بعد تعافيها من الفيضانات التي ضربت المناطق الشمالية والوسطى منها، تتزايد الجهود التي تروّج للمملكة التايلندية وجهة رائدة للسياحة العلاجية في جنوب شرق آسيا، حيث ترتفع الاستثمارات التي تميط اللثام عن مؤسسات استشفائية ضخمة تمتلك تقنيات متطوّرة للغاية، تشرف عليها طواقم متخصّصة يشكّل المترجمون مكانةً رائدةً فيها لتلبية حاجات السيّاح الذين يحضرون للاستشفاء ويتزايدون سنة بعد سنة. وإذا كانت هذه المرافق ضالعة في الاختصاصات المختلفة، تشكّل الجراحات التجميلية الهدف الرئيس لغالبية السيّاح! ففي بلد "الأنوف الكبيرة"، في إشارة إلى أن عملية تجميل الأنف رئيسة للفتيات التايلنديات، يسمع الزائر همساً عن زيارات لنجوم هوليوود إلى "بانكوك" لهذه الغاية!
ولعلّ أبرز الأسباب المسؤولة عن التقدّم في هذا المجال، تشمل تكلفة الاستشفاء المقبولة مقارنة مع الدول الأخرى وخصوصاً أميركا وأوروبا والخليج، وصلاحية وزارة الصحة ورقابتها الصارمة على المستشفيات والأطباء المتميّزين ودورهم في بعض البحوث العلمية، علماً أنه لا يسمح للأطباء الأجانب ممارسة هذه المهنة على الأراضي التايلندية.
وللتدليك التايلندي قصّة مختلفة ترويها الجدات للحفيدات، وتدفع تجربتها في "مهدها" إلى اكتشاف الفروق بينها وبين تلك المراكز التي تفتتح في أماكن عدّة من الدول العربية وتزعم أنها تقدّمها، إذ لا يتعلّق الأمر بالتدرّب على أصولها والذي يتمّ في يوم واحد، بل على معرفة تركيبة الجسد وكيفية الضغط على أماكن محدّدة من العضلات.
رغم الحداثة التي دخلتها من الباب الواسع، تحافظ "بانكوك" على خط رفيع يصلها بالماضي تبرزه جلياً مبانيها التاريخية المحفوظة جيداً وسكانها المتمسّكون بتقاليدهم (أداء الشعائر الدينية والمطبخ...). وفيما تبرز ناطحات السحاب والقطار المعلّق في زوايا عدة منها، تفاجئ الزائر بعض الأزقّة المنسية التي يغرق سكانها في بؤس شديد!
وفي الموازاة، تحمل زيارة أبرز المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة صورة عن مدى تقدّم القطاع الاستشفائي الذي بات يمتلك سمعة طبية عالمية. ويبرز في هذا الإطار:
_ مستشفى بانكوك (المستشفى الملكي) Bangkok Hospital: يمتاز بمعدّاته المتطوّرة والتي تجعله من بين طليعة المستشفيات العالمية المجهّزة بهذا القدر من التقنيات، يحجز المرتبة الثامنة كمجموعة طبية متكاملة على مستوى العالم. ويحتضن أقساماً داخلية تتبع كل جالية (فرنسية وإنكليزية وعربية...) من المرضى يشرف عليها طبيب ينتمي إلى جنسية القسم يقوم بالتعاون مع المترجم (يزيد عدد المترجمين فيه عن 40 مترجماً يتحدّثون 256 لغة) في مساعدة كل المريض حسب جنسيته، ما يكسر حاجز اللغة. ويوفّر غرفة للصلاة للمرضى العرب، كما المأكولات الحلال. يقصده 45 ألف مريض عربي في كل عام يشكّلون نسبة 30% ضمن 120 ألف مريض أجنبي، ينتمون إلى دول الخليج (الإمارات وقطر وعمان)، ويأتون بصورة جماعية (عائلات) خصوصاً للفحص الشامل. وتختصر غالبية الأمراض في صفوف هذه الجالية، حسب قسم العلاقات العامة، بالسمنة وارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب والشرايين. ويغطي الاختصاصات كافة، ويمتلك وحدة خاصّة بكل منها.
_مستشفى سميتيويت التخصّصي Samitivej Srinakarin: يتحدّث الدكتور أحمد أفندي وهو تايلندي ولد في السعودية وعاش فيها عن استقبال من 6000 إلى 7000 مريض يأتون من الدول العربية سنوياً، كما أطباء زائرين من الإمارات وسلطنة عمان. وإذ يسمح موقع هذا المستشفى القريب من المطار (يبعد 15 دقيقة منه) في جعله يحجز ركناً في هذا الأخير للعناية بالحالات الطارئة، تبرز البحوث الطبية فيه في مجال استبدال مفاصل الركبة وجعل من يخضع إليها يستطيع ثنيها إلى 180 درجة مئوية، وجراحة الحوض، وتسريع علاج وزيادة فرص شفاء أمراض التلاسيميا المنتشرة في آسيا، ومكافحة مضاعفات السكري (الغرغرينا) بحلول تبعد عن البتر.ويذكر أفندي لـ "سيدتي" ازدياد الحالات الآتية من الإمارات منذ مارس (آذار) والتي تعاني من فشل عملية ربط المعدة (أكثر من 50 حالة)!
