القناديل ـ 2 ـ


أما قنديل الشمس فهو ذو نزوات، وإن كانت نزواته متوقعة ويمكن التنبؤ بها بسهولة، بل بيقين رياضي، فهو قنديل ضوؤه صهد في الصيف والنهار، ضياؤه ناعم في الخريف، وبين العصر والمغرب (أي ساعة الأصيل)، وهو دافئ في الربيع، وحين يسخن فسخونته محتملة، أما في الشتاء فهو ضيف عزيز محبوب، نبحث عنه إذا غاب، ونتصيّد ولو بقعة من نوره نتشمس فيها ونستشفي من برد الشتاء.

وأبسط قنديل هو الشمعة، وهو من أقدم القناديل، أما أقدم قنديل على الإطلاق فهو النار، النار العارية المجردة، فهي كانت مصدر الضوء والدفء وموقد الطهو في كهوف الإنسان البدائي.

أما المشاعل فهي قناديل حربية، استخدمها الإنسان البدائي في صيد الحيوان المفترس أو لاتقاء شره، وكانت مشاعل بدائية، مجرد غصن أو فرع شجرة شبت في طرفه النار.

وقناديل الأعراس، تطفئها رصاصة، إما رصاصة عدو أتى مضمرًا شرًّا، وإما رصاصة احتفالية أطلقها صديق في الهواء ابتهاجًا  فأخطأ الهدف، أو ما يسميه الأمريكان «نيران صديقة»!

ومهما افتنَّ أهل الأرض في صنعة القناديل، تظل قناديل السماء أبهى وأجمل، فانظر إلى الشمس تراها عند الشروق قنديلاً من أرجوان، والظهر مصباحًا ذهبيًّا، والمغرب سراجًا برتقاليًّا، يظل يحمرّ حتى يصير كقنديل الفجر من أرجوان، وانظر إلى القمر كيف يبدأ ابتسامته، ثم يصير نصف رغيف، يزيد ليلة بعد ليلة، حتى يصير رغيفًا مكتمل الاستدارة، ثم يلتهم الليل الرغيف قليلاً قليلاً، ليلة بعد ليلة، حتى يعود نصف رغيف، ثم قليلاً قليلاً، ليلة بعد ليلة مظلمة، حتى يأتي عليه كله، لكنه يعود بقدرة قادر قشرة بطيخ من فضة.

هذه المصابيح الكونية هي ما يعطي الحياة على الأرض إيقاعها، كأنها دفوف من ضوء نرقص على نقرتها الأثيرية، فنقرتها من أثير يشع في الطين، كي يرقص الطين على إيقاعها ويعرف الأيام ويفرح بالمواسم.

أما أعظم قنديل في هؤلاء فهو العقل الذي يُدركها.

وفوق هذا وذاك، فوق كل شيء، وكما يصف ذاته سبحانه وتعالى:

{الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم} صدق الله العظيم.