أسرار الطفولة

ساعة أمضيها معك كلّ يوم أيّها الطفل العزيز، تنقلني من دنيا الشقاء إلى نعيم البراءة. أتأمّلك وأنت تنمو، وتتفتّح مثل أزهار الحقول، ويتضوّع السحرُ من عينيك؛ يحدّثني، يَمتحن قدرتي على الفهم، ثم يتركني في حَيْرة وتساؤل.

وتنهال عليّ أسلئةٌ من أعماق نظراتك البريئة، ولا أجد لها جواباً.

>>> 

من أنتِ؟

تسأل عيناك. وما هي العلاقة التي تربط بيننا؟

حتى إذا نطقتَ ببواكير الكلام، تحلُّ أنت في كرسي المعلِّم، وأبقى قابعة في جهلي وغلاظة ذهني.

وأنتَ تجيب على الأسئلة من دون عناء.

تُردّد ما تسمع من كلام، وبكلّ الثقة والتأكيد. حتى إذا تحوّلتَ أنت إلى موقع السائل أُصابُ أنا بالبكم.

وكيف يُمكنني بلوغ أعماق يتدفّق منها هذا البهاء، وذاك الشوق إلى المعرفة والإقبال على الحياة؟!...

>>> 

وعندما أصحبك في نزهة إلى الحديقة المجاورة، تمضي في تلقيني دروساً جديدة في الحوار.

فأنت تُحادث كلَّ ما حولك من كائنات، ولا تُفرِّق بين قريبٍ أو غريب.

في الحقيقة، ليس هناك، في حسابك، غرباء، وكأنّك متآلفٌ ومتصادقٌ مع كل ما ومن تصادفه من مخلوقات، ومن قبل أن يتمَّ اللقاء.

تُنادي المتسوّل «عمّو»، فيُشرق في عينيه نورٌ جديد، يَردّه إلى مسار الكرامة الإنسانية.

تمدُّ يدَك لتمسكَ بالقمر، وكأنّه زرٌّ في عروة معطفك، ولا تُقدِّر بُعدَ موقعه، أو المسافة القائمة بينكما؛ فالكلُّ في نظرك رفاقُ طريق.

>>> 

وحين أجلسُ معك، لا تفارقُني الأسئلة، ومن دون أن أعثر على جواب. فما هو سرُّ الطفولة؟

وكيف ندّعي، نحن الكبار، فهمَها، أو الإحاطةَ بعوالمها الغامضة؟

>>> 

في جلساتي التأمُّلية معك، أكتشفُ كم أننا، نحن الكبار، أغبياء، أمام توهُّج الطفولة وبراءتها!

ولا أرتدّ، بل أمضي في محاولاتٍ جديدة لمزيدٍ من الفهم. ثم أُقلِّب صفحاتٍ كتبَها حكماء حاولوا من خلالها تفسير معنى الطفولة. وظلَّ الواقعُ يكشف أبعادَ فشلهم.

>>> 

ويا ملاكي، الآتي من عوالم المجهول، أرجوك دُلّني إلى سُبُلٍ تقودُ إلى ينابيعَ منها يتدفّق هذا النورُ والبهاء؛ أرشدني، علّني أعودُ طفلةً كي أفهمَ أسرارَ الطفولة.