«يوجد في السعودية 20 ألف مصاب بالإيدز، 80 بالمئة منهم رجال، حيث ارتفع العدد التراكمي لحالات الإصابة بالإيدز، منذ اكتشافه في المملكة سنة 1984 إلى غاية سنة 2013 وثلثها من غير المواطنين»، هكذا أفصحت مديرة برنامج الإيدز في وزارة الصحة السعودية د.سناء فلمبان عن التعداد الأخير للمصابين بالإيدز في السعودية، وحسب السجل الوطني المرجعي لعدد المصابين بالإيدز، سجلت 1777 حالة إصابة سنة 2013، منها أكثر من 500 إصابة لمواطنين سعوديين، وتشكل نسبة النساء واحدة لكل خمسة رجال.
وهكذا حدث مع «أم علي» (سيدة منزل تبلغ 37 سنة) التي انتقل إليها المرض من خلال زوجها، اكتشفت الأمر أثناء المراجعة الشهرية لطبيبتها النسائية، خلال الحمل. قالت لها الطبيبة قبل الولادة: «أنت مصابة بمرض الإيدز»، أصيبت «أم علي» بالانهيار متسائلة عن كيفية إصابتها بالمرض، حتى اعترف لها زوجها أنه من نقله إليها، كونه مصاباً بالإيدز منذ عشر سنوات، قالت له باكية: «حرام عليك.. ليش تتزوجني وأنت عارف أنك مريض؟!».
شعرت «أم علي» أن حياتها انتهت في هذه اللحظة، خصوصاً بعد أن قاطعتها شقيقتها قائلة: «أنا ما عندي أخت»، وكذلك فعلت جارتها وصديقاتها، كانت الأمور سيئة للغاية، خصوصاً بعد طردها من عملها ووفاة زوجها، متأثراً بمرضه، فقررت انتظار لحظة النهاية القادمة، حتى انتشلتها ابنتها التي أنجبتها قبل خمسة عشر عاماً من مستنقع الاكتئاب، طالبة منها الانخراط في برنامج التأهيل النفسي والجسدي لمرضى الإيدز.
بدأت المواجهة الحقيقية مع مرض الإيدز، بعد تطوير ما يقارب ثلاثين عقاراً، يمكن عند استعمال اثنين أو ثلاثة منها وقف تكاثر الفيروس في الجسم حتى الصفر تقريباً. كما أن السرية التامة والمعاملة الحسنة للمترددين على مراكز الفحص الطبية بالسعودية ساهم في تقليل الوصمة المصاحبة للمرضى، وهو ما شجع عدداً ليس بالقليل من المواطنين على طلب خدمة الفحص والإرشاد من هذه المراكز طواعية.
ففي شمال جدة يقبع مقر الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز التي ترعى أكثر من 400 أسرة، التي تقوم بدور مهم في نشر ثقافة التوعية الصحية والتكيف النفسي لذوي المريض من خلال عدة برامج، إلا أن أهمها على الإطلاق برنامج تزويج المتعايشين مع الإيدز ممن لديهم الرغبة في الزواج والإنجاب، حيث أصبح من الطبيعي أن يتمكن المصابون بالإيدز من إنجاب أطفال سليمي الصحة مع تطور أساليب العلاج والمتابعة الصحية الدقيقة قبل الحمل، وخلاله وبعد الولادة من طبيب مختص.
أم عبد الرحمن، سيدة منزل تبلغ 38 سنة، من المستفيدات من برنامج تزويج المتعايشين مع مرض الإيدز، انتقل إليها المرض قبل 17 عاماً، تقول: «انتقل إلى المرض، خلال عملية نقل دم جراء تعرضي لحادث سيارة، ذهبت لعمل مراجعة طبية عادية بعد عامين لأكتشف إصابتي بمرض الإيدز، كنت حينها في الخامسة والعشرين من عمري، أحلم كأي فتاة بالزواج والإنجاب والعمل، كان وقع الصدمة أكثر من مفاجئ كوننا تربينا على أن مرض الإيدز يؤدي بالإنسان إلى الموت، عشت رعباً قاتلاً مضافاً إليها وصمة اجتماعية رهيبة، لم يتقبلني المجتمع كوني مصابة بمرض الإيدز، لم يبالوا بأنه انتقل إليّ بسبب تلوث الدم في المستشفى، كنت بالنسبة إليهم فيروساً معدياً قاتلاً بينهم، لذا تقوقعت على نفسي وحذفت موضوع الزواج من رأسي حتى قرأت على تويتر عن برامج الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز.
ذهبت إلى إحدى عياداتهم لعمل دورات تثقيفية ونفسية؛ حتى تساعدني في العيش بطريقة طبيعية، وهناك أخبروني ببرنامج تزويج مرضى الإيدز من بعضهم البعض.
وافقت على الفكرة دون تردد بسبب رغبتي الشديدة في الإنجاب، لكن هذا لم يحدث إلا بعد تأكدي من إنجاب طفل سليم بنسبة 50%، والحمد لله أنجبت ابني عبد الرحمن الذي سيدرس الطب ويتخصص في الأمراض المعدية».
وفي هذا السياق، تقول استشارية الأمراض المعدية د.بتول محمد: «لقد وصلنا إلى درجة عالية من التطور في ضبط مرض الإيدز، حيث يأخذ المريض حبة علاج واحدة على درجة عالية من التطور والفعالية، ما تسمح له بالعيش بشكل طبيعي مثل مرضى السكر والضغط، كما يوجد 20 عيادة فحص طبي طوعي في المملكة منها 3 في مدينة جدة، التي تستقبل المريض الراغب في عمل تحليل الإيدز، لا نطلب منه هوية أو أن يعرف عن اسمه أو عمله، نجري له الفحص ثم نقدم له المشورة ونعلمه باستعدادنا لاستقباله إذا أراد الدخول في برنامج العلاج».
من المهم أن يساهم الجميع في منع الوصم والتمييز ضد المصابين بالإيدز، وأن يتقبل المجتمع اندراجهم بين الناس، طالما أن طرق العدوى معروفة، حيث لا ينتقل الفيروس، خلال الممارسة الحياتية في الدراسة والعمل واستخدام المرافق العامة وحضور المناسبات الاجتماعية والمشاركة في الأكل والشرب، من هنا تأتي أهمية برنامج تزويج مرضى الإيدز من بعضهم البعض، كما يقول موسى هيازع من الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز: «نحاول التوفيق بين طرفين متعايشين مع الفيروس، طبقاً للمواصفات التي يطلبها الطرفان، ثم نحيلهم إلى مستشفى الملك سعود للاطمئنان على حالتهما الصحية، من بعدها يخضعان لفحص ما قبل الزواج؛ حتى نتأكد من عدم انتقال فيروس الإيدز بنسبة كبيرة جداً تصل إلى 98% إلى الطفل، أثناء الحمل وبعد الولادة».
من ناحية أخرى، أكد هيازع على سعي الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز على تفعيل التوعية حول مرض الإيدز، الذي ساهم مؤخراً في تراجع معدلاته في السعودية بين كل شرائح المجتمع، ويتابع قائلاً: «نحن مستمرون في هذا المسار؛ لأن شعارنا الوصول إلى الصفر في عدد اكتشاف الحالات ونزع الوصمة الاجتماعية عن مرضى الإيدز».