_ "معهد بريتشا للتجميل"Preecha Aesthetic Institute : عنوان لنجوم هوليوود الذين يقصدونه بهدف الجراحات التجميلية والذين تتكتّم الإدارة عن أسمائهم بالطبع! يستقبل ما بين 3000 و5000 زائر كل سنة، تخضع الغالبية إلى عمليات تجميل الأنف وشدّ الوجه والصدر وتحويل الجنس. بالمقابل، تتفاوت تكلفة عملية زرع الشعر حسب عدد الشعرات المزروعة والتي تبلغ دولارات ثلاث للشعرة الواحدة!
يتحدّث القيّمون على قطاع الاستشفاء في "جزيرة بوكيت" أن ارتياد المستشفيات خلال الإجازة للخضوع إلى عمليات التجميل يجعل المرء يوفّر حوالي 2/3 المبلغ المتوجب عليه إنفاقه في مكان آخر وخصوصاً في أوروبا، فيما تبدو التكلفة التي يقدّمها هذا القطاع على هذه الجزيرة من بين الأرخص في آسيا، لا تنافسه سوى الهند في هذا المجال، ولكن لا تحمل هذه الأخيرة عناوين جذب سياحية بقدر هذه الجزيرة ذات المياه الكريستالية! وتمتلك هذه المعطيات أهميتها حين يدرك المرء ازدياد نسبة من يقصد الجزيرة لهذه الغاية بنسبة 70%، يأتون خصوصاً لعمليات شد الصدر أو تصغيره وشد الوجه والبطن وشفط الدهون. ويبرز في هذا الإطار:
_ مستشفى بوكيت الدولي Phuket International Hospital: أسّسه الدكتور أنوروج تاراسيريروج في العام 1982، يستقبل 130000 مريض في كلّ عام، يقصده السيّاح خصوصاً للخضوع إلى الفحوص الشاملة وجراحات التجميل وعلاج الأسنان وعمليات "اللايزيك" للعين ومركز الخصوبة والوخز بالإبرة لتخفيف الألم Acupuncture، بدون إغفال أقسامه الأخرى (الطوارئ والقلب والأطفال والأنف والأذن والحنجرة والعين والطب العام وزرع الشعر وغسيل الكلى والأعصاب والتوليد وجراحة العظام والعلاج الطبيعي...). وتبلغ أعدادهم 1000 مريض كلّ عام، تنتمي النسبة الأكبر منهم إلى أستراليا، تليها أوروبا. وتجدر الإشارة إلى أنّ تزايد الطلب على جراحات التجميل جعل الإدارة تزيد عدد جراحيها في هذا المجال والذي سيبلغ 6 جراحين في العام المقبل. وتتركز طلبات السيّاح المرضى في مجال الطب التجميلي، على: زرع أو شد أو تصغير الثدي وشد الوجه وشد البطن وشفط الدهون.
_ مستشفى بانكوك/فرع جزيرة بوكيت Bangkok Hospital Phuket: ينتمي إلى شبكة مستشفيات بانكوك التي تضمّ 19 مستشفى خاصاً تعدّ الأكبر في مجال العناية الصحية في جنوب شرق آسيا، وتشير إحصائياته إلى استقبال 58000 مريض ينتمون إلى جنسيات غير تايلندية في سنة 2009، جلّهم يأتي من المملكة المتحدة وأستراليا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية. ورغم خدماته الطبية المختلفة، يشتهر خصوصاً بمركز "اللايزيك" لجراحة العين. يضمّ في إحدى زواياه مزاراً لضحايا تسونامي ديسمبر (كانون الأول) 2004 العام يشتمل على صور فوتوغرافية لكيفية إسعاف الضحايا.
في المقابل، تحظى المراكز الخاصّة بـ "السبا" بأهمية خاصّة يختصرها التدليك التايلندي ذائع الصيت والمنتوجات الخاصة بالعناية بالوجه والجسم المستخرجة من عناصر طبيعية. ومن بين العناوين الجدير بالزيارة:
_ "قرية شيرايم للسبا" Cheraim Spa Village: تمتدّ على مساحة 16000 متر مربع، ويسكنها الهدوء الذي يحمله الطراز التايلندي وديكور يسوده خشب "التك"، يحوطها حوض للسباحة وتشكيلات مائية. تستقبل هذه القرية من ينشد إراحة جسده وجعل وجهه يستعيد بريقه.
_ "سوكو سبا الثقافة والعافية" &Wellness Sukko Cultural Spa: يكاد هذا المكان يختصر "جزيرة بوكيت". ويمكن لزائره أن يصله من المطار لقضاء بضعة أيّام يشارك في خلالها في صفوف اليوغا وتعلّم الطهو التايلندي والحفر على الفاكهة والخضر، وأساسيات التدليك التايلندي وتنسيق الزهور وتقنيةMUAY THAI CHAIYA، وهي نوع من رياضة الكيك بوكسينغ والتمرينات المائية... في ظل الإقامة في غرف ذات إطلالة رائعة على الخضرة التي تحيط المكان، والاستفادة من خدمات "السبا" ذات الجودة العالية. وهنا، يلفت مطعمه بلائحتي طعامه اللتين تشتملان على مأكولات تختلف حسب فئة الدم أو تاريخ الولادة!