النقيب المكرّم

هو أهلٌ لكل تكريم.

هذا ما سمعتني أردّده عندما بلغني خبر إقامة ندوة تكريمية لنقيب الصحافة اللبنانية محمد بعلبكي، تحدّث خلالها بعضُ من عرفوه من رجال الصحافة والفكر، للتعريف بالجهد الذي بذله خدمةً للكلمة والرأي الحرّ في وطنه.

أُقيم الاحتفال في قاعة اليونسكو، وكانت لي كلمة حاولتُ من خلالها التذكيرَ ببعض مآثره.

وهو يُعَدُّ من المؤسِّسين للصحافة في لبنان، بإنشاء صحفٍ ومجلاتٍ كان لها شأن، واستقطبتْ أقلامَ كبار الأدباء والكُتّاب، كما أعطت الفرصة للأقلام الناشئة.

ولأنّه كان صاحب الصوت الجريء فقد سُجن أكثرَ من مرّة؛ وهذه التجربة جعلتْه يُقدّر كم هو مكلفٌ ثمنُ الحريّة.

ثم تابع سَعيْه كي يضمنَ للصحافي حرّيةَ الرأي؛ إلى أن توصّل، وبعدما شاهد واختبرَ ما عاناه الصحافيون في خلال سنواتِ الحرب، إلى تخصيص يوم في السنة لشهداء الصحافة.

انتُخبَ الأستاذ بعلبكي في العام 1982 نقيباً للصحافة للمرّة الأولى.

وفي خلال سنوات الحرب، كان له الفضل في المحافظة على مستوى النقابة، من جهة، كما على السلام السائد في جوّها، فلم يختلفْ أعضاؤها يوماً.

حتى إذا طَوينا الصفحة، يُطلُّ وجهٌ آخر للنقيب بعلبكي راعياً لكل نشاطٍ فكري أو أدبي، وفاتحاً أبوابَ النقابة أمامَ الكتّاب والمفكرين، إما للاحتفاء بهم، أو للتعريف بأعمالهم من خلالِ توقيعِ كتاب أوعقدِ ندوة.

أما هذا التكريم الأخير الذي أقامته مجلتا «حضارتُنا» و«ندى الصباح» فينبّهنا إلى أنه ليس تكريماً لشخص وحسب، بل هو تكريمٌ لقيَم صحافية، أدبية وإنسانية.

لقد سجّلَ النقيب بعلبكي، في كل خطوة اجتازَها، القدرةَ والجدارة، كما بقي قدوةً إنسانيةً ومثالاً للأجيال الطالعة.

وعندما مُنيت الصحافةُ بخسائرَ جسيمة في زمنِ الحرب، حوّلَ النقيبُ السلبَ إلى إيجاب، حين دعا إلى تخصيص يومٍ من أيام السنة لشهداءِ الصحافة.

وأسّسَ، في عهده، داراً للنقابة يتّسعُ صدرُها لشتّى اللقاءات الفكرية.

هو تاريخٌ من المآثر، والحفاوةُ به تأكيدٌ على أنّ الغرسَ الطيّبَ يؤتي ثمارَه. ولا شكّ بأن ما غرسَه النقيب بعلبكي في أرض الوطن، كما في نفوس مَنْ تتلمذوا عليه، هو من خيـرِ الثمار.