فلنقلب المناشف

بكالوريا آداب، دبلوم فندقة تخصص تزيين الموائد، منذ شهور وأنا أبحث عن عمل يناسب ما درسته دون جدوى، لا يريد أصحاب الفنادق أن يعلمهم أحد كيف يرتبون أزهار الموائد، تلك أمور بديهية يقررونها بأنفسهم، وليس ثمة ما يجبرهم على دفع راتب لموظف لقاء تنفيذها، بدأت أيأس من الاشتغال في مجال تخصصي.

نشرت إعلانًا في الصحف، واتصلت بي إحدى السيدات لديها شركة لتحضير الأعراس، وبين يديها طلبية، سترى إن كان لديَّ ما أقترحه عليها بخصوصها، وإن أعجبتها أفكاري فستشغلني معها.

ذهبت للقائها، مكتبها صغير لكنه يقع وسط الحي التجاري، يرتاده زبائن كثر، واجهته أنيقة، تثير انتباه المارة، مجسمات صغيرة لديكورات أعراس مختلفة المواضيع، أجواء تقليدية، وأخرى عصرية، تحف من مختلف البلدان، زهور بألف لون ولون، ستراس، ونجيمات، وبودرة ذهب وفضة، عوالم مثيرة فعلاً، تحدثنا وقالت إن زبونتها تريد أن تزف على شاطئ البحر، وتفكر في جو حالم يجمع بين عوالم ألف ليلة وليلة وأساطير عرائس البحر، أخرجت مفكرتي ورسمت بضعة أفكار لكيفية تزيين الموائد، وشكل ديكوراتها، وطريقة تقديم الأكل عليها، وتحمست السيدة، واتفقنا على أن نخوض المغامرة معًا.

تعرفت على الطاقم الذي سيعمل معي، وانهمكنا في الشغل أكثر من شهر من العمل المتواصل لاختيار الأزهار وترتيبها بشكل يروق للعروس، التي كانت متقلبة للغاية، وغير مستقرة على رأي، اخترنا ديكورات الموائد بعناية، صحون على شكل أصداف، وكؤوس بسيقان طويلة كنباتات البحر، شراشف شفافة تزينها حبات عقيق تشبه اللؤلؤ، ومناشف قضينا وقتًا طويلاً في تنفيذ طياتها، أرادت العروس شيئًا جديدًا، غير معروف، وعرضت عليها طريقة مبتكرة ومعقدة في نفس الوقت لطي المناشف، وقبلتها.

لعلها كانت نقطة تميزي الأولى في الشغل الذي نفذته؛ المناشف الشفافة المائلة لزرقة فاتحة، بتطريزها الجميل، وطياتها المبتكرة.

جاء اليوم الموعود، ووقفت في الكواليس أنظر بفخر -لا أحاول أن أخفيه- إلى المدعوين وهم يتطلعون لموائدي بانبهار، وآهات الإعجاب تنطلق بعفوية من أفواههم، الترتيبات كانت رائعة، والجلسة المنفتحة على منظر الغروب الحالم كانت أسطورية بالفعل،

مرت مديرتي قربي، وضغطت على كتفي برضا، وابتسمت لها.

أخيرًا، وجدت العالم الذي يناسبني.

قدمت المشروبات، وصدحت الموسيقى، ليست المقطوعات الرومانسية التي انتقتها المديرة بعناية، ونالت رضا العروس، لا بل سلسلة من أغاني المناسبات الراقصة، مقطوعات فوضوية فظيعة، استهلتها أغنية باتريك سيباستيان المعروفة «فلنقلب المناشف!» وفي لمح البصر، نفّذ المدعوون طلب المغني، وقلبوا المناشف الموضوعة أمامهم، ولوّحوا بها بحماس، قطع الديكور التي قضيت ساعات طويلة أنا وفريقي نلفها ونطويها ونحسب بالملليمتر المسافات التي تفصل بينها وبين باقي الديكورات.

همست مديرتي في أذني: «إنه خطأ العريس، هو من قام بتغيير تشكيلة المقطوعات الموسيقية.. لا عليك».

عقدت ذراعيّ حول صدري؛ حتى لا أخنق بهما أحدًا.