انتفض الطلبة الرافضون للإصلاح التعليمي بشوارع روما، ثم النقابات العمالية المطالبة بالإصلاح التشغيلي، فالأحزاب اليسارية المطالبة بإسقاط الحكومة، فالأحزاب اليمينية المعارضة للحكومة والمضادة لليسار. وانتفضت أذناي من طول مكالمات هاتفية، ودّ أبطالها الاطمئنان على سلامتي مما ختمت به بعض التظاهرات، وأخضعوني لاستجوابات ودودة ناوشت العام والخاص. وبما أن الأسئلة تقريبًا نفسها، فقد حررت الآتي وعممته بين أعزاء لا أستثنيكم منهم؛ كي أنبذ دور الببغاء.
«بروما وعدا التلال السبعة وجدت بجناحيّ بقيّة ريش لأحلّق عاليًا. وجدت التقدير دون سند عائلي. فالناس يعطونني حق قدري؛ لأنني إنسانة ولست بنت فلان أو زوجة علّان. وجدت اهتمامًا من أهلها والوافدين لدرجة الهوس بلغتنا العربية التي نتأفف ممن يتحدث بها دون حشو فرنسي أو إنجليزي. وجدتني متساوية مع الذكور، ليس فقط يوم الانتخابات. وجدت أن أُذنيّ ليستا مجبرتين على سماع أسطوانات الفجور، ولا أهوال القبور من المعاكسين في مشاويري اليومية. وجدتني غير متهمة حتى تثبت جريمتي وليست براءتي. وجدت أن تزيين كعبي بخلخال لا يجعل الرجال ينعتونني بالمثلية. وأيضا شبك أشكال تراثية بقلائدي الفضية وأساوري لا يجعل النساء تنعتني بالشعوذة. وجدتني غير مطالبة بتقديم المبررات للغير عن خطواتي وقراراتي. ووجدت ذاك الغير لا يحلّل ويناقش شؤونًا لا تعنيه. رغم الانفتاح اللامشروط على الآخر الذي يطبع أهالي الوسط والجنوب خاصة بحكم مناطقهم ذات الجذب السياحي.
طبعًا إيطاليا لا تخلو من أحكام جاهزة للتبني من ملاجئ الإعلام المغلوط، تشرف على تنشئتها أقلام ذات توجهات متطرفة أو نزعات شوفينية. إزاء المهاجرين؛ لذلك واعتبارًا بما يتجاذب البلد من مدّ سياسي يساري وجَزْر يميني. فمتى تولَّ اليسار التقدمي الحداثي تجدوه يسعى لاحتواء المهاجر واندماجه بتقييم ثقافته والاعتناء بفضاءات عبادته.. ومتى تولَّ اليمين المحافظ الحكم تجدوا زعماءه ينادون بتشريعات سريالية. كفصول دراسية لأبناء المهاجرين بمعزل عن نظرائهم الإيطاليين، أو تبليغ الأطباء عن المهاجرين السريين المرضى، أو منع الزواج بين الإيطاليين والمهاجرين، أو الإشراك التطوعي للمدنيين المتقاعدين في دوريات الحراسة الليلية للحد من جرائم الهجرة. خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر التي بثت التوجس في القلوب مما هو عربي بما في ذلك «الكباب».
ولعل ما يثلج الصدر هو تقبّل الإيطاليين الحوار. الذي لا يجعل من تصحيح المفاهيم معركة كمعارك «دون كيشوت». بل تجعله بساطًا للتواصل؛ لا يحمل راكبيه دائمًا إلى مدائن الورود.. لكن بإمكاننا كقوم من شيمهم الكرم بذر نوّار شمس وشقائق نعمان في طريقه.