الصفقة

تزوجت صديقتي روضة بفارس أحلامها عصام منذ ست سنوات، وعادت لتستقر معه في البلدة التي ترعرعا فيها، درس معها في المرحلة الثانوية، أحبته قبل أن ينتبه إليها، ما زلت أتذكر الخطط الساذجة التي كنا نعدها للفت انتباه الفتى الوسيم الذي كانت تخطب ودَّه كل فتيات الثانوية، انتبه أخيرًا إليها عندما عرضت عليه مساعدته لتجاوز مشاكله في الرياضيات، لم يكن متوقد الذكاء، ولم أفهم أبدًا لماذا اختار دراسة العلوم ما دامت إمكاناته في مواد هذا التخصص متواضعة للغاية.

لقيتنا روضة في الفندق، واقترحت أن نرافقها   إلى بيتها، تبعناها بسيارتنا، وأخبرت زوجي بأنني لا أصدق أنها تغيرت إلى هذا الحد، شحب لونها، وبرزت عظام خديها، وتهدل جلدها، وتساقط شعرها، وصارت كالشبح المتقدم في العمر، لم تكن يومًا بارعة الجمال، ولا دميمة، أتذكرها يوم عرسها، امرأة تنضح حيوية، وتُشرق بِشرًا وسعادة، انطفأت لمعة عينيها، وذبُل جسدها، عتبنا فيلتها الأنيقة، وجلسنا، وفتحت لنا روضة قلبها، زواجها انهار، وحياتها تحطمت، تعيش منذ شهور وحدها، وتنتظر حكم القاضي،طلبت الطلاق، ورفض زوجها، وماطلت المحكمة، تملكنا الذهول، توقعنا كل شيء غير هذا، انكمشت على نفسها، وبدت في غاية الإحباط، عصام الذي نعرفه تغير، أو لعله... كشف عن وجهه الحقيقي، قصة حبهما كانت تمثيلية، على الأقل من جانبه، تزوجا بعد تخرجها، هي منْ أصر، تعبت من سنوات الخطبة الطويلة، اتفقا على أن تتكفل بمصاريفهما لحين حصوله على دبلومه، كانت غبية، فتحت حسابًا مشتركًا تركته ينهل منه كما يشاء، ولم تحاسبه على شيء، رسب مرارًا، وحين حصل أخيرًا على شهادته، فشل في العثور على عمل يناسب تخصصه، اقترحت عليه أن ينتقلا إلى إحدى المدن الكبرى، خبرتها المصرفية مطلوبة، ولن تلقى عناءً في إيجاد وظيفة أفضل، في الدار البيضاء أو الرباط، رحلا إلى الشمال، ولم يعثر على شيء يرضيه، لم تضغط عليه، عملت في مؤسسة مالية مرموقة، ترقّت بسرعة، وكثرت مسؤولياتها، وتضاعف دخلها، وعاشا في بحبوحة مادية، استكان لها عصام، ولم يعد يشغل نفسه بأمر وظيفته، لم يسرّها ذلك، ولكنها لم تشأ أن تجرح شعوره، مرت السنوات، وبدأت ضغوط حياتها المهنية تخنقها، أرادت أن تقضي وقتًا أطول مع زوجها، وتهتم أكثر بنفسها، وترعى شؤون بيتها، وتفكر جديا في الإنجاب. كلّمته في الأمر، ورفض أن يدعها تترك منصبها المرموق، بدا راضيًا جدًا بالوضع، ألحّت عليه، أثار ارتياحه لوضعهما غير الطبيعي قلقها، لا تراه طيلة اليوم، كيف يمضي وقته؟ وأين؟ ومن هم رفاقه؟ أسئلة كان عليها أن تطرحها على نفسها منذ سنوات، بدأت تتحرّى، ولم يسرها ما اكتشفته، رفقته نسائية في الغالب، عضوات في النوادي التي يتردد عليها، زبونات أسواق تجارية، موظفات، طالبات جامعيات، عاملات... وكل ما يمكن أن يخطر على البال، زوجها زير نساء معروف، واجهته، وانفجر الوضع، اتهمها باللامبالاة والتقصير والهجران، هي من ترك البيت وانشغل بالعمل والمواعيد التي لا تنتهي، عرضت عليه أن تقعد ويشتغل هو، وضحك بسخرية وطلب منها أن تنظر إلى نفسها في المرآة، أي رجل سوي سيرضى بالكد طيلة النهار من أجل أن يصبح ويمسي على خلقة كخلقتها؟ زواجهما مبني على مصلحة مشتركة: اسمه وشخصه مقابل البحبوحة التي تكفلها له!

لم تبكِ ولكن صوتها خانها أكثر من مرة، صدمتها كلماته، وشعرت بالغباء لأنها لم ترَ يوما، أو لم تُرد أن ترى حقيقة الشخص الذي قيّدت حياتها به، طلبت الطلاق، وتركته في الشقة التي لا تزال تدفع أقساطها، وعادت إلى الجنوب.

 لا تعرف ما سيحل بها، لكنها لن تذل نفسها بعد الآن. تركناها وعدنا صامتين إلى الفندق، لم نجد ما نقوله...

 خسر حاتم وظيفته منذ ثلاثة أشهر، وصرنا نعيش على راتبي، رحلتنا إلى الجنوب كانت محاولة لتغيير جو البيت الخانق، ورفع معنويات زوجي الذي لم يجد بعد شغلاً يرضيه، نظراتنا المختلسة إلى بعضنا، وسكوتنا المعبر، وامتعاضنا البادي، كان يترجم أكثر من أي خطاب قلقنا مما سمعناه وخوفنا مما يخبئه لنا المستقبل.