو معروف، يمتلك الإثنان صوتاً جيداً وقدرة على التعامل مع المادة الطربية، وإن كان تصنيف آدم يأتي في درجة أعلى فنياً وخبرةً من سارة.
بداية الحلقة أوحت للمشاهد أن هناك إمكانية للمتابعة وفرصة للهاني لأن تتألق،لكنها سرعان ما بدّلت أهدافها وأظهرت نوعاً من الهيمنة والأنانية المفرطة، فلم تترك فرصة لغيرها ولم تمر أغنية دون أن تضع فيها صوتها، الأمر الذي يدلّ إلى قلّة الخبرة وحب الظهور "المرضي". لم تكتفِ بذلك، بل انطلقت لتتفنّن بأغنية "أكدب عليك" لتشوّه مفهوم الغناء الفالت أو المرتجل المرتكز أصلاً على روح المقام، وهو عادة ما يفعله المغنون المحترفون بقواعد لا تؤثّر على اللحن الأصلي. وتجدر الإشارة هنا إلى أغنية "عللي جرى" عندما قدّمها صابر الرباعي على المسرح مع أصالة لتكون درساً لمن يريد أن يضيف إلى أغنية ناجحة، فلا بدّ أن يكون فاهماً ومتمرّساً ليرتجل من دون أن يحرج الفرقة الموسيقية، أو يحرج نفسه، أو يعتدي علينا نحن المشاهدين المستمعين الذين أصابنا الملل من طول الانتظار، ومن شدّة النشاز في  الفصل الأخير من البرنامج.
لقد درج مطربو المطاعم والأندية الليلية على استعراض أصواتهم أمام نوعية مستمعين تعنيهم الإيقاعات والتحيات أكثر من الغناء بمفهومه العلمي الإنساني. ولكن، ماذا عن المادة المخصّصة للتلفزيون الذي بدوره يقدّمها للمشاهدين من كل شرائح المجتمع؟ ما فعلته سارة الهاني بأغنية "أكدب عليك" يصنّف اعتداء على اللحن وتشويهاً لأغنية تحمل كل مواصفات النجاح.
هنا، لا بدّ من السؤال: هل اعتقدت سارة أنها ستضيف إلى أغنية لحّنها بليغ حمدي وأدّتها وردة الجزائرية بكل ما يحمل صوتها من قوة وقدرة على التلوين؟!
هل كان يصعب على وردة التلاعب بهذا اللحن؟ أم أنها احتراماً لما كتبه الملحن والتزاماً بمفهوم الأدوار كي لا تتداخل الاختصاصات، أدّت الأغنية كما أعطيت لها؟ العُرف يقول: "لا يأخذ الشاعر حقّ المغني ولا الملحن يدخل حلبة الشعر وهكذا..." هذا ميثاق أخلاقي نابع من الذوق الذي يحدّد كيفية التعامل مع أغنية تعدّ واحدة من كلاسيكيات الغناء العربي الحديث، أغنية عاشت وستبقى إلى أجلٍ طويل. كيف لا، وبليغ حمدي هو من الملحنين الذين تركوا بصمة في الموسيقى العربية، وهو أحد أبرز من نشّطوا الحركة الفنية وأخرجوا الموسيقى من رتابة الماضي، وكثّفوا جرعات الفرح وأسرعوا من درجات الإيقاع؛ ليتناغم مع سرعة العصر من خلال التلوّن والتحاور بين الآلات الشرقية والغربية!
لقد تفوّق آدم بهذه الحلقة من ناحية الأداء، وبدا عليه الامتعاض ممّا اقترفته الفنانة الصاعدة. وبرغم الضياع الذي وضعته فيه حين خرجت من مقام الأغنية وحلّقت خارج السرب، حاول مرات عدة أن يساعدها على العودة، إلا أن إصرارها وتماديها في النشاز كان محلّ استغراب، برغم قدراتها الصوتية التي تخلّت عنها في سبيل الاستعراض.